أثار فوز الحزب الحاكم في الجزائر quot;جبهة التحريرquot; بغالبية ساحقة في الانتخابات التشريعية تساؤلات ملّحة حول إذا ما كان الجزائريون رفضوا التغيير عبر تزكيتهم مجددًا لحزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رغم كل الذي حفلت به المرحلة القليلة الماضية من حيثيات وتحولات كانت تشير ndash; ظاهريًا ndash; إلى تغيير سياسي وشيك في البلد.
الجزائر: في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، شدّد quot;عبد المجيد مناصرةquot; رئيس جبهة التغيير (حزب إسلامي معارض)، على أنّ مواطنيه أضاعوا فرصة ذهبية للتغيير، في وقت كان بالإمكان جعل خامس انتخابات تشريعية تعددية في الجزائر عنوانًا لتغيير هادئ سلس.
يبدي مناصرة قناعة بأنّ quot;إهدار فرصة التغييرquot; تمّ من طرفين: السلطة باعتمادها quot;التزويرquot; على حد قوله، والشعب برفض فئات واسعة منه للتصويت، وهما سلوكان ينمّان بحسبه عن غباء في quot;الاستبدادquot; بالنسبة للجهة الأولى، وغباء في quot;التفكيرquot; بالنسبة للطرف الثاني.
السلطة رفضت التغيير
ذهب المحلل السياسي quot;فيصل ميطاويquot; إلى أنّ الجزائريين لم يرفضوا التغيير، والأصح حسب رأيه أنّ السلطة هي من رفضت مجددًا التغيير، ويعتبر ميطاوي أنّ 42.36 في المئة ممن صوّتوا لا يمثلون الجزائريين كافة اعتبارًا لامتناع قرابة الـ11 مليون ناخب عن المشاركة، معتبرًا نسبة المقاطعة المقدّرة بـ57.64 في المئة دلالة عميقة على رفض الرأي العام المحلي خطط السلطة، وquot;هزيمةquot; لبوتفليقة الذي ظلّ يحفزّ مواطنيه لمراودة صناديق الانتخاب ومع ذلك استجاب له سبعة ملايين شخص فحسب.
حزب quot;جبهة التحريرquot; يفوز بالانتخابات التشريعية في الجزائر |
بدوره، أكّد المتابع للشأن السياسي quot;محمد شرشالquot; على أنّ الشعب الجزائري بريء من نتائج ما سماه بـquot;مهزلة سيئة الإخراجquot;، قائلاً إنّه من غير المنطقي البتة أن يعيد الشارع المحلي انتخاب من تسببوا في نهب الجزائر طولاً وعرضًا، ويقول شرشال الذي يصنف نفسه كواحد من (الأغلبية الصامتة)، إنّه يشكك في صدقية الانتخابات التي رسّخت اعتقادًا أنّ الجزائريين راضون بواقعهم.
الرئيس حسم الموقف
بقوله في آخر خطاباته quot;انتمائي السياسي معروفquot; وquot;أنجزنا لكم الطريق السيارquot;، يكون الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بمنظور المحلل السياسي quot;أنيس نواريquot; هو من حسم موقعة الانتخابات، 48 ساعة قبل موعدها الفعلي، إذ استغل الرئيس شعبيته الجارفة ndash; على حد وصف نواري ndash; في دفع مواطنيه للانتخاب لفائدة جبهة التحرير ndash; بوتفليقة يترأسها شرفيًا -، فضلاً عن حثه على نحو غير مباشر سكان المدينة الأولى في البلاد لتأييد وزيره للأشغال العامة quot;عمر غولquot;.
بهذا الصدد، يسجل المتخصص في الشأن السياسي quot;رمضان بلعمريquot; أنّ الجزائريين لم يرفضوا التغيير، وإنما عبّروا مجددًا عن ثقتهم المفرطة في رئيسهم الحالي، معطين انطباعًا إضافيًا أنّ ثقتهم في رأس السلطة أكبر بكثير من ثقتهم في أعمدة الحزب الحاكم أو غيره من التشكيلات السياسية، وتصويتهم لم يكن بحسب بلعمري حبًا في جبهة التحرير وزعيمها quot;عبد العزيز بلخادمquot;، إنما مبايعة لبوتفليقة شخصيًا، في ظلّ لا معقولية فوز جبهة التحرير التي أضحت في الأشهر الأخيرة حزبًا مفتتًا تفكّك إلى ما لا يقلّ عن ثلاثة أجنحة.
على المنوال ذاته، يستغرب الناشط السياسي الحرّ quot;مراد لدّادquot; كيف لجبهة التحرير الموجودة، وهي محلّ سخط واستياء شعبي عميقين، أن تبتلع لوحدها 220 مقعدًا، ملاحظًا أنّه لما كان عدد الأحزاب لا يتجاوز العشرين، استقرّ نصيب الحزب الحاكم عند المئة مقعد، فكيف تنال وهي quot;مطحونةquot; ndash; زعيمها معزول وأتباعها متصادمون - أزيد من الضعف وسط منافسة 44 حزبًا؟
في المقابل، رأى quot;عبد الرحمان مجبرquot; الناشط في تكتل الجزائر الأخضر (ائتلاف اسلامي) أنّ مواطنيه ينقسمون بين مثقفين وغير مثقفين، وحزب مثل جبهة التحرير متغلغل بقوة في الطبقة غير المثقفة، من حيث لعب أتباعه على وتر الزوايا، القبائل والأعراش، ما رجّح الكفة لمصلحتهم.
رسائل لها مغزى
يحيل الخبير السياسي quot;أنيس نواريquot; إلى كون اقتراع العاشر من مايو حمل معه رسائل لها مغزى، فعدد المصوّتين تجمّد عند حدود تسعة ملايين مثلما أنّ الأصوات المعبّر عنها لم تتعدَّ السبعة ملايين (في وعاء انتخابي يضمّ 21 مليونًا)، كما أنّ المناسبة شهدت ما لا يقلّ عن 1.6 مليون ورقة ملغاة، وهي أظرفة فارغة رفض أصحابها منح أصواتهم لأي مترشح.
الأمر ينطوي بتقدير نواري على رسائل غضب حرص الرافضون للوضع القائم على تمريرها، في حين ارتضى أحد عشر مليونًا إرسال خطاب مفاده quot;الانتخاب لا يعنينا في شيءquot;، لاسيما في بلد اشتهر طوال السنواتالخمس عشرة المنقضية ببرلمانات لا تبدع القوانين، ما جعلها تتحول إلى مكاتب بريد ، بفعل هيمنة الرئيس على كل شيء منذ العام 2006، وإصداره القوانين بأوامر رئاسية زكّاها النواب على الدوام.
نجاح استراتيجية التخويف والانذار الأخير
يتصور الخبير السياسي quot;هيثم ربانيquot; أنّ الشعب الجزائري وجّه إنذارًا أخيرًا لحكّامه، معتبرًا الذين صوّتوا أرادوا quot;التغيير الآمنquot; رافضين وخائفين من تغيير عنفي، أو حتى سلمي متأثرين في ذلك بخطاب سلطوي ظلّ يرهّب الناخبين من عواقب اكتساح الإسلاميين للأصوات.
لعلّ ما تقدّم يفسر تصريح وزير الداخلية الجزائري quot;دحو ولد قابليةquot; إنّ الشعب أعرب عن تمسكه بقيم السلم والاستقرار، وأطلق صفة quot;اقتراع/ملجأquot; على انتخابات العاشر من مايو، وتوزيع المقاعد الـ462 عزّز التوجه نحو الأمان، على حد تعبيره.
هذا ما يقود بمنظور بلعمري ونواري إلى الجزم بأنّ استراتيجية التخويف التي تبنتها السلطة أتت أكلها، حيث استبسل النظام وأبواقه خلال المرحلة القليلة الماضية في استخدام فزاعة quot;الإسلامفوبياquot;، والتحذير من كون المقاطعة ستفتح الباب لتدخل حلف الناتو وتدخل قوى غربية ، بما لن يبقي على أخضر أو يابس، وهو ما استنفر الناخبين للرد بما أرادته السلطة.
هذا المعنى يبرزه quot;أنيس نواريquot; عندما قال: quot;إن الجزائريين عندما تعلق الأمر بشمّاعة التدخل الأجنبي والتهديد الخارجي، صوّتوا لصالح الرئيس بداعي الأمان ورأوا في الجبهة ملجأهمquot;، بيد أنّ ذاك تبرير غير مقنع بنظر المراقبين quot;يونس خطّابquot; وquot;عادل بريكيquot; اللذين يعتقدان أنّ السلطة هي من رفضت التغيير وليس الشعب.
التعليقات