عيد العمال الدموي

اسطنبول: أشعل قيام المخابرات التركية بفتح ملفات أحداث الواحد من أيار (مايو) التي عاشها ميدان تقسيم في إسطنبول قبل 35 عاما، وأدت إلى مقتل 34 شخصا، إلى جانب التصريحات التي قام بها المفكرون الذين كانوا في تلك الفترة بالتيار اليساري، فتيل مناقشات جديدة في تركيا. بعد احتداد النقاشات الدائرة بين المفكرين الإسلاميين واليمينيين واليساريين على صفحات الجرائد. ولم يكتف الصحافيون بالهجوم على بعضهم بل انتهت المسألة باستقالة أحد الصحفيين اليساريين من الجريدة التي يعمل فيها.

كان كل شيء يسير على ما يرام ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقوم بها المخابرات التركية بذلك، فقد قامت في السابق بتصريحات مشابهة لذلك في أحداث أخرى، وكان من الطبيعي أن تفيد أن أحداث عيد العمال الدموي ليس من صنع يدها بل أنه حساب داخلي في اليسار، وما تسبب في طفحان الكيل هو ما كتبه خليل بركتاي الكاتب في جريدة طرف، والذي كان يسارياً سابقاً فعالاً ويُسمع إسمه في المواضيع المتعلقة بإفشاء الإنقلابات العسكرية.

أفاد بركتاي في مقالته أولاً ومن ثم في البرنامج التلفزيوني الذي شارك به أن الساعات التي سبقت البدء بإحتفالات عيد العمال في ميدان تقسيم عام 1977 كانت مليئة بالتوتر، حيث أعلن مؤيديو الحزب التركي الشيوعي المؤيدين للإتحاد السوفيتي والذين كانوا ذات ثقل في النقابات العمالية، بأنهم لن يسمحوا للماويين بالمشاركة في إحتفالات الواحد من أيار (مايو)، وأشار إلى أن هذا الأمر كان معروفاً من قبل كل من شهد على الأحداث في تلك الفترة.

كما أضاف أن الإعلامات التي كانت تنتقل بين الأفراد قبل الواحد هذا التاريخ زادت من حدة التوتر مما تسبب في دخول اليسار إلى هذا اليوم تحت ظل الخلاف والتوتر، وأفاد الكاتب اليساري على أنه لم يتم التوصل إلى هوية الشخص الذي قام بإطلاق الرصاصة الأولى، وأن الإشتباكات ظهرت بسبب الحقد الذي يكنه اليساريون لبعضهم البعض، ومحاولتهم المستمرة لعرقلة بعضهم البعض، وقد توفي أثناء إطلاق النار خمسة أشخاص أحدهم شرطي أما الـ 29 البقية فقد لقوا حتفهم بعد أن دهستهم أقدام الفارين نحو اليمين واليسار بسبب الفوضى.

رد رئيس تحرير مجلة quot;بركيمquot; واليساري المعروف عمر لاتشين أر، على مقالة بركتاي بمقالته التي ذكر فيها أن الأسبوع الذي سبق الواحد من مايو لعام 1977 الذي كانت به محاولة لإقناع الرأي العام أن هناك إشتباكات ستندلع بين اليساريين لتقسمهم، وقال لاتشين أر: هناك من أطلق عليهم الرصاص وقد تم سحبهم.

لو لم تقم الدولة بالتحريض والترتيب لتلك الأحداث يومها فإن الإشتباكات التي كانت ستندلع آنذاك بين إتحاد نقابات العمال الثوريين والماويين لم تكن إلا لتتسبب في مقتل شخص وجرح أخرين لا أكثر.

أما الصحافي اليساري الآخر الذي شارك في النقاش فهو أوميت كيفانتش، وبعد مقالات عدة كتبها في هذا الموضوع استقال من الجريدة التي يكتب فيها لإعتقاده أنها أغريت بكل الإدعاءات، وفي مقالته التي ودع بها قراءه وجريدته، أشار إلى أن الواحد من أيار (مايو) لعام 1977 لم يكن إلا عملية مرتبة من قبل قوى الشر في الدولة، التي أرادت استغلال التوتر الذي عاشه اليساريون بهدف توجيه ضربة قاضية للإشتراكية.

من جهة أخرى أكد الكاتب اليساري تواجد إطلاق للنار من عدة أماكن، قبل الدخول إلى ميدان تقسيم، وبأن إطلاق النار ذاك لم يكن بهدف قتل أحد بل كان يهدف إلى خلق الذعر والفوضى، ورغم ذلك فقد أصيب العديد من جراء إطلاق النار، وقوات الشرطة التي تواجدت في ذلك اليوم لم تكن على علم بما سيجري، فالمخطط كان أقوى من ذلك وفي إطار من السرية، وأنهى كيفانتش مقالته قائلاً : إذا كان من غير الممكن أن يقال عن الحدث الذي قتل به أكثر من ثلاثين شخص بأنه مجزرة فلنقل أن الواحد من أيار (مايو) لعام 1977 كان محاولة لإقامة مجزرة وقام في الختام بإنتقاد جريدته التي قامت بدعم الصحافيين الذين اتهموا اليساريين في تلك الأحداث وتقديم إستقالته للإنضمام إلى موكب الصحفيين الذين إضطروا إلى الإستقالة.

ودّع كيفانتش قراءه بالسطور التالية: quot;برأيي لعبت جريدة طرف دوراً مهماُ في تاريخ الإعلام في تركيا وحتى في التاريخ السياسي على المستوى العالمي، ومن الصعب على أحد إنكار ذلك، وككاتب في هذه الجريدة كنت من الأشخاص الذين تحملوا كل الأعباء المادية والمعنوية لدعمها ولست بالنادم على ذلك. أتمنى لطرف النجاح والعمر الطويل، وأشكر قرائي لتشجيعهم ودعمهم لي طيلة فترة كتابتي في هذه الجريدة. لنقل أنني ضعفت وتعبت وكل كلمة أصبحت دون معنى بالنسبة لي.كل الخطأ على عاتقي....وداعاًquot;.