إسلام أوزكان: تسبب التصريح الرسمي لوزارة التربية والتعليم في تركيا، الذي ينص على أنها لن تقوم بعد الأن بتنظيم إحتفالات عيد الشباب والرياضة في التاسع عشر من أيار/مايو، وهو التاريخ الذي بدأ به أتاتورك حرب الإستقلال، بإشعال فتيل موضوع جديد وساخن في تركيا، إلى جانب مسألة التخلص من الوصاية العسكرية وتحويلها الى دولة مدنية.

فقد زادت الإنتقادات الموجّهة إلى حزب العدالة والتنمية. وإعتبر البعض ذلك هجومًا على القيم الأتاتوركية، واصفاً هذا القرار بأنه حملة جديدة من الحكومة تحت قناع الديموقراطية للقضاء على تلك القيم. أما الطرف الليبرالي والمحافظ المعروف بنظرته الإنتقادية لأتاتورك فقد إستقبل هذا التصريح بسرور، والأمر الملفت للإنتباه هنا هو عدم قيام أي مسؤول عسكري بالتعليق على هذا القرار حتى الآن.

من أكثر الشخصيات التي دعمت قرار الحكومة بشدة، وإنتقدت الأصوات المعارضة، هي ممتاز أر تورك أونه الصحافي في جريدة quot;زمانquot;، فقد شبّه إحتفالات التاسع عشر من مايو بالإحتفالات الفاشية، التي كانت تقام في عهد هتلر، مشيراً إلى أنها لم تكن موجودة في الفترة الأولى من الإعلان عن الجمهورية، وأن الهدف الوحيد منها كان هو تشجيع الشباب على الرياضة، لذا فقد كانت تقام في تواريخ مختلفة عروض ومسابقات رياضية محصورة فقط في مدينة صامصون.

ويعتقد تورك أونه أن البدء بالإحتفال بعيد التاسع عشر من مايو بشكله الحالي يعود إلى عام 1938 بعد ضم المسابقات والعروض الرياضية إلى إحتفالات توجه أتاتورك إلى مدينة صامصون.

يؤكد تورك أونه على عدم وجود أي علاقة بين الإحتفالات والرياضة أو التأثير بشكل إيجابي على تطويرالعادات الرياضية لدى الشباب، فهم برأيه لا يقومون إلا بالدوران نحو اليمين واليسار، وتمثيل الطريقة التي يذوب بها الفرد داخل المجتمع ليفقد ذاته، أي بمعنى أخر أن الإحتفالات تصوير للفلسفة الفاشية التي تنص على أنه (لا يوجد هناك فرد، بل هناك مجتمع ... لا يوجد حق، بل هناك وظيفة).

صاحب وجهة النظر المشابهة في هذه المسألة هو موتلو تونباكيجي الصحافي في جريدة وطن، والذي كان معروفاً بنظرته السياسية المحايدة تجاه حكومة حزب العدالة والتنمية، فقد إنتقد الكاتب ردود الافعال الموجّهة إلى هذا القرار بدلاً من إبداء سروره به، مفيداً بأن المعارضين لهذا القرار ينتقدون قرار إلغاء الحكومة لإحتفال يجتمع فيه مئات الآلاف من الناس في مكان واحد بمنطق عسكري يشبه الفترة الفاشية، ولا ينتقدون هبوط المستوى التعليمي أوعدم وجود أي نجاح للجامعات التركية على المستوى الدولي أوعدم وجود البنية التحتية في المدارس للقيام بالفعاليات الرياضية.
وقد إستخدم في إنتقاده للمعارضين طريقة ساخرة، حيث أشار إلى ما عاناه الطلبة في إحتفالات العام الماضي لعيد التاسع عشر من مايو أثناء تمثيلهم لعملية نقل السلاح على ظهر عربة يجرها ثور بعد هجومه عليهم، وبأن مسألة الإنتقاد بالنسبة إلى المعارضين هي أمر سهل، لكونهم لم يعانوا من هجوم الثور.

أما عند النظر إلى ما كتبه أحمد هاكان المحافظ القديم والصحافي في جريدة الحرية التي كانت دوماً معارضة للحكومة، وإضطرت في ما بعد إلى تليين معارضتها بعد زيادة قوة الحكومة، فقد أفاد في مقالته التي كان عنوانها (لن يحب أحد هذا المقال حول عيد الشبيبة والرياضة) أن هناك أسبابًا تجعل الحكومة محقة في القرار التي إتخذته، إلا أنه في الوقت نفسه إتهم المحافظين بأنهم يقعون في الخطأ عينه الذي وقع فيه مؤيدو أتاتورك بمناقضتهم لنفسهم وإبداء وجهات نظر خاطفة.

مشيراً إلى أن وجهة النظر المحافظة تختار إلغاء الأمر الخاطئ بدلاً من محاولة تصحيحه، تلك الأخطاء نفسها التي ارتكبها مؤيدو أتاتورك والحداثيون لدى قيامهم بمحاولة الحفاظ على قيم أتاتورك المتبقية من القرن الماضي بقوة السلاح والسلطة.

إتخذت حكومة حزب العدالة والتنمية في كانون الثاني/يناير من العام الماضي قراراً بأن تنظيم إحتفالات التاسع عشر من مايو هو من مسؤولية وزارة التربية والتعليم والرياضة والشباب. أما الوزارة فقد أعلنت بعد فترة بأن الدولة لن تكون الجهة المنظمة للإحتفالات، وإثر كل النقاشات والإنتقادات التي ظهرت أشار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في حديث له إلى أن الحكومة لن تتراجع عن أي قرار إتخذته، وأن إلغاء الإحتفالات، التي يعتبرها هراء، لا يعني إلغاء عيد التاسع عشر من مايو، بل هو رجوع إلى المراسم الحقيقية.