يرى خبراء وساسة أن دعوة الرئيس التونسي إلى إجراء انتخابات بلدية قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية تفتقد إلى الشرعية مشددين على ضرورة وضع دستور للبلاد لينظم العلاقة بين مؤسسات الدولة كخطوة أولى.


تونس: أكد رئيس الجمهورية التونسية الدكتور المنصف المرزوقي وللمرة الثانية أمام ممثلين عن المجتمع المدني والأحزاب السياسية خلال زيارته إلى ولاية نابل، شمال شرقي العاصمة تونس، على ضرورة إجراء الانتخابات البلدية قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية لأنها تمثل مقومًا أساسيًا من مقومات نجاح المرحلة الانتقالية التي تؤسس لجمهورية ثانية.

الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أكد من جهته أنّ حالة عدم الاستقرار التي يشهدها العمل البلدي بعد انتهاء مدة تكليف النيابات الخصوصية تتطلب إجراء انتخابات بلدية في الأشهر القليلة القادمة وقبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية، مشيرًا إلى أن تأجيلها إلى حين صياغة الدستور الذي لن يكون جاهزًا قبل أكتوبر القادم من شأنه أن يزيد في تدهور أداء البلديات ونجاعتها.

دعوة رئيس الجمهورية إلى تنظيم انتخابات بلدية سابقة للانتخابات الرئاسية والتشريعية أثارت جدلاً ورفضًا من غالبية الأحزاب السياسية.

الناطق الرسمي باسم حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات محمد بالنور تحدث في إفادة لـquot;إيلافquot; متسائلاً: quot;ما الجدوى من طرح هذه المسألة التي لا تبدو مستعجلة، وليست ذات أولوية في هذه المرحلة التي نعدّ فيها دستورنا؟ قائلاً: quot;صحيح أنّ النيابات الخصوصية للبلديات تعتبر فاقدة للشرعية لأنه تمّ انتقاء أعضائها، ولكن كيف سيتم إجراء انتخابات بلدية دون إعداد القانون الخاص والمنظم لذلك؟quot;.

المرزوقي متحدثًا إلى وسائل الإعلام

محمد بالنور أكد على أنّ دعوة رئيس الجمهورية إلى إجراء انتخابات بلدية يجب أن يسبقها حوار وطني بمشاركة كل المهتمين والمتدخلين في الشأن البلدي وبعيدًا عن المجلس التأسيسي الذي تأخر في صياغة الدستور ولا يمكن تحميل أعضائه مهام أخرى أمام ضاغطة الزمن، ويتم خلال هذا الحوار الوطني وضع إجراءات تنظم الانتخابات مع العمل على بعث بلديات جديدة في عديد المناطق التي تتطلب هذا المرفق العمومي الهام، ويقوم المختصون بإعداد تقارير للوضع الحالي للمدن، وهي عمليات ضرورية يجب أن تسبق انتخابات بلدية نزيهة، يساهم المنتخبون في النهوض بالمدن التونسية.quot;.

وأكد بالنور على أن أغلب الأحزاب تفتقد حاليًا إلى مشاريع تنظم العمل البلدي الذي يتضمن إنجازات ومشاريع بعيدة عن الأحزاب لتقوم الجهات المحلية بالتفكير في المشاريع المحلية التي تراعي مصلحة الساكنين وتنهض بشؤونهم وتفيدهم وتساهم في تطوير المناطق الحضرية.

من جهته، رأى عضو حزب الأمانة عبداللطيف الفيتوحي في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ دعوة رئيس الجمهورية لا يمكن تنفيذها في الفترة القادمة، قائلا: quot;لا يمكن إجراء انتخابات بلدية بينما الدستور لم يصغ بعد، وهو الذي يحدد المؤسسات الدائمة للدولة على المستويين المحلي والجهوي، وبالتالي علينا أن ننتظر صياغة الدستور لنعرف النظام السياسي الذي سنعتمده على المستويين المركزي والمحلي، وعلى ضوء ذلك يمكن أن نجري انتخابات.quot;

وأضاف عضو حزب الأمانة: quot;الدستور يمكن أن يقرّ صلاحيات جديدة للبلديات على مستوى التسيير والتنظيم وحتى على مستوى التشريع، وبالتالي نعتبر أن الدعوة إلى انتخابات بلدية تعتبر سابقة لأوانها، فاليوم هل ننظم انتخابات وفق نظام بن علي و بأية صلاحيات.quot;.

وطرح الفيتوحي بديلاً من ذلك، فقال:quot; يمكن تشريع قانون استثنائي يسهل عمل البلديات التي لا يمكن الحديث عنها قبل عامين على الأقل، لأنه يجب أن تكون الانتخابات البلدية بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وهذا القانون الاستثنائي يعطي شرعية للنيابات الخصوصية المشرفة على البلديات حالياً حتى يحين الموعد الطبيعي والمنطقي لانتخابات بلدية شرعية عوض القيام من حين لآخر بعمليات quot;تجميليةquot; ليست قادرة على الاهتمام بمشاغل المواطنين.quot;.

وأشار الفيتوحي إلى أنّ الوضع الحالي للبلديات من خلال النيابات الخصوصية التي تشرف عليها موقت ويعتبر صعبًا، وقال: quot;نحن نعرف جيدًا أن الوضع في البلديات صعب والمدن تشكو عديد المشاكل، ولكن لا يمكن تجاوز ذلك بانتخابات بلدية سابقة لأوانها، ولكن لا بد من انتظار صياغة الدستور حتى تتضح معالم النظام الجديد الذي نروم بلوغه وهذا ما حتمته علينا فترة الانتقال الديمقراطي التي تتطلب وقتًا وحتى تضحيات من الجميع.quot;.

الخبير في القانون الدستوري، قيس سعيّد، قال خلال حديثه مع quot;إيلافquot;: quot;وإن كانت دعوة رئيس الجمهورية إلى إجراء انتخابات بلدية تمثل دعوة إلى الاهتمام بشأن المواطن وعلاقته بهذه الجماعات المحلية التي تبدو في حاجة إلى النشاط، ولكن يحقّ التساؤل عن القانون الانتخابي الذي سينظم هذه الإنتخابات، فوفق أي قانون ستكون هذه الإنتخابات؟.quot;.

ويشدد قيس سعيّد على ضرورة مراجعة القانون الأساسي للبلديات لسنة 1975 والعمل على صياغة قانون انتخابي جديد ينظم عملية الانتخابات وينظم العمل البلدي، ويمكن للمجلس الوطني التأسيسي أن يضع تصورًا للتنظيم اللامركزي من خلال انتخاب هيئات تشريعية جهوية.

وعن وجه الشبه بين دعوة المرزوقي 2012 ودعوة بورقيبة 1957 قال الخبير في القانون الدستوري: quot;ما كان قائمًا عام 1957 مختلف عن الوضع الحالي عام 2012، الاختلاف على مستوى التوازنات السياسية ومطالب الشعب التونسي حيث أجريت انتخابات بلدية في مايو 1957 اعتمادًا على قانون انتخابي خاص.quot;.

أما عضو الهيئة التأسيسية للحزب الجمهوري مصباح شنيب فقد أكد لـquot;إيلافquot; أن دعوة الرئيس المرزوقي إلى تنظيم انتخابات بلدية سابقة للانتخابات الرئاسية والتشريعية تبدو غير منطقية، وأضاف: quot;الدعوة إلى انتخابات بلدية في الظرف الراهن من عدم استقرار الأوضاع وفي ظل التجاذبات الحاصلة من هنا وهناك عمليًا غير ممكنة لأن الإعداد لهذه الانتخابات يكلّف ماديًا وبشريًا خاصة أن الساحة السياسية والاجتماعية لا تعيش حالة استقرار، وبالتالي من الخطأ أن نقدم على إجراء انتخابات بلدية في ظل هذه الأوضاع.quot;.

وأضاف شنيب: quot;يمكن أن ننتظر الانتهاء من صياغة الدستور واستكمال القانون الانتخابي الذي ننتظر أن يسنّ حتى نبني انتخابات سليمة وفي ظروف اجتماعية طيبة وتكون البلديات لها قوة الشرعية، وبالتالي مجال العمل الجدي والناجع الذي يفيد مدننا وينهض بهاquot;.