قوة تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما حول اعترافه بأحقية زواج المثليينأثارت جدلاً واسعًا في صفوف المجتمع العربي الأميركي، الذي كان قد شارك في عملية التصويت السابقة للفترة الرئاسية الحالية. ما جعل الكثير من المتابعين يعتبرون أنه قد عرّض نفسه لمجازفة كبيرة، لم يكن بحاجة إليها، وقد تفقده عددًا لا بأس به من الأصوات، التي كان قد حظيّ بها في الفترة الرئاسية الأولى، وساهمت بشكل أو بآخر في مساعدته على الوصول إلى مقعد الرئاسة. واعتقد الكثيرون أنها قد تهزّ حظوظه الإنتخابية لفترة ولاية ثانية. إلا أن ذلك سرعان ما تلاشى كفقاعات الماء في الهواء. فلا تزال فرصته في الفوز هي الأقوى، على اعتبار أنه أقلضرراً أمام منافسه الجمهوري رومني، الذي لا يحظى بشعبية كبيرة لدى شريحة كبيرة في المجتمع العربي الأميركي.


تأييد أوباما لزواج المثليين لا يروق الجاليات العربية في أميركا لكن جل اهتمامها منصب على مرشح يدعم قضاياها

نسرين حلس من واشنطن: منذ أن أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما تأييده لزواج المثليين، سادت حالة من الجدل حول تبنيه مثل هذا الموقف في هذا الوقت تحديدًا، الذي ينطوي على مجازفة كبيرة، قد تهدد فرصته الإنتخابية لفترة ولاية ثانية، سواء في الولايات التي تعارض هذا الزواج، أو لدى الأقليات العرقية الأخرى التي تحرم هذه العلاقة دينيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا.

وكان أوباما قد صرّح لشبكة quot;بي بي سيquot; في مقابلة أجريت معه بأنه توصل إلى ذلك بعد تفكير طويل ومناقشة الأمر مع الأصدقاء وأفراد العائلة والجيران.

ويرى بعض المراقبين أن أوباما لم يكن يحتاج التصريح بهذا الرأي في هذا الوقت تحديدًا، لكونه يتعارض وتوجّه الجمهوريين المحافظين، الذين من المؤكد أنهم سيستغلون هذه النقطة لمصلحة مرشحهم رومني، الذي يعارض هذا الزواج، كما عارضه من قبله الجمهوريون.

ظهر ذلك جليًا عندما سارع المرشح الجمهوري إلى استغلال ذلك، والإعلان عن أنه لا يؤيّد الزواج بين فردين من الجنس نفسه، ولا حتى الإرتباط المدني بينهما، إن لم يكن يختلف عن الزواج بالتسمية.

وعلى الرغم من المجازفة الكبيرة التي بنى عليها اوباما تأييده لهذا الزواج، والتي كان من الممكن أن تفقده فرصته في الفوز، لكون الأمر مرفوضًا اجتماعيًا وأخلاقيًا ودينيًا لدى المجتمع العربي الأميركي بكل أطيافه وشرائحه، الذي مازال يسعى إلى المحافظة على دينه وأخلاقه، وهذا يتعارض معه.

إلا أن المؤشرات حتى اللحظة تشير إلى أن حظوظ أوباما هي الأقوى للفوز بفترة ولاية ثانية. على اعتبار أنه الأقل ضررًا من المرشح المنافس الذي يمتلك برنامجًا لا يرقى إلى طموح العرب الأميركيين، ولا يختلف عن الخط العام لسياسة الحزب الجمهوري المعروف بتشدده تجاه قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركي الخارجية وتبنيه للخط العام لسياسة (إدارة جورج دبليو بوش)، والذي صرّح بأنه سيفرض عقوبات صارمة على إيران، وسيزيد المساعدات لإسرائيل من دون التطرق إلى القضايا العربية.

يعود عدم اهتمام الناخب العربي بقرار زواج المثليين الذي أيّده الرئيس أوباما أخيرًا إلى طبيعة المجتمع الأميركي، الذي لا يحبّذ هذا النوع من العلاقات، لكنه لا يحاربه. وذلك من منطلق المفهوم السائد للحريات العامة. فبوادر الرأي العام الأميركي تشير إلى تقبل فكرة زواج المثليين، على الرغم من تصدي الجماعات المحافظة لما تعتبره quot;خللاً فكريًاquot;.

يرى المحلل السياسي مختار كامل أن أوباما ما كان بحاجة إلى الإقدام على خطوة كهذه كي يزيد من حظوظه الإنتخابية، وكان بإمكانه أن يكون محايدًا، وليس مؤيدًا، عندما سئل عن موضوع المثليين من قبل المذيع.

معتقدًا بوجود أسباب عدة دفعته إلى إختيار ذلك التوجّه، منها وجود كتلة انتخابية لم تحسم أمرها بعد، ومن الممكن أن تحسمه لمصلحته. هذه الكتلة تتطلب الإعتراف بحقوقها. والرأي العام يتجّه إلى تقبلها نوعًا ما، حتى وإن كان لا يحبّذها، ثم إن تقديرات الجهاز الذي يعمل معه والمحيطين به وجدوا أن المكسب في حالة الإعتراف بحقوق تلك الفئة يفوق الخسارة، خاصة أن استطلاعات الرأي الأخيرة الصادرة من معهد جالوب تفيد أن 50 % من الأميركيين يؤيدون زواج المثليين، و48 % منهم يعتقدون بوجوب تشريعه.

يستبعد كامل تقويم الجالية العربية الأميركية لأي مرشح من منطلق الإعتراف بزواج المثليين. فهم على دراية كاملة بانفتاح المجتمع الأميركي، الذي يتقبل تعايشه مع تلك الفئة، وإن كان بعضهم يرفضها ولا يحبّذها. كما إنه يعيد ذلك إلى أن جل اهتمام الجالية العربية منصبعلى شؤونها وقضاياها العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وكيفية تعامل المرشح المقبل مع ملف الشرق الأوسط وإخراج الجيش من العراق، والملف الإيراني. واختيارها لمرشحها أيضًا سيكون على أساس برنامجه الإقتصادي وبرنامج الرعاية الصحية والبطالة.

في حين يرى الدكتور محمد سعيد أستاذ العلوم السياسية في إحدى الجامعات في ولاية نيويورك أن أوباما ما كان عليه أن يقرّ بزواج المثليين كي يكسب الجولة أمام خصمه الجمهوري. مبررًا تعرّضه لضغوط متزايدة لإيضاح موقفه حول هذه النقطة، التي لا يتفق حولها الأميركيون أنفسهم.
مؤكدًا أنه بهذه الخطوة جعل نفسه في دائرة الخطر أمام الجمهوريين، الذين لم يتوانوا عن استغلال تلك النقطة لمصلحتهم، خاصة أن هذا التصريح جاء بعد يوم واحد فقط من إعلان ولاية نورث كارولينا عن موافقتها على إجراء تعديل دستوري يحرّم زواج المثليين. لكنه رجّح فوز أوباما لفترة رئاسية ثانية، ليس بسبب نجاحاته أو ما الذي حققه، وإنما لضعف المرشح الجمهوري الذي ينافسه والبرنامج السياسي الذي يتبناه. خاصة أن هناك فئة كبيرة من الأميركيين جلّ اهتمامها هو الإقتصاد والبطالة، وهو لم يتحدث عن ذلك، بل كان تركيزه منصباً على السياسات الخارجية.

ويرى الكثير من العرب الأميركيين أن إعلان أوباما عن تأييده زواج المثليين غير محبذ، لكن يجب عدم التوقف عند هذه النقطة فقط، ذلك أن الحزب الديمقراطي المنبثق منه الرئيس باراك أوباما يؤمن بحقوق المثليين، وإن كانت المرة الأولى التي يتم فيها تأييد زواجهم من قبل رئيس أميركي، خاصة أن هنالك ولايات كثيرة محافظة، وترفض العلاقة بين أبناء الجنس الواحد.

وينظر الكثير من العرب الأميركيين قبل انتخابهم أي مرشح إلى أي منهم هو (أقل ضرراً). ذلك أن لكل مرشح أجندة وبرنامجًا خاصًا قد يتعارض وقضايا العرب والمسلمين الأميركيين بالنسبة إلى بلدانهم الأصلية. وهو ما يجعل تأييد زواج المثليين أو غيره من القضايا الأخرى مسألة ثانوية أمام الناخب العربي الأميركي.

وكان الدكتور عماد أنشاصي ممثل الجالية المسلمة في ولاية أوكلاهوما قد صرّح في وقت سابق من انتخابات الرئاسة الأميركية بأن الجالية المسلمة المتواجدة في أميركا قد تشارك في عملية التصويت، وستحسم أمرها لمصلحة المرشح (الأقل ضررًا) في الانتخابات.