المعارضون السوريون في الداخل معجبون بتركيا والولايات المتحدة

أجرت مؤسسة بتشتل المتخصصة بدراسة الرأي العام في المناطق الساخنة من الشرق الأوسط وافريقيا وآسيا، استطلاعا سريا للرأي لناشطي المعارضة في سوريا، وأظهرت النتائج أن المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد يبدون إعجابا بتركيا كنموذج للحكم في سوريا.


لندن: تتزايد الدعوات المطالبة بتدخل المجتمع الدولي في سوريا بعد مجزرة الحولة التي قُتل فيها 108 أشخاص نصفهم تقريبا من الأطفال، ولكنّ عقبات ما زالت تعترض طريق التدخل وخاصة الخوف من سيطرة إسلاميين أصوليين على المعارضة السورية، وعلى سبيل المثال إن المجلس الوطني السوري كان حتى الآونة الأخيرة برئاسة برهان غليون الذي نظر الغرب عموما الى رفضه التصدي لجماعة الإخوان المسلمين على أنه مؤشر يثير القلق الى نفوذ الاسلاميين، كما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال.

ولكن استطلاعا سريا لآراء ناشطي المعارضة في سوريا يكشف أن الإسلاميين لا يشكلون إلا أقلية بينهم. ويشير الاستطلاع الى ان مناوئي الأسد في الداخل يعتبرون تركيا نموذجا للحكم في سوريا، وان كثيرين منهم حتى يكنون إعجابا بالولايات المتحدة.

وأجرت مؤسسة بتشتل المتخصصة بدراسة الرأي العام في المناطق الساخنة من الشرق الأوسط وافريقيا وآسيا، استطلاعها لآراء المعارضين السوريين في كانون الأول (ديسمبر) 2011. واتصلت المؤسسة بالمستجيبين عن طريق أشخاص يثقون بهم استخدموا طريقة اتصال مأمونة على سكايب، وكانوا جميعهم سوريين طُلب منهم ان يجيبوا بالعربية عن اسئلة استبيان مختصر دون ذكر أسمائهم. واختارت المؤسسة عيّنتها من شرائح اجتماعية وسياسية مختلفة بما يضمن تعبير المشمولين بالاستطلاع عن اجمالي مواقف المعارضة بصورة تقريبية. ولضمان سرية الاستطلاع لم تكن المشاركة في الاستطلاع على الانترنت إلا عن طريق سلسلة من الخوادم الوكيلة متخطية الانترنت التي يراقبها النظام السوري.

وإزاء المتطلبات الأمنية غير المعهودة للاستطلاع، جرى اختيار افراد العينة بطريقة الإحالة (أو ما يُسمى quot;كرة الثلج المسيطَر عليهاquot;) بدلا من الطريقة العشوائية المحضة. وبغية ان يكون الاستطلاع تمثيليا قدر الامكان، استخدم الاستطلاع خمس نقاط انطلاق مختلفة لسلاسل الإحالة المستقلة التي تعمل كلها من أماكن مختلفة. وأسفرت هذه العملية عن عينة تضم 186 شخصا في سوريا هم إما ناشطون في المعارضة (ثلثا المجموع) أو لهم ارتباط بها.

فما الذي يفكر فيه هؤلاء الناشطون من معارضة quot;الداخلquot;؟ أعرب نحو ثلث فقط عن رأي ايجابي بجماعة الاخوان المسلمين، وكانت نظرة نصفهم تقريبا سلبية الى الاخوان المسلمين والباقين نظرتهم محايدة، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال، مشيرة الى ان تباينات كبيرة لم تظهر بين المناطق المختلفة في الاجابة عن هذا السؤال.

وكانت الصيغة التي طُرحت بها غالبية الأسئلة تقول quot;على مقياس من 1 الى 7 حيث 1 أعلى درجات السلبية و7 أعلى درجات الايجابية ، كيف تقيم رأيك بـquot;سquot;؟ واعتُبرت الاجابات من 1 الى 3 سلبية و4 محايدة و5 الى 7 ايجابية.

وفي حين أن كثيرا من المشمولين بالاستطلاع كانوا مع القيم الدينية في الحياة العامة، فإن نسبة صغيرة فقط أبدوا تأييدا قويا لتطبيق الشريعة أو لمشاركة رجال الدين بنفوذ قوي في الحكم أو شددوا بقوة على أهمية التربية الاسلامية.

وقالت أغلبية واسعة (73 في المئة) quot;انه من المهم أن تتولى الحكومة السورية الجديدة حماية حقوق المسيحيينquot;. وقال 20 في المئة فقط ان للقادة الدينيين تأثيرا كبيرا في آرائهم السياسية.

كما تبدى هذا الرفض الواسع للأصولية الإسلامية في آراء الذين جرى استطلاعهم بنظام الحكم. إذ سأل الاستطلاع كل مجيب عن البلد الذي يود ان يرى سوريا تقتدي به سياسيا والبلدان التي يود ان يرى سوريا تقتدي بها اقتصاديا. وأدرج الاستطلاع 12 بلدا لكل منها مقياس من 1 الى 7. وكان لدى 5 في المئة فقط رأي ايجابي بالعربية السعودية كنموذج سياسي. وعلى النقيض من ذلك، فإن 82 في المئة منحوا تركيا درجة ايجابية بوصفها نموذجا سياسيا واقتصاديا على السواء، بينهم اكثر من 40 في المئة رأيهم ايجابي للغاية. ونالت الولايات المتحدة تقييما ايجابيا من 69 في المئة بوصفها نموذجا سياسيا تليها فرنسا والمانيا وبريطانيا بفارق ضئيل وراءها. ونالت تونس تقييما ايجابيا من 37 في المئة فقط ومصر 22 في المئة.

وجاءت إيران في أسفل القائمة بين جميع البلدان التي أدرجها الاستطلاع، بما فيها روسيا والصين. إذ كانت نسبة الذين منحوا ايران درجة تقييم ايجابية أقل حتى من 2 في المئة. وأبدى 90 في المئة رأيا سلبيا بحزب الله بينهم 78 في المئة كان رأيهم على أقصى درجات السلبية.

وكان من المفاجآت التي أسفرت عنها نتائج الاستطلاع، سعة شبكة المعارضة في دمشق رغم المصاعب التي يواجهها معارضو العاصمة في التظاهر. وقال ثلث المستجيبين للاستطلاع، سواء أكانوا ناشطين أو متعاطفين مع المعارضة، انهم يعيشون في العاصمة السورية. ولحماية خصوصيتهم لم يطلب الاستطلاع تعريفا أدق بهويتهم.

وتبين نتائج الاستطلاع ان معارضة quot;الداخلquot; على مستوى جيد من التعليم حيث كان ما يربو قليلا على النصف من خريجي الكليات، وكانت نسبة الذكور الى الاناث نحو 3 الى 1 و86 في المئة من العرب السنة.

وقد لا يكون مستغربا ان موقف المشمولين بالاستطلاع كان متأرجحا من مطالب الكرد السوريين باللامركزية السياسية (صيغة شبيهة بالحكم الذاتي). إذ كانت الآراء بالأحزاب الكردية منقسمة بالتساوي بين السلبي والمحايد والايجابي. ومن الواضح ان مثل هذه المشاعر متبادلة، ففي الأشهر الستة منذ إجراء الاستطلاع، قررت التنظيمات الكردية السورية ان تعتمد نهجا خاصا بها بعيدا عن فصائل المعارضة الأخرى، كما تلاحظ صحيفة وول ستريت جورنال التي نشرت نتائج الاستطلاع.

واستنادا الى التحليل الاحصائي لمعطيات الاستطلاع، فإن غالبية العلمانيين الذين شاركوا فيه، يفضلون حكومة مركزية ضعيفة كطريقة لحماية حرياتهم الشخصية على ما يُفترض. ومن جهة أخرى، فإن ثلث المستجيبين الذين يؤيدون الإخوان المسلمين، يميلون ايضا الى اتخاذ موقف ايجابي من حركة حماس رغم ارتباطاتها السابقة بنظام الأسد.

ويبين الاستطلاع أن العمود الفقري للمعارضة السورية في الداخل لا يتألف من الاخوان المسلمين أو أي قوى أصولية، وهو بالتأكيد لا يمت بصلة الى تنظيم القاعدة أو غيره من الجماعات الجهادية. ولا بد من الإشارة إلى ان ثورة يفجرها علمانيون يمكن ان تمهد الطريق أمام الاسلاميين للفوز بالانتخابات كما حدث في مصر. ولكن المعارضة السورية تتخذ موقفا ايجابيا لا يقبل اللبس من الولايات المتحدة وغالبيتها الساحقة تتخذ موقفا سلبيا من حزب الله وايران، بحسب الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة بتشتل.