لا تزال تونس رغم مرور نحو عام ونصف على ثورتها ترزح تحت جملة مشاكل اقتصادية واجتماعية تضرب بنيان المجتمع وتهدد منجزاته.


تونس: حسب العديد من التقارير، فإن الانفلات الأمني في تونس تحول إلى ظاهرة تستحق التساؤل حول ما إذا كانت الشعوب العربية قادرة على استيعاب فائض الحرية الذي حملته ثورات الربيع العربي إلى بعض الأقطار.

وتونس التي كانت تتباهى بشهرتها quot;العالميةquot; في احتضان أكبر المناسبات والتظاهرات بصرامة مبالغ فيها أحيانًا أصبحت في زمن ما بعد الثورة عاجزة عن تنظيم مباراة رياضية. والجمهور التونسي محروم من أجواء الملاعب لأن المقابلات تدور من دون حضور جمهور.

ويحذر مراقبون من هيمنة المد السلفي المتشدد الساعي الى ضرب الدستور التونسي وتغيير الواقع من خلال فرض الافكار والقيم المتشددة في أبرز بلد عربي علماني، وهذا ما تثبته التحركات الاخيرة التي قامت بها تلك الجماعات السلفية.

عناصر الأمن التونسي يواجهون أحد أحداث العنف

وتعهد وزير الداخلية التونسي علي العريض مؤخراً في رسالة مبطنة إلى المجموعات السلفية المتشددة بتطبيق كامل لقانون الطوارئ من أجل ردع العنف الذي اجتاح مؤخراً عدداً من المدن في البلاد وفجر انتقادات واسعة تجاه المؤسسة الأمنية ملوحاً باستخدام الرصاص الحي إذا لزم الأمر لاستتباب الأمن.

وحذرت quot;المجموعة الدولية للأزماتquot;، وهي منظمة غير حكومية، في تقرير نشرته الأربعاء من أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي كانت السبب الرئيسي في اندلاع الثورة التونسية كارتفاع معدلات البطالة، والتفاوت الصارخ بين مختلف مناطق البلاد، والتهريب والفساد لا تزال quot;دون حل (..) ويمكن أن تؤدي إلى تأجج الأحداث من جديدquot;.

وقالت المنظمة في تقرير بعنوان: quot;تونس: مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصاديةquot;، إنه quot;ثمة تحديات اجتماعية واقتصادية هائلة تهدد بتقويض أو حتى وقف التقدم المحرز في تونس، رغم نجاح الانتقال الإيجابي إلى الديمقراطيةquot; في هذا البلد الذي انطلقت منه أولى ثورات quot;الربيع العربيquot;.

وأوضحت أن الفساد quot;لا يزال مستشريًا ويثير قدرًا كبيرًا من الاستياء والسخطquot; في صفوف التونسيين، معتبرة أن مكافحته quot;مهام ملحة ينبغي القيام بها دون إبطاءquot;.

وأشارت إلى استشراء الفساد والتهريب في quot;أماكن أخفقت فيها الدولة المركزية، التي تعاني من الوهن أحيانًا (..)، في استعادة سلطتهاquot;.

وذكرت أن quot;الحكومة (الحالية التي يرأسها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة الاسلامية) لم تتمكن حتى الآن من وضع حد للفساد، وأحداث العنف المحلية المرتبطة بإعادة توزيع السلطة، أو تكاثر شبكات التهريب التي تسهم في تفاقم مشكلة التضخمquot;.

وذكرت بأن quot;الثورة التونسية غير المنتهية بعد، والتي أفضت إلى انتخابات ناجحة في تشرين الأول/أكتوبر 2011، بعثت الأمل في الناس بإيجاد حل سريع لمصاعبهم اليوميةquot;، لكنها استدركت بأن التونسيين quot;على اختلاف مشاربهم يعبرون (اليوم) عن استياء متزايد يمكن أن يتفاقم ويتحول إلى وضع يسعى فيه كل فرد الى حل مشكلته بيده دون اعتبار لمشاكل أو مصالح الآخرينquot;.

وقالت: quot;الآن، وقد تراجعت حدة النشوة الثورية، فإن العمال المحبطين والشباب العاطلين عن العمل سيفكرون بشكل متزايد بتسوية مشاكلهم بأنفسهم وعلى طريقتهمquot;. وبحسب إحصائيات رسمية ارتفعت نسب البطالة في تونس إلى نحو 19 في المئة سنة 2011 مقابل حوالي 14 في المئة سنة 2010 .

وبلغ عدد العاطلين في البلاد خلال 2011 حوالي 750 ألفًا بينهم نحو 250 ألفًا من خريجي الجامعات ومؤسسات التعليم العالي. وتبلغ نسبة الفقراء نحو 25 في المئة من إجمالي سكان البلاد التي يقطنها أكثر من 10 ملايين ساكن.

وحذرت المنظمة من أن أسس السلم الاجتماعي في تونس quot;باتت هشة وعلى نحو متزايد، حيث يقيس الناس التقدم بشكل أساسي على أساس رفاههم الماديquot;. وتابعت quot;نظرًا لتردي الظروف المادية، فإن الحكومة (الحالية) تواجه تصاعدًا في (أعمال) العنفquot;.

وقالت إن quot;الظروف التي ورثتها حكومة رئيس الوزراء حمادي جبالي تتطلب إجراءات أكثر جذريةquot; ودعتها إلى quot;تنفيذ تدابير ملموسة لتحاشي المزيد من الصراعات المهلكةquot;. وأقرت بأن الحكومة الحالية quot;لا تتمتع بهامش واسع للمناورة، حيث أنها عالقة بين الكسل البيروقراطي، والاعتصامات والاحتجاجات الشعبية والتشكيك السياسي في شرعيتها وركود اقتصادي عالميquot;.

وأضافت: quot;كي تتم استعادة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ينبغي على الدولة معالجة المطالب الشعبية دون إثارة مطالب جديدة تحد من قدرة القطاعين العام والخاص على حد سواء على العمل بشكل فعالquot;. وحذرت من quot;احتمال تحول عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي إلى كرة ثلج تكبر لتصبح أزمة شرعية بالنسبة للحكومة وتقوض العملية الانتقالية الجارية، والتي اتسمت على وجه الإجمال بالسلميةquot;.

وتقول quot;مجموعة الأزمات الدوليةquot; على موقعها الرسمي في الانترنت إنها تقدم التحليلات quot;المستقلة والمحايدةquot; والمشورة للحكومات والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي بهدف quot;الحؤول دون ظهور النزاعات الدموية وتسويتهاquot;.