ظاهرة الانتحار بين النساء في العراق نتيجة الاعتراض على الزواج التقليدي القسري أصبحت الأكثر شيوعاً في هذا المجتمع. ويخشى المسؤولون في هذا البلد من تفشي مزيد من حالات الانتحار خاصة بين الفتيات والشابات نتيجة إجبارهن على الزواج في سن صغيرة.


بغداد: حاولت جنان ميرزا (16 عاما) قتل نفسها. تنتظر إلى أن يغادر والدها الغرفة التي ترقد داخلها، حيث تتعافى من طلق ناري في بطنها، فتقول بصوت خافت quot;لم أكن أرغب في الزواج من ابن عمي، فحاولت الانتحارquot;.

في هذا السياق، تناولت صحيفة الـquot;نيويوك تايمزquot; التقاليد الصارمة في مدينة سنجار التي تقع في الركن الشمالي الغربي من العراق بالقرب من الحدود السورية، مشيرة إلى أن ظاهرة الانتحار نتيجة الاعتراض على الزواج التقليدي القسري أصبحت الأكثر شيوعاً في هذا المجتمع، وأن المسؤولين يخشون من تفشي حالات الانتحار خاصة بين الفتيات والشابات نتيجة إجبارهن على الزواج في سن صغيرة.

رغم صعوبة إجراء إحصاءات موثوق بها داخل العراق، إلا أن مسؤولين أكدوا أن نحو 50 حالة انتحار ارتكبت هذا العام و80 حالة خلال العام الماضي في تلك المدينة، وهو رقم يساوي ضعف المعدل السنوي لحالات الانتحار داخل الولايات المتحدة.

عبدالله حسن يبكي ابنته التي يبلغ عمرها 19 عاماً.. قامت بطعن نفسها حتى الموت

وأشارت الصحيفة إلى أن أكثر أساليب الانتحار شيوعاً بين فتيات المدينة هو الانتحار حرقاً أو بإطلاق النار، لافتة إلى تفسيرات تقول إن من أسباب تلك الظاهرة دخول الإنترنت والقنوات الفضائية للمدينة بعد انتهاء الحرب في العراق، ما أتاح الفرصة للفتيات للتعرف إلى صور حياة أفضل لا تقيّدها التقاليد الأسرية والمجتمعية.

من بين العديد من التفسيرات لهذه الظاهرة، مثل الفقر والجنون، يبدو أن تفسيرا آخر يتقدم على سواه، وهو عالم الإنترنت والقنوات الفضائية في مرحلة ما بعد الحرب.

هذا ما أعطى الشابات العراقيات لمحة عن الحياة الأفضل، غير المرتبطة بالتقاليد التي تخنق النساء في حدود ضيقة وعنوانها الطاعة وتربية الأطفال، بعيداً عن الرومانسية.

ونقلت الـquot;نيويورك تايمزquot; عن خيري شينجلي، صحافي وكاتب ومسؤول في أحد الأحزاب السياسية المحلية، قوله: quot;هذا المجتمع ظل منغلقاً لسنوات طويلة، والآن صار منفتحاً على دول العالم، وتشعر الفتيات أنهن لا ينعمن بحياة أفضل كالتي يرونها عبر وسائل الإعلامquot;.

أجرت المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي دراسة حول تفشي ظاهرة الانتحار داخل مدينة سنجار التي تفتقر إلى خدمات الصحة النفسية والعقلية، وخلصت إلى أن تهميش دور المرأة وتجاهلها أسهم بشكل كبير في موجة الانتحار الأخيرة. كما أن تقريراً أعده أحد المراكز الصحية المحلية العام الحالي أكد أن علاج تلك المشكلة المتفاقمة يكمن في وضع حد لحالات الزواج القسري.

لكن الصحيفة رأت أن ذلك لن يحدث قريباً. ونقلت عن العديد من السكان قولهم إن حالات الانتحار المتزايدة تعود إلى مشاهدة الفتيات للمسلسل التركي quot;العشق الممنوعquot;، الذي يعتقدون أنه يقدم مثالاً لنمط حياة غير موجود على الواقع داخل مدينة سنجار.

واعترفت جنان ميرزا للصحيفة بأنها شاهدت المسلسل، وقالت quot;أتمنى لو كانت تلك حياتي. لكنني أريد الآن البقاء مع أمي. لا أريد العودة إلى زوجيquot;.

أما والدها بركات حسين، فيؤكد علمه بأن إطلاق النار لم يكن عن طريق الخطأ، وقال للصحيفة: quot;زوّجناها من ابن عمها منذ نحو 20 يوماً. وافقت عليه في البداية، وكان ينبغي لها أن تكون سعيدة كأي فتاة أخرى تتزوج. لن أجبرها على العودة إلى زوجها الذي يعيش في البيت المجاور.

لكن آمل أن تعود إليه فوالده هو شقيقيquot;.

ألقى حسين باللوم على المسلسل التركي مؤكداً أنه السبب في تعاسة ابنته، وقال quot;لم نكن نشاهد تلك المسلسلات في الماضي. تزوجت من ابنة عمي ولم أكن أحبها، لكننا الآن نعيش معاً. هذا ما يحدث عادة هنا، فنحن نتزوج أقاربناquot;.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أن بعض الأسر تقوم بقتل الفتيات اللاتي يرتكبن الزنى أو يسعين للزواج من خارج دينهم أو طبقاتهم الاجتماعية، ثم تقوم الأسرة بالتغطية على القتل بزعم أنها حالة انتحار.

زعم رجل يدعى عبدالله حسن أن ابنته التي يبلغ عمرها 19 عاماً، قامت بطعن نفسها حتى الموت، غير أن التحقيقات كشفت أن أشقاءها هم من يشتبه في تنفيذهم جريمة القتل.

يذكر أن الغالبية العظمى من سكان مدينة سنجار هم من الـ quot;يزيديينquot; الذين يتكلمون الكردية ويجمع دينهم بين أجزاء من الإسلام وسلالات من الأديان الفارسية القديمة، مشيرة إلى تعرض المدينة في عام 2007، لهجوم إرهابي منسق خلال سنوات الحرب، عندما انفجرت عدة شاحنات محملة بالمتفجرات كان يقودها انتحاريون، ما أسفر عن مقتل نحو 500 شخص وتدمير عدد مماثل من المنازل معظمها من الطين.