تبدو الازمة السياسية في العراق وكأنها تعود الى مربعها الاول، وتحديدًا الى منتصف حزيران/يونيو 2010، حين دارت معركة شد وجذب عنوانها: هل يبقى نوري المالكي رئيسًا للحكومة أم يغادر؟


بغداد: قبل عامين، وبعد أشهر من الانتخابات التشريعية، تمكن مجلس النواب العراقي من عقد جلسته الاولى، الا أن انطلاق العمل البرلماني جاء في ظل مراوحة سياسية تتمحور حول الصراع على السلطة.

واليوم، بعد انقضاء نصف الولاية البرلمانية، لا تزال معظم القضايا الشائكة من دون حل، فيما لم يشرع البرلمان أي قوانين مهمة اذ اجبرته الخلافات السياسية على تأجيل البحث في العديد من المسائل الرئيسية.

ويقول النائب الكردي المستقل محمود عثمان لوكالة فرانس برس quot;إنهم (الساسة) منشغلون جدًا بالنزاعات في ما بينهم، بحيث لا يعيرون أي اهتمام للقضايا الأخرىquot;.

ويضيف: quot;ليس هناك من قلق حول الخدمات، والكهرباء، والبيئة، لقد اهملوا كل هذه الامور وانشغلوا في التنازع في ما بينهم من اجل مصالحهم الخاصةquot;.

وتابع: quot;منذ الانتخابات الاخيرة كانت هناك فترات صعود وهبوط، ولكن لم تحل أي مشكلة وهذه حكومة شراكة في الاسم، ولكن من الناحية العملية، ليست هناك أية شراكة، هؤلاء الناس هم في الحكومة نفسها ولكنهم ليسوا متفقين في ما بينهمquot;.

واشار عثمان الى أن quot;الامور quot;سارت على هذا المنوال طوال العامين الماضيينquot;.

العراقي العادي حائر أمام غياب التوافق بين السياسيين

وبعد انتخابات اذار/مارس 2010، لم يتمكن البرلمان من عقد جلسته الاولى الا بعد ثلاثة اشهر في حزيران/يونيو، ولم تتشكل الحكومة الا بعد ستة أشهر من ذلك في كانون الاول/ديسمبر.

ورغم أن الحكومة التي تشكلت ولدت على اساس أنها حكومة شراكة وطنية، فقد غاب التوافق الحقيقي بين الاحزاب الممثلة فيها، والتي كانت في كثير من الاحيان على طرفي نقيض حول قضايا أساسية مثل دعم مسألة حكومة مركزية قوية في مقابل تشكيل فيدراليات.

وتوافقت الاحزاب المتنافسة على مضض في عام 2010 على التجديد لنوري المالكي لولاية ثانية على رأس الحكومة، لكنها سعت الى تقليص صلاحياته من خلال انشاء مجلس اعلى للسياسات الاستراتيجية مهمته الفصل في القضايا الرئيسية، اضافة الى زيادة الحقائب الوزارية لتمثيل الاحزاب كافة في الحكومة.

وفي الاشهر الاخيرة، وخصوصًا بعد أن اكملت القوات الاميركية انسحابها من العراق نهاية العام الماضي، بدأ اتفاق تقاسم السلطة الهش اصلاً بالتأرجح وأصبح على شفا الانهيار.

ولا تزال مناصب وزارية رئيسية ابرزها في الداخلية والدفاع والمخابرات شاغرة وتدار بالوكالة، الامر الذي يرى فيه خصوم المالكي ديكتاتورية استندوا اليها لمحاولة الاطاحة به، ومن ضمنهم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر.

ولكن المالكي، وكما كان يفعل قبل عامين، لا يزال يشغل منصبه.

واعلن الرئيس جلال طالباني السبت أن منافسي رئيس الوزراء يفتقرون الى الاصوات اللازمة للاطاحة به، وخرج المالكي بعد ذلك ليدعو بلغة المنتصر معارضيه الى طاولة المفاوضات، رغم أن هؤلاء سارعوا الى التأكيد على أنهم سيستمرون في سعيهم هذا.

ويقول مدير مؤسسة اوراسيا الاستشارية في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا كريسبين هاويس إن quot;المشهد السياسي ذاته يعيد انتاج نفسه من جديدquot;.

ويضيف: quot;قد يتمكنون من الاطاحة بالمالكي (...) لكن اذا طلب مني المراهنة على بقائه رئيسًا للوزراء للشهرين القادمين فسأقبل الرهان، فلا احد غيره يملك هذا العدد من الخيارات التي يمتلكها هوquot;.

ورغم كل ذلك quot;الروتين السياسيquot;، ظهرت تغييرات رئيسية على الساحة السياسية العراقية في العامين الماضيين، وتبدو وكأنها تدعم الرأي القائل بأن المالكي قادر على مقاومة الجهود التي تسعى للاطاحة به.

وبحسب ريدر فيسر، رئيس تحرير موقع هيستوريا الذي يعنى بأخبار العراق، فإنه quot;بالمقارنة مع حزيران/يونيو 2010، تبدو كتلة العراقية التي تسعى لسحب الثقة عن المالكي اكثر تفككًاquot;.

واضاف أن quot;انقسامًا مماثلاً، لكن اقل وضوحًا، حصل بين الاكراد كذلكquot;.

وتتمثل في حكومة المالكي الكتلة quot;العراقيةquot; واحزاب كردية الى جانب تحالفه الذي يمثل عموم الشيعة.

ويبدو الانقسام نسبيًا داخل هذه المجموعات ما يصعب جمع اصوات 164 نائباً لحجب الثقة عن رئيس الوزراء، الى جانب المخاوف مما قد يحدث عقب الاقدام على خطوة مماثلة.

ولكن حتى مع التساؤلات حول ما اذا كان التصويت على سحب الثقة سيبعد المالكي فعلاً عن السلطة، فإن بعضالنواب حريصون على المضي قدمًا في ذلك للتعبير عن عدم الرضا عن حكومة لم تنجز الا القليل.

وتقول النائبة المستقلة صفية السهيل التي فازت بعضوية البرلمان ضمن قائمة دولة القانون بزعامة المالكي quot;إنها حكومة فاشلةquot;.

وتضيف في اشارة الى الكتل السياسية المتصارعة أن quot;اللوم يقع على الجميعquot;.