أبدى إعلاميون عراقيون تصورات متباينة حول خطوة انسحاب القوات الأميركية من العراق، فهم منقسمون بين متطلع إلى أفق فسيح باخضراره وجمال فضاءاته البعيدة وبين ناظر إلى أفق كئيب متخم بالغمامات التي تحمل في بطونها أسرارًا لا تمتلك من المسرات شيئًا، وهناك من يستعيد الدروس من التاريخ من خلال منظار خاص.
ضابط أميركي يوزّع أحذية على أطفال عراقيين في صورة علاقات عامة |
عبد الجبار العتابي من بغداد:لا يختلف تصور الإعلاميين عن فهم العراقيين، الذين تجدهم يختلفون مجددًا في وجهات نظرهم ومشاعرهم حول انسحاب القوات الأميركية بعد نحو ثمان سنوات من وجودها على أرضه، بعدما أطاحت، مع جيوش من دول التحالف، بنظام صدام حسين.
فالآراء التي يمكن سماعها من العراقيين على اختلاف مشاربهم، تختلف في التفاصيل، يتبعها أحيانًا تطرف كبير، فليس من الصعب أن تسمع سبابًا وشتائم مقرونة بالتعبير عن الفرح والسعادة بخروج الأميركيين، مثلما من السهولة جدًا أن تسمع ثناءات كثيرة ومديحًا كبيرًا مقرونًا بحزن وندم على مغادرة الأميركيين البلاد بهذا الشكل، على الرغم من أن الطرفين يتحولان سريعًا ما بين التفاؤل والتشاؤم.
يقول الصحافي سرمد الطائي رئيس تحرير جريدة العالم إن تداعيات الانسحاب الأميركي اعترف بها وزير الداخلية عدنان الأسدي، الذي هو وكيل الوزير حاليًا، حيث قال: لقد أصبح العراق أعمى في كل المحافظات الساخنة، في أربع محافظات، هي الأكثر سخونة، وهي الموصل، وديالى، وصلاح الدين والأنبار، والقوات العراقية أصبحت عمياء، لأنها افتقدت الغطاء الجوي الأميركي، وصارت لا تستطيع فهم حركة المسلحين في الأراضي والصحارى الشاسعة حول هذه المدن، ولا يوجد أي بديل عراقي من الغطاء الجوي الأميركي حتى الآن.
وأضاف إن quot;المقربين يقولون إن القاعدة تعيد تنظيم نفسها في هذه المناطق، كما إن المواطنين في تلك المناطق والساسة والأحزاب خائفون مما يمكن أن تفعله القاعدة بسبب فقدان السيطرة عليها بفقدان المعلومات الاستخباراتية الثمينة، التي كان يقدمها الجانب الأميركي للقوات العراقية، هذا الاعتراف يلخص جانبًا بسيطًا من جوانب معاني انسحاب أميركا المرتقب من العراق، والذي لم يقم لا على دراسة ولا على نقاشات وسجالات كافيةفي المجال الوطني والمحلي، ولا سمعنا صوت خبرائنا الأمنيين، ولا سمعنا صوت ضباطنا ولا قادتنا العسكريينquot;.
وقال إن أميركا ربما ستعاقب القادة العراقيين، الذين تعاملوا بروح شعاراتية غير مسؤولة مع أخطر ملف في أخطر سنة في الشرق الأوسط، التي هي سنة التغيير الرهيب والتحولات والانهيارات، ربما أميركا ستعاقبهم مثلما نسمع الآن، بأن بعض المعسكرات الأميركية يحرقها الأميركيون قبل أن يتركوها، مثل الكرفانات والمنشآت والمعدات التقنية، التي كان من المفروض أن يتسلمها الجانب العراقي كهدية، ولكن بعض الضباط الأميركيين، الذين كانوا يشعرون بنكران الجميل، قاموا بتكسيرها وحرقها، ولم يسلموها إلى الجانب العراقي أثناء الانسحاب، وإن سلّمت بعض الأشياء، مثل غرفة عمليات بغداد، التي كانت هدية من أميركا، وهي من أكثر غرف العمليات تطورًا في المنطقة كما يقال.
أما الإعلامي كريم راضي فقال: quot;الحديث عن الانسحاب الأميركي حديث طويل وذو شجون، علينا أن نتذكر ماذا فعل الأميركيون في العراق، الاحتلال مرحلة صعبة وقذرة وقاسية مرت على العراقيين، فبالضرورة خروج هؤلاء الأوباش هو شيء رائع وجميل، الأميركيون خرجوا بعد قناعتهم بأنهم سيخرجون رغمًا عنهم، لأن العراقيين أخرجوا قبلهم الكثيرين، أخرجوا المغول وغيرهم، أنا متفائل وسعيد بخروج الأميركيين لأنهم احتلوا العراق، وقضوا على كثير من المقدسات.
وأضاف: الخارطة السياسية في العراق تشبه الطقس في العراق، فيقال إن هناك أربعة فصول، وفي العراق هناك خمسون فصلاً من المتغيرات، ولكنني أعتقد أن السياسيين العراقيين بعد الانسحاب ستحكمهم مصلحتهم، فأينما تكون هناك مصلحة للتقارب في ما بينهم فإنهم يقتربون. أما مصلحة الشعب العراقي فهي بعيدة عن السياسيين، الذين يحكمون العراق الآن، ولكن تفاؤلي مرده إلى خروج الاحتلال وثقتي عالية بالعراقيين.. العراقيون هم من سيرسم خارطة العراق، ولا أقصد الذين يحكمون الآن، لأننا كشعب عراقي لا توجد مشاكل بيننا، وموضوع الطائفية قد انتهى. أما الصراع على الكرسي فسوف يستمر إلى نهاية الدورة الانتخابية الحالية، فالدورة المقبلة ستحل مشاكل كثيرة.
وقال الصحافي رزاق إبراهيم حسن من جريدة الزمان: مناسبة رائعة ينتظرها العراقيون بفرح غامر، حين ينسحب الأميركيون من العراق، وتخلو البلاد منهم، لكننا في الوقت نفسه نأمل أن يقترن الانسحاب بتحرك جديد ومسؤول وجاد من المسؤولين العراقيين لمعالجة وتجاوز ما يواجهون من خلافات، والناس يتوقعون أنه بعد الانسحاب، سيحاول السياسيون تصفية ما يكدر نفوسهم، ونأمل أن يجتمعوا، ويحلوا مشكلاتهم وخلافاتهم بالشكل الذي يضمن للعراقيين احتفالاً رائعًا بهذا الانسحاب.
وأضاف: أنا متفائل في كل الأحوال، ولكن هذا التفاؤل مرهون بمعالجة وتجاوز الخلافات السياسية، مرهون بلقاء السياسيين على ما يؤدي إلى خدمة العراقيين وإسعادهم ومعالجة ما يعانونه من مشكلات، مثل البطالة وتوفير الخدمات، فضلاً عن التدهور الأمني وأيضًا الانتباه إلى مسألة وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، ينبغي أن يقترن الانسحاب بمسرات، أشبه ما تكون بالمفاجآت، التي تدل على وعي السياسيين وجديتهم واحترامهم لوطنهم العراق الأصيل.
فيما قال المترجم والإعلامي الهادر المعموري: quot;في تصوري، أجد أن آثار غيوم الانسحاب الأميركي من العراق تلوح بطريقة تنذر بالخطر، إذ إن الكثير من العراقيين لم يتعلموا من دروس التاريخ قط، ولربما يكون السؤال العلمي البسيط مفاده: هل كنا أفضل حالاً قبل مجيء الأميركيين أم لا؟، وهل يتصور العقلاء مثلاً أن مكاسب الحرية تأتي بالمجان؟ أم إن التفكير الخطابي بلغة الشعارات البعيدة عن الواقع لا يزال ديدن العراقيين، وسيبقى كما هو دأبهم؟، وفي نهاية السؤال، سأقول لمن ينادون بضرورة خروج المحتل كموقف وطني، حسب ما يقولون، سأقول لهم: هل سيصبح العراق أفضل حالاً بعد خطاباتكم وشعاراتكم ونداءاتكم بخروج المحتل من هذا البلد الجريح يا ترى؟.
وأضاف: قبل أيام قليلة، طالعنا الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ قائلاً إن الانسحاب الأميركي من العراق يمثل رسالة عميقة الأثر لشعوب اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، التي لا تزال ترى وجود القوة الأميركية احتلالاً على أراضيها، وإنني لأستغرب هذا الكلام الخطابي الفارغ، الذي لا quot;يؤكل خبزًاquot; كما يقولون، فهل نحن بحاجة إلى مثل هذا الدرس لنعطيه إلى أمم عظيمة كتلك الأمم؟، أمم فكرت بالمنطق والعقل، وبنت نفسها وحلت مشاكلها، وسارت في طريق تحقيق رخاء وازدهار لشعوبها من دون الالتفات إلى العقد النفسية والأفكار البالية من عينة ما يقال عن ضرورة الانسحاب اليوم.
وتابع quot;سوف نعود لنسمع أسطوانات جديدة هذه المرة عن أذناب الاحتلال والمتعاونين معه في السر، وما سيجري من تصفيات جسدية لهذا وذاك باسم هذا الشعار الفارغ، و ما أشبه الأمس باليوم، فقد تبجح العراقيون بمواقفهم من الانتداب البريطاني في بداية القرن العشرين، متناسين أن الأمّة العراقية الوليدة ما ظهرت للوجود بعد التبعية التركية الطويلة، إلا من خلال الوجود البريطاني، كما إننا نجهل أو نرفض أو نتناسى كيف كان ذلك الانتداب البريطاني سدًا منيعًا ضد أطماع الدول المجاورة، التي أرادت استقطاع العراق، كل حسب ما يراه، من حصص، ابتداء من إيران القاجارية إلى تركيا ما بعد العثمانية، وسوريا الفرنسيين انتهاء بالمملكة السعودية.
واختتم كلامه بالقول: إن كل احتلال على وجه الأرض لا بد أن تشوبه شوائب وأخطاء وسلبيات وجرائم، يندى لها الجبين، لكن من الذي يفكر في إيجاد واقع المقارنة الموضوعية، ليقول كيف كنا قبل الاحتلال، وكيف أصبحنا من خلاله، وكيف سنكون من بعده يا ترى؟.
من جانبه قال الصحافي غانم عبد الزهرة: لا أعتقد .. أن تحدث تداعيات للانسحاب الأميركي، وأعتقد أن البعض، الذي كان يتوعد الآخرين بالمحتل واللجوء إليه في أيام الانقسامات والصراعات السياسية، سوف يطوي هذه الصفحة، ويرضخ للأمر الواقع، وهو ضرورة أن نحل مشاكلنا بأنفسنا بعيدًا عن تدخل الأجنبي أو دول الجوار، لأنها زادت في بعض الأحيان من تفاقم الأمور والمشاكل بين الفرقاء السياسيين، لأن كل جهة تدعم جهة، تريد أن تكون الجهة التي تساندها لها الغلبة في الصراع، مما يولد مزيدًا من الفرقة والتناحر بين الكتل السياسية.
وأضاف: هل تعلم أن مشاكل العراق قبل عامين كانت بفعل تدخلات دول الجوار في شؤوننا الداخلية، والتي عقدت الأمور، ولم يكن في الحسبان حل أي مشكلة صغيرة، لأن كل طرف يرى أن له الحق، ويملك القوة والمساندة من الخارج في صلابة موقفه، مما يجعله يفشل في التوصل إلى شيء مع الجهة الأخرى، التي تختلف معه في الرأي، وبعد حدوث الثورات العربية انشغلت الأنظمة العربية، التي لم ترقها الديمقراطية العراقية بقضايا ساخنة، هي مفاجئة لها، وربما انذهلت منها، ولم تحسب لها حسابًا، وبدأت تخاف على نفسها، وحتى لوكان هناك بعض الكتل السياسية التي تصرّ على إشراك دول الجوار في الشأن العراقي، فأعتقد أنها ستفشل، لأن ما هو موجود الآن في المحيط العراقي يتفاعل يوميًا ويتعقد، وبحاجة إلى حلول، والعرب عاجزون عن حل كثرة المشاكل التي ستواجهم الآن والتحديات، حتى إن البعض يعتبر أن الموضوع العراقي أصبح أمرًا واقعًا ومسلمًا به، وقد ترسخ بعد ثمان سنوات من الصراعات السياسية.
التعليقات