لم يعد وجود الكلاب المدربة في الحياة العامة العراقية مظهرًا استثنائيًا بعدما كثر استخدامها لأغراض الحراسة والكشف عن مواقع المتفجرات والتفتيش. لكن تربية الكلاب تواجه في البلاد اعتبارات دينية واجتماعية تعرقل انتشارها، بل إن البعض من المتشددين يرى في اقتناء الكلاب تعارضًا مع الشرع الإسلامي لأنها quot;حيوانات نجسةquot;.


كلاب بوليسية للكشف عن المتفجرات

بغداد: قادت فترة تدهور الوضع الأمني في بغداد في السنوات الماضية التاجر أحمد جعفر (45 سنة) إلى اقتناء كلب مدرَّب شرس في بيته للحراسة والتنبيه من الأشخاص الغرباء.

جعفر بين آلاف من العراقيين الذين يقتنون كلابًا، ليس لأسباب الترف والتسلية، بل لدواع أمنية بالدرجة الأولى، حيث تركت فترات الإضراب الأمني قلقًا كبيرًا لا يزال جاثمًا في نفوس العراقيين. ويقول جعفر في هذا الصدد: ما زلنا نشعر بعدم الاستقرار، ونشعر بأننا في حاجة إلى كلاب تحرسنا.

أما أحمد رحمن، الذي يتاجر بكلاب الحراسة في سوق الغزل في بغداد، فيؤكد أن استيراد الفصائل المختلفة لهذا الحيوان الأمين قائم على قدم وساق من قبل تجار متخصصين. ويتابع: في شهر واحد بعت ستة كلاب، سعر الواحد منها يتراوح بين أربعمائة الى ثمانمائة دولار.

بحسب رحمن، هناك إقبال شديد على اقتناء الكلاب، لكن الأمر يحتاج إلى تنظيم واستحداث الوسائل اللازمة التي تجعل من التجارة نافعة ومفيدة.

يميز رحمن بين الكلاب المتخصصة والكلاب الضالة، حيث يرى أنه لو امتلك العراق المؤسسات الخاصة بالتدريب والمراكز الطبية البيطرية، لأمكن تأهيل قسم كبير من الكلاب الضالة في البلاد، حيث إن الكثير منها ينتمي إلى فصائل أصلية نقية غير مهجنة، لكن ذلك يتطلب عملاً شاقًا في التدريب والعلاج الطبي.

أمن المنطقة الخضراء

يروي احمد الياسري، الذي عمل في امن المنطقة الخضراء لأربع سنوات، واكتسب خبرة العمل مع الكلاب التي جلبتها القوات الأميركية للعراق، انه يتعين توفير مؤسسة متخصصة تعنى بتربية وتدريب الكلاب، وتخرّج مدربين ومرافقين أكفاء للكلاب.

ويتابع: من خلال خبرتي مع القوات الأميركيةعرفت أنلكل كلب مرافقا تربطهبه علاقة صداقة ومعرفة ولكي يقوم الكلب بالدور المنوط به يتوجب الاستمرار في تدريبه وتوفير وسائل الراحة له وتغذيته بطعام خاص.

اعتبارات دينية واجتماعية

لم يعد تواجد الكلاب في الحياة العامة العراقية مظهرًا استثنائيًا بعدما كثر استخدامها لأغراض الحراسة والكشف عن مواقع المتفجرات والتفتيش، من قبل الجيش الأميركي والعراقي وقوات الشرطة والشركات الأمنية.

لكن تربية الكلاب تواجه في البلاد اعتبارات دينية واجتماعية تعرقل انتشارها، بل ان البعض من المتشددين يرى في اقتناء الكلاب تعارضًا مع الشرع الإسلامي لأنها quot;حيوانات نجسةquot;.

لا يستبعد الباحث الاجتماعي والمراقب السياسي احمد حسين استغلال بعض المسؤولين وجهات النظر الاجتماعية والدينية التي تحرّم (تربية الكلاب)، لمنع انتشار استخدام هذه الحيوانات في الكشف عن المتفجرات، بغية استيراد أجهزة فاشلة لهذه المهام، في صفقات تقول عنها مصادر عراقية ووسائل إعلام إنها فاسدة.

الكلاب أفضل من أجهزة الكشف الفاسدة

وبحسب الضابط في الداخلية العراقية صلاح حسين، فإن الشرطة العراقية تمتلك الآن فوجًا من الكلاب البوليسية يضم 25 كلبًا، تستعين الشرطة بها لاكتشاف المتفجرات والأسلحة. وتبلغ تكلفة تدريب الكلب البوليسي الواحد بنحو ثلاثة عشر ألف دولار، بينما تصل قيمة جهاز اكتشاف المتفجرات إلى نحو ستين ألف دولار.

ويقول الطبيب البيطري فالح حسن، الذي يمتلك عيادة خاصة لمعالجة الكلاب في بغداد، ان العراق تنقصه المدارس المتخصصة بتدريب الكلاب، والتي تضم مدربين أكفاء وأطباء بيطريين.

ودخلت الكلاب المستخدمة للأغراض الأمنية إلى البلاد للمرة الأولى في ستينات القرن الماضي من قبل مؤسسات الشرطة، حين استورد العراق كلابًا ذكية ومتدربة جيدا على اكتشاف المتفجرات والمخدرات.

تجارب شخصية

وفي الكثير من أحياء العاصمة بغداد، ومدن العراق أصبح نباح كلب الحراسة أمرًا معتادًا، فما ان تقترب من سياج بيت او دائرة حكومية حتى يفاجئك نباح كلب ينبهك بعدم الاقتراب كثيرًا وان المكان محروس.

اشترى سعيد كامل وهو تاجر، كلب حراسة بعد محاولة سرقة بيته في كربلاء عام 2009. ويتابع: نصحني الأصدقاء بشراء كلب، حيث بنيت له بيتا صغيرا في الحديقة، وهو يحرس البيت من ذلك التاريخ. وحين مرض الكلب كانت هناك مشكلة في معالجته، وحتى أطباء العراق البيطريين لديهم خبرة قليلة في هذا المجال، واخبرني احدهم ان الكلب عجوز، وان الدواء المطلوب غير متوفر.

وفي الماضي تعود أهل الريف والمزارع في العراق على اقتناء الكلاب التي تحرس مزارعهم وبيتهم ومواشيهم. ولا يوجد راعي مواشٍ في العراق لا يمتلك أكثر من كلب متدرب على حراسة الماشية.

يفخر عامر الجنابي في بابل (100 كم جنوب بغداد) بامتلاكه كلب حراسة اسماه (السلوقي) الذي يمتاز بقدرته الكبيرة على التعرف إلى الغرباء، والسلاح ايضا. يقول الجنابي انه اشترى الكلب من مزارع بقيمة مائة ألف دينار. ويشير الجنابي الى ان الكثير من الكلاب في البلاد ما زالت خطرة لكونها غير مدربة، ما تسبب في الكثير من الحوادث. ويشير الى ان كلبه كاد يفتك بأحد زواره لولا تحركه في اللحظة المناسبة.

لكن استتباب الوضع الأمني في مدن العراق لم يخفف من وتيرة اقتناء الكلاب، بل تحولت الى صرعة وتجارة في الوقت نفسه. ويقول بائع الكلاب في بابل احمد الحلي ان معظم أصحاب البيوت الكبيرة، لاسيما في أطراف المدن، تحرص على اقتناء الكلاب.

كلاب الشوارع

لكنه يشير إلى ان البعض يحاول اقتناء (كلاب الشوارع)، عبر استدراجها وتعويدها على الحراسة، لكن هذه الكلاب تمثل قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة، لأن الكلب يتصرف بسلوكية فطرية يجب ترويضها بالتدريب. وفي مدينة الحمزة في جنوب بابل فتك كلب بصاحبه لدى عودته الى البيت في وقت متأخر، ما أدى الى إصابته بجروح خطرة.

تحتل الكلاب المستوردة أعلى القائمة في الطلب، وغالبيتها كلاب أجنبية مدربة تستورد من الأردن ودول أخرى. ويبلغ سعر الكلب من فصيلة دوبرمان نحو ألفي دولار حسب العمر والكفاءة. وتنتشر في العراق أنواع غالية الثمن تمتاز بأنواعها النقية وكفاءة تعرفها إلى الأشخاص والمتفجرات والحراسة.

اقتنى احمد حسين، وهو صاحب شركة مواد غذائية، كلبًا من نوع (بوكسر) لحراسة مخازن شركته في أبو دشير في جنوب بغداد. ويفضل معظم أصحاب المزارع الكبيرة ومالكو المعامل في الأحياء الصناعية اقتناء الكلاب المدربة لدرء اللصوص والمتطفلين عن ممتلكاتهم.

التجربة العراقية

وبحسب الطبيب البيطري حسن الأسدي، الذي اكتسب خبرة سنوات في معالجة كلاب الخدمة وتدريبها، فإن لديه ثلاثة معاونين يربون الكلاب على المهام المطلوبة، وقد نجحوا في الاستعانة بالخبرات الأجنبية، لكنهم اعتمدوا في عملهم على المعلومات المتوافرة في الشبكة العنكبوتية.

يقول مدرب الكلاب سعد الخفاجي: كان الأمر في البداية صعبًا جدًا، لكن التجربة علمتنا الكثير، ونستطيع الآن ترويض أشرس الكلاب على القيام بمهام محددة. ويفضل الخفاجي الكلاب الصغيرة التي لا تتجاوز أعمارها العشرة أشهر لغرض تدريبها وترويضها.

يقول كريم في هذا الصدد إن الكلب حيوان وفي وأمين إذا بنيت علاقة صداقة معه. ويتابع: الأمر يتطلب الصبر وإتباع الأساليب العلمية في التدريب، وعدم إثقال الحيوان بمهام لا يتحملها. وبحسب كريم فإن التدريب المستمر يمكّن الكلب من اقتفاء اثر المواد المعدنية والمتفجرات، إضافة إلى الأسلحة والمخدرات.

وينتقد كريم التقاليد الاجتماعية العراقية، التي لا ترأف بالكلب، وتطلب منه القيام بواجباته، لكنها لا تهتم لصحته وغذائه. ويتابع كريم: نظافة الكلب وصحته هي الأساس في نجاح عملية تدريبه.