قراءة الطالع تجذب العراقيين

تسعى الفضائيات العراقية إلى استقطاب المشاهد، ونجحت في زيادة عدد متابعيها عبر الترويج لمنجّمين أو منجّمات، ليسوا من أصحاب الاختصاص، للقيام بهذا الدور. كما إن هناك قلقًا جماعيًا يساهم في دفع العراقيين إلى اكتشاف المستقبل عبر قراءة الطالع.


بغداد: مع اقتراب نهاية عام 2011 وبداية عام جديد، يقبل العراقيون، لاسيما النساء، على قراءة الطالع، في ظاهرة تتجاوز الأساليب التقليدية، لتتعداها إلى استخدام وسائل الاتصال الحديثة، مثل الهاتف الخلوي والرسائل النصية والبريد الالكتروني، فضلاً عن العرّافات المنتشرات في كل المدن، واللواتي استطعن التسلح أيضًا بوسائل الحداثة، لكسب الزبائن، وتجاوز النظرة التقليدية لهن.

وتشير المعاينة الميدانية والاستطلاعات بين العراقيين إلى أن الكثير منهم يحرص على قراءة طالعه كل يوم تقريبًا عبر الصحف، التي انتشرت بشكل كبير في مدن العراق أو عبر الشبكة العنكبوتية.

الإدمان على الأبراج

على الرغم من أن علي السهيل من الصالحيةفي بغداد، لا يؤمن بالأبراج وما تؤول إليهمن نتائج،إلا أنهأدمن على متابعتها، لأنها توفر له فرصة للمتعة لبرهة من الوقت، مصحوبة بالتأمل، واستدراك مواقفه عبر الأسبوع.

يتابع: quot;بعض زملائي المدرّسين يجدونها وسيلة تسلية ليس أكثر، لأنها تقدم في بعض الأحيان النصيحة، أو أن نصها يتطابق مع حدث عشته خلال الأسبوع، حيث يساهم ذلك في تقديم رؤية مستقبلية للحياة التي يعيشها المرءquot;.

يدخل الكثير من الفتيات العراقياتإلى مواقع فلكية على الانترنت لرصد الحظ ومستقبل الأحداث المرتبطة بهن،في ظاهرة ملفتة، تجاوزت فيها الفتيات الطريقة التقليدية في قراءة الطالع لدى فتاحات (الفال) في الحي.

وتقول المعلمة لمياء صالح (37 سنة) إن برجها الفلكي في عام 2011 أنبأها بالكثير من الأحداث المتطابقة، مما ساهم في استقرار عواطفها ومشاعرها تجاه الكثير من المواقف. وانتظرت لمياء شهر أيلول عام 2011 بالكثير من الفرح، لأن برج العذراء أخبرها بأحداث مفرحة، وبالفعل فقد تحقق ذلك، حيث تحقق حلمها في الحصول على وظيفة.

تقول لمياء: quot;برجي أنبأني بأن عام 2012 سيكون نقلة نوعية في حياتي، لاسيما في أيلول من العام المقبل، وأنا انتظر ذلك بفارغ الصبرquot;. وتتابع: quot;والدتي كانت مدمنة على قراءة الفنجان، لكنني أفعل ذلكللتسلية فحسبquot;.

وتؤمن كثيرات من النساء العراقيات، لاسيما الكبيرات في السنّ، بقراءة الطالع عبر الفنجان أو الكفّ أو الخرز وأحجار الطالع.

الطالع الحلال

تقول أم علي، وهي مدرسة متقاعدة في المحمودية (15 كلم جنوب بغداد) إن اعتمادها على القرآن الكريم، ومعرفتها بعلم النور، أتاح لها قراءة الطالع الحلال، وليس الحرام.

ويرى الباحث الاجتماعي سليم الأسدي أن غالبية الشعوب تتبع تقاليد عريقة في التنبؤ بالمستقبل، لاسيما الأفلاك، التي وجدت لها مكانة مهمة بين الشباب العراقي اليوم.

ويتابع: quot;إن ذلك يحمل دلالات القلق النفسي من المستقبل، ورغبة الشباب في تحقيق إنجازات، توفر لهم سبل العيش، ولذا يبحثون دائماً عمّن يزودهم بمعلومات عن ذلك الهاجس، وإن كان مجرد سرابquot;.

ويقول: quot;الكثيرون يعرفون أن أخبار الأبراج والأفلاك ليست من الحقيقة بشيء، لكنهم يعدونها مثل النبوءة، التي تتحقق ربما، سواء بالصدفة أو عن قصدquot;.

القلق وعدم الاستقرار في العراق

يرى الأسدي أن هناك قلقًا جماعيًا يساهم في دفع العراقيين إلى اكتشاف المستقبل عبر قراءة الطالع.

ويتابع: quot;أعداد المفقودين بالآلاف، والإضرابات الاجتماعية والسياسية، التي خلفتها الحروب، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي اليوم، كلها عوامل تدفع بالناس إلى المنجّمين والأبراج الفلكيةquot;.

ويصرّ ليث المعموري، وهو طالب جامعي، على قراءة طالعه من الصحف المحلية، حتى وإن اضطر إلى تصفح الجريدة ماشيًا.

لكن الأستاذ الجامعي أمين حسينمن جامعة بغداد، يعيب على شريحة الطلاب المثقفة والواعية، الانسياق وراء معرفة المجهول. ويقول: quot;طالب العالم يجب أن يأخذ بالحقائق العلمية، لا أن يقبل على متابعة الأبراج، عبر كتب السحر والشعوذة، التي تملأ المكتبات والأسواقquot;.

وينتقد صاحب مكتبة الغدير في النجف (160 كم جنوب بغداد) الإقبال على كتب السحر وقراءة الطالع، ويرى أنهتجاوز حدود الترفيه والتسلية، بل وأصبح لهذه الكتب سوق رائجة، تنافس الكتب الدينية والعالمية والأدبية.

ويتابع: quot;يمكنك أن تلمح طوال اليوم شبابًا من الذكور والإناث، يقفون لبرهة، ليس لشراء المجلة أو الصحيفة، بل لقراءة برجه، ثم يذهبquot;. ويضيف: quot;هذا السلوك يسبب لي إحراجًا كبيرًا، وينبئ عن حجم الاهتمام بالأبراج من قبل المستطرقين في السوقquot;.

الحالة النفسية للفرد

ويرى الاختصاصي النفسي من بابل أحمد العتابي أن الإقبال على قراءة الطالع يزداد كلما انعدم الاستقرار في المجتمع، وفي العراق فإنه يرتبط كثيرًا بالحالة النفسية للفرد وسلوكياته المختلفة، التي تتأثر بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلد.

ويتابع: الكثير من مرضاي تتملكهم أفكار خرافية، تؤدي إلى سلوكيات غير واقعية، وتزداد هذه الظاهرة بشكل كبير بين الأمّيين وغير المتعلمين. ويقول: الطبيعة البشرية كما خلقها الله، تتوق إلى معرفة المستقبل، والبحث عمّا وراء المجهول، والمتعلمون يسلكون طريق العلملإشباع نهمهم من ذلك. أما الأمّيون وأصحاب المستويات العلمية والثقافية المحدودة فغالبًا ما يلجأون إلى الأبراج وقراءة الطالع على يد منجّمين أو قارئات كفّ أو عرّافات.

لم يعد رحيم حسين، وهو تاجر، يؤمن بالأبراج، التي أدمن عليها طيلة سنين، ففي الوقت الذي ينبئه البرج بأن ربحًا جيدًا ينتظره، يحدث العكس، فيصاب بالإحباط.

ويتابع: quot;على الرغم من ذلك فإنني حين أتصفح مجلة ما، أول ما يسقط عليه نظري هو صفحة الأبراج، حيث أقبل عليها بنهم، مع أنني لم أعد أصدقهاquot;.

الرؤية المبكرة للأحداث

نجح أسامة الحلفي من العمارة (320 كم جنوب شرق بغداد) في كسب الكثير من الزبائن، بعدما عُرف بقدرته على قراءة الطالع.

يقول أسامة: quot;منحنيالله شفافية الرؤية المبكرة للأحداث، كماتعلمت سرّ المهنة من والدتي، التي اشتهرت كعرافة، وبعدما نجحت في قراءة مستقبل الأحداث لكثيرين، ذاع اسمي بين الجمهور، حيث استقبل يوميًا الكثير من الأشخاصquot;.

يبلغ دخل أسامة الشهري من عمله هذه نحو ما يعادل ثلاثمائة دولار. لكن أسامة يؤكد أنه لا يتنبأبالمستقبل، وأن ما يفعله هو توقعات بحكم فراسته القوية التي منحها الله له.

وتقرأ ربة البيتسمية حميد (40 سنة) برجها كل ليلة عبر الشبكة العنكبوتية. وتتابع: quot;في الأعوام السابقة كنت أذهب إلى العرّافة وقارئة الفنجان، لكنغالبية التوقعات كانت غير صحيحة في ما يخصّ زوجي، الذي انقطع أثره منذ العام 2005، حيث لا نعرف شيئاً عن مصيره،مما اضطرني إلى الكفّ عن ذلك.

من ناحيته، يرى الخبير الفلكي سعد جاسم أن صاحب الاختصاص يستطيع عبر قراءة النجوم ومواقفها المرتبطة بحياة الشخص وتاريخ ميلاده، من رسم ملامح قريبة لبعض تفاصيل الحياة المستقبلية، ليس عبر معرفة الغيب، بل عبر تحليل شخصية الإنسان وحركة النجوم المرتبطة بالأحداث المرتبطة بشخص ما.

تنتقد النخب المثقفة ورجال الدين دور الفضائيات العربية، لاسيما العراقية، الترويج لظاهرة التنجيم.

ويقول رجل الدين حميد الساعدي إن هذه الفعاليات دعاية مكشوفة، وتتعارض مع الشرع الإسلامي، الذي يحرّم قراءة الطالع، وإنالله وحده هو علام الغيوب.

بينما يرىمدرّس الفلك أحمد الحسني أن الفضائيات تسعى إلى استقطاب المشاهد، ونجحت في زيادة عدد متابعيها، عبر الترويج لمنجّمين أو منجّمات، ليسوا من أصحاب الاختصاص، ولا يمتلكون المؤهلات العلمية والثقافية والروحية للقيام بهذه الدور الخطر، على حد تعبيره.