متظاهرون عراقيون ضد الفساد

يفقد الشباب العراقيون الثقة ببرامج المسؤولين السياسيين في بلادهم وتردي الخدمات، ما يجعلهم منشغلين في توفير حاجاتهم اليومية، ويلجأ البعض منهم إلى وسائل الترفيه للانفصال عن واقع حياتهم، الذي تشوبه الكثير من السلبيات، كما لا يبدون حماسة تجاه المؤتمر الوطني.


بغداد: ينحسر اهتمام المواطنين العراقيين، لا سيما الشباب منهم، بالقضايا السياسية، بحسب استطلاعات ميدانية، لأسباب، أولها انعدام الثقة بالبرامج السياسية، التي يطرحها المسؤولون، وتردي الخدمات، الذي يجعل المواطن العراقي منشغلاً طيلة يومه بتوفير احتياجاته، وهروب القسم الآخر، لا سيما الشباب، إلى وسائل ترفيه، خاصة الانترنت، الذي يحبذه معظم شباب العراق، بغية العيش في حياة افتراضية، تخلصهم من الواقع الذي تشوبه الكثير من السلبيات.

وحول فرص نجاح السياسيين في إنجاح مؤتمر وطني يضع مسارًا جديدًا للعملية السياسية، يرىمعظم المواطنين، ممن التقيناهم، أن عدم الثقة في المسؤولين والسياسيين يفقدهم الحماسة للمؤتمر، ويرون فيه لعبة سياسية أخرى، تضاف إلى سلسلة المحاولات الفاشلة، التي تجترها شخصيات قيادية وكيانات سياسية، لم تعد تمثل أملاً في الناجح بالنسبة إلى العراقيين.

وكان الرئيس العراقي جلال الطالباني دعا إلى عقد مؤتمر وطني عام لجميع القوى السياسية، لمعالجة القضايا المتعلقة بإدارة الحكم والدولة، ووضع الحلول اللازمة.

اليأس

بحسب الطالب الجامعي رحيم حسن (28 سنة)،فإن معظمشباب العراق، يعتكف عن الاهتمام السياسي، بعدما تسرّب اليأس في نفسه من الفوضى السياسية.

ويضيف حسن: quot;هناك اتجاهان بين شباب العراق، أولهما الاهتمام بالقضايا الدينية وممارسة الشعائر الدينية، وتطوير أفكارهم في هذا المجال، والقسم الثاني، شباب يتطلع إلى الاهتمام بالمظاهر الغربية وتطوير قدراته المعرفية، لا سيما في مجال المعلوماتية، وهو يسعى إلى الهجرة بغية الدراسة والعمل في الخارجquot;.

ويتابع: quot;لكن هناك الكثير من الشباب، الذي ترك مقاعد الدراسة، واتجهنحو الأعمال الحرة، وكل هؤلاء لا يبدون اكتراثًا للعملية السياسية في العراقquot;.

وبحسب الباحث الاجتماعي كريم حسن، فإنغالبية العراقيين لم يعودوا يعبأوا لمسار العملية السياسية في البلاد، بعدما فقدوا ثقتهم في سياسيي البلاد. ويرى حسن أن استطلاعًا ميدانيًا في المنتديات الاجتماعية والمقاهي، وبين المدارس والجامعات، يشير إلى انحسار شعبية النواب،وكذلك قادة البلاد السياسيين وممثلي الأحزاب، بين شريحة واسعة في المجتمع.

ويشير أحمد الخفاجي (ماجستير لغة عربية) إلى أن الديمقراطية في العراق، نعمة لا يمكن إنكارها، لكن محاسنها تجرفها المشاكل الكثيرة التي رافقتها، كما ركب موجتها أشخاص غير أكفاء، يديرون الكثير من مرافق الدولة في الوقت الحاضر، وجدوا في الديمقراطية الوليدة، فرصة لاغتنام المكاسب والمصالح الشخصية والفئوية والطائفية.

ويتابع: quot;طيلة عقد من التغيير، لم تعد الأحزاب السياسية قادرة على تحقيق المزيد من الإنجازات، وظلت أسيرة شعارات براقة، بينما ينهش الفساد الدولة، ومؤسساتهاquot;.

الثراء الفاحش

ويضيف: quot;ينظر العراقيون بألم إلى الثراء الفاحش للكثير من السياسيين والنواب، بينما يزداد المواطن العراقي البسيط فقراًquot; .

ويرى الخفاجي أن الديمقراطية في العراق تحولت إلى (مطية) لتحقيق المصلحة الشخصية أولاً، ثم مصلحة الحزب، فالطائفة.

وتشير بحوث اجتماعية في العراق إلى أن العملية الديمقراطية في العراق، التي تعدّ مكسبًا جيدًا، حوصرت بخلافات السياسيين وبالفساد، فلم يرافقها تحسن كبير في مستوى الخدمات، إضافة إلى النقص الحاد في مستلزمات الحياة الكريمة. ويشير الخفاجي إلى أن زيادة دخل الفرد، لم يعد كافيًا لإقناع المواطن بأن حياته تحسنت نحو الأفضل.

إحصاءات

وكانت هيئة النزاهة العراقية كشفت عن ارتفاع نسبة الفساد المالي والإداري في العراق عامة، مطالبة بضرورة وضع سياسة فعالة لمكافحة الفساد على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وأحيل عام 2010، 356 متهمًا بالفساد إلى القضاء، وصدرت أكثر من أربعمائة مذكرة قبض على متهمين بالفساد، بينهم 18 مديرًا عامًا وأربعة بدرجة وزير. وبينت الهيئة أن quot;قيمة المبالغ المهدورة عن طريق الفساد بلغت نحو 46 مليار دولارquot;.

حوارات المقاهي والمنتديات

وفي أوقات الفراغ فإن مقاهي (الكوفي شوب) تعد إحدى الوسائل، التي يجد فيها الشباب متسعًا لحوارات تبتعد وتقترب من السياسية.

ويقول الشاب الجامعي (لؤي حسن) إنه في حالة مناقشة الأوضاع السياسية في البلاد ndash; وهو أمر نادر جدًاndash; فإن الغالبية تتفق على أن العراق لن يكون في بر الأمان في ظل الخلافات الحالية بين السياسيين، الذي فضّلوا المصالح الحزبية على مصلحة المواطن.

وفي الوقت الذي يعوّل فيه لؤي على الانتخابات المقبلة في إحداث تغيير سياسي كبير في العراق، فإن ميثم حسن، يشكك في ذلك، ويعتقد أن الانتخابات المقبلة ستفرز وجوهًا متشابهة، طالما أن الفساد السياسي يستشري بين مفاصل الدولة. ويضيف: quot;الانتخابات في ظل جو سياسي فاسد ستؤدي بالضرورة إلى نتائج غير صحيحة وغير موثوق بهاquot;.

وفي مقهى في الكرادة في العاصمة بغداد، يدخّن الشاب وميض كامل النارجيلة بنهم، غير مكترث للأحداث السياسية الجارية من حوله، بحسب قوله.

صور متشابهة

ويقول كامل إن المواطن العراقي لم يعد يرى فروقًا في صورة المسؤولين، فكلهم متشابهون، لكن تصريحاتهم عبارة عن كلمات متقاطعة يصعب حل لغزها.

وتؤمن المدرسة إخلاص الجبوري بأن سياسيي العراق لم يعودوا يقيمون وزنًا للمواطن الذي انتخبهم عبر صناديق الاقتراع. وتتابع: البيروقراطية الإدارية والحزبية تنخر في مؤسسات العراق، حيث يتصرف المسؤول بمعزل عن مصالح المواطن.

ترسم الجبوري صورة السياسي العراقي على الشكل الآتي: انتهازي، يحاول أن يجمع الأموال بأقصر وقت ممكن، حتى إذا أصبح ثريًا... هاجر إلى الخارج، أو تحول إلى تاجر.

ويرى سعد كريم، الذي فقد اثنين من إخوته في حرب طائفية في العام 2006، أن العراقيين، الذين قدموا تضحيات في سبيل التخلص من الطغيان والديكتاتورية، غرقوا في وعود المسؤولين الكاذبة.

طبقة سياسية منتفعة

في الوقت عينه، ينتقد المعلم المتقاعد حسين الساعدي من النجف تبوء أشخاص غير كفوئين، بينهم أصحاب شهادات مزورة أو ممن لا يمتلكون خبرة أكاديمية، مرافق الدولة وإدارتها.

ويتابع: quot;أوجد التغيير في العراق طبقة سياسية منتفعة، لا همّ لها سوى منافعها الشخصية، وهي تسعى إلى التغطية على ذلك بالتصريحات الرنانةquot;.

على الصعيد نفسه، ينتقد كريم العلاق (صحافي) الظهور المكثف للسياسيين في وسائل الإعلام من دون أن يقدموا إنجازات ملموسة على الواقع. ويتابع: quot;تعب المواطن العراقي من كثرة الحوارات والندوات في التلفزيون ووسائل الإعلام عن الخلافات السياسية، حتى أصبحت تلك التصريحات والفعاليات الإعلامية للنواب والسياسيين والمحللين، أشبه بنكتة أو مسلسلات درامية، يتفرج عليها المواطن للمتعة فحسب، من دون أن يصدقها. ويضيف: نشعر بتشابه التصريحات وتكرارها، فلم نعد نكترث لهاquot;.

من جانبه يرى مكي حسين من بابل (عضو مجلس بلدي سابق) أن فقدان عامل الثقة لم يعد بين أطراف العملية السياسية فحسب، بل بين تلك الأطراف والمواطن العراقي، وهذا يقود إلى نتائج خطرة، ويشير إلى احتمال تفجّر الوضع.

ويتابع: quot;غالبية حوارات الشارع والمقهى توضح أن العراقي يؤمن اليوم أن محور الصراع في العراق، يدور حول النفوذ والسلطة، وما يصاحب ذلك من فساد مالي وإداري بغية الإثراء على حساب المواطنquot;.

ويشير حسين إلى أنغالبية العراقيين يرون في السياسي، تاجرًا (سياسيًا) لا أكثر، يسعى من وراء المنصب إلى الثراء عبر صفقات مشبوهة، أو عبر رواتب عالية ومخصصات لم يشهدها تاريخ العراقي السياسي من قبل.

وينتقد حسين عزف بعض السياسيين على أوتار الطائفية والحرب الأهلية، حيث أصبح واضحًا للعراقيين ndash; بحسب حسين ndash; أن ذلك العزف ليس من ورائه سوى قوى خارجية، تسعى إلى قيادة مستقبل العراقنحو المجهول.