ما زالت أصداء الأنباء المتضاربة حول وفاة الرئيس المصري السابق حسني مبارك تثير الكثير من الجدل، وما زال المصريون منقسمين حول الأنباء ما بين مصدق نبأ وفاته سريرياً، ومتعاطف معه، وما بين مكذب له، ومعتبراً أنه جزء من ألاعيب المجلس العسكري الحاكم من أجل نقله من سجن طرة إلى مستشفى المعادي العسكري، ذات الخدمة الفندقية، في حين نفى محاميه نبأ الوفاة مؤكدا أن صحة مبارك تحسنت.غير أن تلك الأنباء، وإن تضاربت فإنها طرحت الكثير من الأسئلة حول ما بعد وفاة مبارك، وماذا سيكون مصير القضية التي يحاكم فيها؟، وماذا سيكون مصير الأموال المهرّبة إلى الخارج؟، وهل يستحق أن تنظم له جنازة عسكرية أم لا؟.


صبري عبد الحفيظ حسنين، وكالات: قالت مصادر طبية في مستشفى المعادي العسكري لـquot;إيلافquot; إن حالة مبارك الصحية لم تكن تستدعي نقله إلى المستشفى، مشيرة إلى أنه نقل إليها وهو يعاني جلطة في القلب وبداية جلطة في المخ، وكان من الممكن علاجها في مستشفى سجن طرة، لاسيما أنه جرى تجهيزه بمعدات طبية تقدر قيمتها بثلاثين مليون جنيه قبل نقله إليه.

وأضاف المصدر أن مبارك نقل إلى المستشفى المعادي العسكري في حوالى الساعة العاشرة والربع مساء الثلاثاء 19 يونيو/ حزيران الجاري، وكان يعاني جلطة في القلب وبداية جلطة في الدماغ.

وأشارت المصادر إلى أن التقرير الطبي الخاص به مدوّن فيه أنه أصيب بجلطة في القلب في حوالى الساعة السابعة والربع، وتم التعامل معها من قبل الأطباء المعالجين له في السجن، وأنه أصيب في حوالى التاسعة و45 دقيقة مساء بجلطة دماغية، منوهة بأن الأطباء المرافقين له قرروا نقله إلى مستشفى المعادي العسكري حينئذ، ودخله في الساعة العاشرة والنصف مساء.

حسني مبارك على سرير نقال في إحدى جلسات محاكمته

ولفتت المصادر إلى أن صحة مبارك بدأت في التحسن، لافتاً إلى أنه أفاق من الغيبوبة التي أصابته نتيجة الجلطة، وبدأ يحرك أصابع يديه.

فريد الديب يؤكد أن صحة مبارك تحسنت

في حين أكد فريد الديب، المحامي الموكل بالدفاع عن الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، أن صحة الأخير تحسنت مقارنة بليل الثلاثاء، مضيفاً أنه بات يتنفس دون الاعتماد على الأجهزة.

وأكد الديب أن المستشفى بصدد إصدار بيان حول صحة مبارك، رداً على الشائعات والجدل المستمر منذ ليل الثلاثاء، ووصف الديب الأنباء حول وفاة الرئيس السابق بأنها quot;تقارير أوردتها وسائل إعلام غير مسؤولة دفعت البلد إلى حالة الجنون.quot;

وكان الديب قد نفى في تصريح سابق لـCNN فجر الأربعاء، الأنباء الواردة عن وفاة مبارك quot;إكلينيكياquot; معتبراً أن ما تم تناقله في وسائل الإعلام عار عن الصحة.

وأشار الديب إلى أن مبارك يعاني من وجود ماء في رئتيه منذ عشرة أيام مصاحبا لحالة هبوط في ضغط الدم، مما أدى إلى وقف قدرته على التنفس، الأمر الذي دفع الأطباء إلى استخدام أجهزة التنفس الاصطناعي لمساعدته.quot;

وأضاف الديب quot;قام الأطباء بحقن مبارك بالأدوية من خلال الوريد لتخفيف احتمالية الإصابة بجلطة دماغية، بالإضافة إلى لجوء الأطباء إلى استخدام الصدمات الكهربائية لإنعاشه، إلا الاستجابة لم تكن كبيرة.quot;


شائعة لنقله من السجن

وبينما تتضارب الأنباء حول صحة مبارك، انقسم المصريون على أنفسهم إلى فريقين، الأول يشكك في وفاته، ويعتبر الأنباء التي تتحدث عن ذلك الإحتمال ما هي إلا شائعات يطلقها المجلس العسكري بغرض نقله إلى مستشفى المعادي العسكري الراقي، ويحول الأنظار عن الإعلان الدستوري المكمل، فيما يرى الفريق الآخر أن مبارك يعاني تدهورًا في صحته، وأنه يجب أن يرحم المصريون الرجل.

وهتف المحتجون ضد المجلس العسكري والإعلان الدستوري المكمل الذي منحه صلاحيات واسعة في مواجهة الرئيس المقبل: موت مبارك شائعةquot;، quot;باطل.. المشير باطلquot;، quot;مبارك باطلquot;، quot;حل مجلس الشعب باطلquot;، quot;الإعلان الدستوري باطلquot;.

وقال عمرو غراب عضو في حركة ثوار التحرير لـquot;إيلافquot; إن المصريين شبعوا شائعات حول وفاة مبارك أو تدهور صحته أو احتضاره، وأضاف أن المجلس العسكري يطلق تلك الشائعات من وقت إلى آخر من أجل إثارة تعاطف المصريين مع الدكتاتور السابق، وصرف الأنظار عن قضايا أخرى أهم، أو خطط يدبّر لها في الخفاء، ولفت غراب إلى أن المجلس العسكري وفريد الديب محامي مبارك أطلقوا تلك الشائعات عشرات المرات منذ إزاحته عن الحكم في 11 شباط/فبراير 2011.

وأوضح أنه بعد تنحيه بيومين خرجت شائعات من قبل رئيس تحرير صحيفة قومية مقرب جدًا من المجلس العسكري، تزعم أنه يحتضر، وأنه مصاب بالسرطان، وثبت في ما بعد أنه في صحة جيدة، ثم أطلق فريد الديب شائعات حول احتضاره أيضاً قبل نقله إلى القاهرة من شرم الشيخ للمحاكمة في آب/أغسطس 2011، ولما بدأت المحاكمة ظهر على شاشات التلفزيون وquot;كان زي الحصانquot;، وكان الهدف من تلك الشائعة نقله الى المركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة، وليس في سجن طرة.

ولفت غراب إلى أن المجلس العسكري أطلق شائعة وفاته سريرياً هذه المرة من أجل نقله إلى مستشفى المعادي العسكري. وتابع غراب متسائلاً: لا ندري ما الهدف من إطلاق الشائعات عن وفاته أو تدهور صحته في المرة المقبلة؟.

يستحق التكريم
فيما أبدى فريق آخر من المصريين تعاطفاً واضحاً مع مبارك، وهرولوا بالعشرات إلى مستشفى المعادي العسكري، وتظاهروا أمامها ودعوا له بالشفاء العاجل، وتسمر آخرون أمام شاشات التلفزيون يتابعون الأنباء، وفي داخل عربات مترو الأنفاق ثار جدل واسع بين الركاب، بين مشكك في الوفاة أو المرض، ومصدق لها.

وقال أحمد أبو السعود ويعمل مهندس إلكترونيات إن مبارك رجل وطني خدم مصر لمدة أكثر من 60 عاماً، ولا يستحق أن يشمت المصريون في نبأ وفاته أو مرضه. وأضاف لـquot;إيلافquot; بعد عودته من زيارة لمحيط مستشفى المعادي العسكري صباح اليوم، إنه ذهب إلى المعادي من أجل الإطمئنان إلى صحة مبارك.

ولفت إلى أن عسكريا بدرجة لواء طمأنه هو وباقي المصريين القلقين إلى أن الرئيس السابق في صحة جيدة، مشيرًا إلى أن مبارك رجل من أبطال حرب أكتوبر، وحافظ على مصر طوال فترة حكمه الممتدة لنحو ثلاثين عاماً وجنّبها الحرب، وأشار إلى أن مبارك حقن دماء المصريين ولم يهدرها كما يشاع، ولم يأمر بقتل المتظاهرين أثناء الثورة، بل إنه حمى البلاد بقرار تنحيه عن الحكم، ولم يفعل كما فعل بشار الأسد في سوريا، وقال أبو السعود إن مبارك يستحق التكريم، وليس الإهانة والسجن.

مصير القضية والأموال
ولكن ما مصير القضية التي يحاكم فيها مبارك حالياً؟، يجيب حسن أبو العينين محامي شهداء ثورة25 يناير بالقول لـquot;إيلافquot; إن الدعوى الجنائية تسقط عن مبارك في حالة وفاته، مشيراً إلى أن وفاته لن تؤثر في مسؤولية باقي الأطراف، وسوف تجري المحاكمة بشكل طبيعي.

ونوه بأن الوفاة تسقط الدعوى الجنائية فقط، ولكنها لا تسقط الدعوى المدنية. وأوضح أبو العينين أن جرائم الفساد المتهم فيها مبارك والأموال التي جمعها بغير الطرق المشروعة سوف تسير فيها الدعوى، ويتم تحصيل الأموال من الورثة، قبل توزيع التركة، مشيراً إلى أن أرصدة مبارك في الداخل والخارج مصادرة أو مجمدة، ولن يستطيع ورثته التصرف فيها إلا بعد حصول الدولة على حقوقها.

لا جنازة عسكرية
في ما يخص أحقيته في جنازة عسكرية من عدمها، أوضح أبو العينين أن مبارك ليس من حقه جنازة عسكرية في حالة الوفاة. وقال إن المادة 25 من قانون العقوبات، تحرم المحكوم عليه في جناية من المزايا التي حصل عليها أثناء الوظيفة العسكرية، وتسقط عنه حقوقه السياسية.

وأكد أن مبارك سقطت عنه رتبته العسكرية وهي quot;فريق أولquot;، وسحبت منه الأوسمة والنياشين بمجرد صدور الحكم ضده بالسجن المؤبد في قضية قتل المتظاهرين، ولفت إلى أن ذلك يستتبع حرمانه من الجنازة العسكرية، لأنه صار مواطنًا عاديًا، وليس قائداً عسكرياً.

وحول ما يقال عن أن الحكم مازال في أول درجة، وليس حكماً نهائياً، أوضح أبو العينين أن الحكم القضائي وما يترتب عليه من آثار واجب النفاذ بمجرد صدوره، مشيراً إلى أن الطعن أو الإستئناف لا يوقف تنفيذ الحكم، باستثناء الحكم بالإعدام فقط، لا ينفذ إلا إذا كان حكماً نهائياً وباتاً.