يشير التدفق المستمر للاجئين العراقيين في سوريا الى كل من العراق والأردن وتركيا، إلى حقيقة أن هذه البلاد صارت منطقة طاردة، بعدما كانت بلادًا جاذبة لهم، في ظل توتر الأوضاع هناك.


بغداد: يروي حسين كامل الذي يقيم في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق منذ نحو ثمان سنوات أن الوضع الأمني والمعيشي بات يؤرق اللاجئين العراقيين لاسيما اولئك الذين لا يريدون العودة إلى العراق.

ومنذ نحو الثلاث سنوات تنتظر فريدة حسن ترحيلها إلى بلد ثالث عبر الأمم المتحدة، بعد أن اعتُرف بها كلاجئة إلا أن الامر بات اليوم بعيد المنال مع زيادة اعداد اللاجئين وعدم وجود برامج ترحيل منتظمة من قبل الأمم المتحدة.

مجازفة العودة

ومن العراقيين من يودّ العودة إلى بلاده لكن ظروفا قاهرة تمنعه من ذلك، إذ فقد حسن حاتم كل اتصال بأهله من نحو أربع سنوات، وهو المطلوب عشائريا في العراق لارتكابه جريمة قتل. ويعترف حاتم أن عودته إلى العراق تتطلب منه معرفة فيما اذا كان الموضوع قد تمت تسويته عشائريا أم لا، وحتى في هذه الحالة فإن أمر عودته يبقى مجازفة كبيرة.

جزء من العراقيين يؤيد الأسد

ويؤكد أمين الكاظمي أن الأمر في سوريا لم يعد كذلك، وان نذر الحرب الطائفية تلوح في الأفق.

ويضرب الكاظمي مثالاً على ذلك، حين سأله مواطن سوري قبل ايام ان كان هو سنيا أم شيعيا، في حين أن هذا السؤال لم يكن ليطرح في سنين سابقة.

رحيم الجبوري يؤيد ما ذهب اليه الكاظمي ويقول إنه تعرض للإهانة من قبل جماعة سورية، بعدما عرفوا انه من طائفة معينة.

اللعبة الطائفية

ورغم ان اغلب العراقيين ينوؤون بأنفسهم عن السياسة وتحولاتها في سوريا إلا أن ذلك لا يحول دون زجهم عنوة في الجدالات والمشاكل التي تحدث.

ويعترف ليث الخفاجي ان اللعبة الطائفية بدأت في سوريا وان العراقيين سيكونون طرفا فيها مهما تجنبوا ذلك، وسيكونون هم الضحايا بالتأكيد.

وقبل اسبوع، رفض بائع سوري التعامل مع الخفاجي قائلا لهم إنكم سبب خراب سوريا، ولا يعرف الخفاجي ماذا يقصد البائع في كلامه. ويؤكد الخفاجي الذي عاد الى العراق قبل نحو اسبوع ان العوائل العراقية التي سكنت حمص عانت الأمرين من التهديد بالقتل والجوع، ما اضطرها إلى الانتقال إلى دمشق.

وأصبحت حمص معقل المعارضة المسلحة التي بدأت قبل عدة أشهر بعد احتجاجات سلمية على حكم عائلة الأسد الممتد منذ 42 عاما.

من جانبه يؤكد علي حسن الذي كان يقيم في منطقة السيدة زينب ان الوضع لم يعد آمنا هناك للعراقيين وان التفجيرات والاغتيالات بدأت تطالهم إضافة الى الكثير من التهديدات بدوافع طائفية، والتي تدعوهم بين الرحيل او القتل.

ولفت حسن الانتباه الى ان منشورات طائفية وزعت في منطقة السيدة زينب فحواها ان الشيعة هدف مشروع للعمليات الحربية والقتل طالما إنهم يؤيدون بشار الأسد.

وفي منطقة السيدة زينب تنتشر اللوحات والإعلانات لصور الرئيس السوري بشار الاسد الى جانب امين عام حسن نصر الله ومع الرئيس الإيراني احمدي نجاد.

كما اغتال مسلحون مجهولون الأسبوع الماضي، خطيب وإمام حسينية الحوزة العلوية في سوريا ناصر العلوي.وقالت أسرته إن شخصا أطلق رصاصة واحدة على وجه الضحية أمام منزله في منطقة السيدة زينب في دمشق.

و تبدو أحياء كثيرة في دمشق والمدن من حولها مثل منطقة الزهراء بمثابة قواعد عسكرية أكثر منها أحياء سكنية.

عراقيو السيدة زينب يوالون النظام السوري

وينظر اغلب السوريين الى منطقة السيدة زينب حيث يقيم اغلب العراقيين إلى أن هذه المنطقة موالية إلى النظام السوري ما يتوجب محاربتها أو محاصرتها.

وبالنسبة إلى كثيرين لم يكن موضوع العودة للعراق خيارا مطروحا قبل الآن، إلا أن الموقف الأمني والمعيشي المتدهور يحتم عليهم تغيير خططهم والعودة بسرعة إلى العراق.

وانخفضت اعداد اللاجئين العراقيين في سوريا الى ادنى مستويات لها في الأشهر القليلة الماضية، بعدما ظلت هذه البلاد لسنين طويلة المقصد الاول للنازحين للهروب من جحيم الحرب في العراق منذ العام 2003.

ابو تماضر سائق باص على خط دمشق - بغداد يوضحان العودة الى العراق قائمة على قدم وساق ويتوقع ان تخلو سوريا من العراقيين بعد وقت قصير.

وعاش حليم الاسدي في مدينة حلب مدة خمس سنوات بسلام وأمن، لكن عاد العراق منذ نحو ستة اشهر مؤكدا ان بعض العراقيين انضموا للقتال الى جانب الجماعات المسلحة والجيش السوري الحر.

ولم يفصح الاسدي عن أسباب ذلك لكنه، يعتقد أن اغلب هؤلاء الذين انضموا الى الجماعات المسلحة كانت لهم تجارب سابقة في القتال في العراق.

وفي الوقت ذاته، يشير محمد هاتف الذي كان يسكن مدينة حلب لمدة ثمان سنوات أن اغلب العوائل هناك إما انها عادت إلى العراق أو انتقلت إلى دمشق حيث الأمن أكثر سوخاً. وينبه هاتف الى صحة ما ذهب اليه الاسدي من أن عراقيين انضموا للقتال إلى الجيش السوري الحر.


فعاليات سياسية

وفي الوقت ذاته، يرى هاتف أن بعض العراقيين انخرطوا ايضا في فعاليات تدعم الرئيس الأسد عبر الفعاليات السياسية والدعائية والتظاهرات.

ابو رحيم صاحب مكتب سفر يقرّ بأن الأوضاع في مدن سوريا بدأت تؤثر بشكل مباشر في اللاجئين العراقيين، حتى الذين يسكنون مناطق بعيدة نسبيا عن مناطق التوتر مثل السيدة زينب وجرمانا.

أما علي الحسيني الذي يستعد للعودة الى سوريا لتصفية اعماله التجارية فيقول إن المقيمين العراقيين يتجهون إما إلى الأردن أو إلى العراق، مؤكدا أنهم يتابعون تطورات الموقف ساعة بساعة.

ولا يخفي الحسيني تأكيداته من أن بعض العراقيين صاروا طرفا في النزاع من قريب أو بعيد حيث انقسموا بين مؤيد للنظام ومعاد له.

ويتابع الحسيني حديثه: quot;اغلب العراقيين المقيمين في مناطق دمشق وريفها مثل منطقة السيدة زينب وجرمايا يؤيدون النظام، في حين يؤيد العراقيون في حلب وحمص ومناطق التوتر -على ضآلة اعدادهم- المعارضة السوريةquot;.

وكان يعتقد أبو سحر المقيم في سوريا منذ سنوات ويسعى عبر اقامته هناك من الهجرة إلى أوروبا، أن الأحداث في سوريا سحابة عابرة لكن الامر ليس كذلك على ما يبدو.

ولا يبدو الامر سهلا بالنسبة إلى الكثير من العراقيين ان يتركوا البلاد على الفور لارتباطهم بأعمال تجارية اضافة الى ارتباط الاولاد بالمدارس.

أيام صعبة

وشهد عام 2005 والسنوات اللاحقة هجرة كبيرة للعراقيين إلى الخارج بعد تردي الأوضاع الأمنية وانتشار ظاهرة الاختطاف والقتل في الكثير من المدن العراقية.

وتصف ام حسن التي اقامت في سوريا قرابة عشر سنوات أن العراقيين هناك بدوا منهكين وجائعين بسبب تردي الأوضاع هناك.

وعادت ام حسن الى بلدها منذ نحو شهر مؤكدة ان الوضع في العراق افضل مما هو عليه في سوريا.

والتقت ام حسن الكثير من العراقيين الذين كانوا يقيمون في مناطق النزاع واكدوا لها انهم يعيشون اياما صعبة حيث القصف والمناوشات المسلحة واضطروا في بعض الأحيان إلى أكل أوراق الأشجار.

ويعترف محمد حسن الذي كان يقيم في مدينة درعا السورية العام الماضي انه كان يرى على الطريق أناسا ميتين بسبب القتال. ويضيف حسن: quot;العوائل التي نجت وتمكنت من الفرار اعتبرت نفسها محظوظةquot;.

وفي منطقة العلاوي في بغداد يشير رياض كامل الى جرح كبير في ساقة بسبب اصابته بشظية جراء انفجار في منطقة السيدة زينب ما دفعه إلى العودة إلى بلده.

وبالنسبة للعراقيين البعيدين عن مناطق القتال فان معاناتهم تتلخص في التضخم الكبير في السوق السورية وشحة المواد الغذائية والوقود كما ان انخفاض سعر صرف العملة المحلية كبّد التجار العراقيين خسائر كبيرة.