تهريب الإمدادات الحيوية لدعم المعارضة السورية

تتعدد الإشارات على تطور تشكيلات المعارضة السورية الى قوة قتالية، ويساهم في تطورها عمل الناشطين في جنوب تركيا، وتهريبهم إمدادات حيوية عبر الحدود. تطور هذه الشبكة يعكس وجود حملة لبناء حركة معارضة تكون قادرة على مواجهة قوات الأسد المتفوقة.


لندن: تشير بوادر إلى أن التشكيلات المهلهلة سابقا، للمعارضة السورية المسلحة تتطور إلى قوة قتالية شديدة البأس، بمساعدة شبكة تزداد فاعلية من الناشطين العاملين في جنوب تركيا، حيث يقومون بتهريب إمدادات حيوية عبر الحدود، بينها أسلحة وأجهزة اتصالات ومستشفيات ميدانية، وحتى رواتب لعائلات الجنود الذين ينشقون.

وتعكس هذه الشبكة وجود حملة لبناء حركة معارضة تربط بين تنظيمات عسكرية ومدنية وإنسانية، لا تكون قادرة في ما بينها على منازلة القوات المتفوقة لنظام الرئيس بشار الأسد فحسب، بل وخلعه أيضا.

وفي حين أنه من المبكر الحديث عن نشوء دولة داخل دولة، فإن تطور عمل المعارضة يؤكد الطبيعة المتغيرة للنزاع، وكيف أن السيطرة على شمال سوريا وشمالها الغربي تفلت تدريجيا من يد النظام.

ويحدث هذا في وقت تتصاعد حدة التوتر مع تركيا وسط أنباء عن عمليات انشقاق جماعية يقوم بها ضباط كبار من الجيش السوري ينضمون إلى صفوف المعارضة، لمساعدة مقاتليها. وتبحث تركيا الثلاثاء مع شركائها في حلف الأطلسي سبل الرد على إسقاط المضادات الجوية السورية إحدى طائراتها، فيما أعلنت أنقرة الإثنين انشقاق ضابط برتبة لواء واثنين آخرين برتبة عقيد يوم الأحد.

ويذهب نشاط المعارضة السورية في جنوب تركيا أبعد من نقل إمدادات حيوية إلى الداخل. فالهدف الأكبر والأصعب هو بناء تلاحم وتعاون بين التشكيلات المشتتة التي تقاتل تحت لواء الجيش السوري الحر، وتعزيز ما ينشأ من حكم مدني محليا على الأرض.

وفي إطار هذا المجهود، انبثقت عشرة مجالس عسكرية تشمل عمليا كل البلدات أو الأرياف الثائرة، مع استثناء واحد لافت هو حمص، حيث تستمر الخلافات بين فصائل المعارضة في الحيلولة دون تحقيق الوحدة، بحسب صحيفة نيويورك تايمز. وتُدفع رواتب شهرية لا تقل عن 200 دولار للجندي المنشق وأكثر للضباط بهدف إعالة أسر أولئك الذين يُقتلون في المواجهات.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن ناشطين أن هذه الرواتب تساعد في ضمان الانضباط المطلوب بين المجالس العسكرية، لتخطيط هجمات أحسن تنسيقا ضد قوات الأسد بدلا من أعمال التخريب العشوائية. وقال الناشط حسن قاسم الذي هرب من حلب عندما استُدعي للخدمة العسكرية quot;إن العمليات العسكرية يجب أن تصبح أكثر استراتيجيةquot;.

وقال دبلوماسيون حضروا اجتماع مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، إن رئيس بعثة المراقبين الدوليين الجنرال النرويجي روبرت مود، أبلغ المجلس أن المقاومة ضد نظام الأسد تزداد فاعلية، وعزا ذلك إلى اكتساب خبرة أوسع وليس الحصول على أسلحة أحسن أو تحقيق تنسيق أفضل. ولكن ناشطين أكدوا خلاف ذلك. وروى الناشط قاسم من حلب، كيف قام القادة العسكريون لقوى المعارضة بتقسيم حلب والمناطق القريبة من الحدود التركية إلى خمسة قطاعات، تخضع لمجلس عسكري واحد اسمه الكتائب الشمالية الحرة. وأضاف قاسم أن المجلس تحول من مجموعة عسكرية تضم متطوعين إلى هيئة حقيقية بهيكل عسكري أحسن تنظيما. وأكد ان على الثوار أن يصبحوا جيشا منظما.

ويشتمل عمل المعارضة الآن على نقل أسلحة مضادة للدبابات. وقال عضو في المجلس الوطني السوري، طلب عدم ذكر اسمه لصحيفة نيويورك تايمز quot;أنها ليست استراتيجية حاسمة بعد، بل مجرد محاولة لتعديل الميزان العسكريquot;.

وكانت الحكومات الغربية أبدت ممانعة إزاء مد المعارضة بكميات كبيرة من الأسلحة المتطورة، خشية ان تقع بأيدي متطرفين. ويقول مسؤولون في المعارضة يدركون هذه المخاوف، إن الجهة التي تتسلم السلاح تخضع لتمحيص دقيق. وأكد أحد هؤلاء المسؤولين أن المعارضة لا تريد توفير معدات لأفراد لا تعرفهم.

وأوضح قاسم أن كل قاطع في ريف حلب، يرسل ممثلا عنه إلى غرفة عمليات يديرها المجلس العسكري. ولكن ناشطين يعترفون بوجود احتكاك بين المجالس العسكرية والقيادات المدنية التقليدية التي تنتمي إلى عائلات متنفذة. فإن هذه القيادات تقدمت لملء الفراغ حين تبخرت الإدارة الحكومية، وهي ترفض أن ينازعها أحد سلطتها.

ويسهم صراع الأجيال في تعقيد المشكلة، فإن القادة العسكريين يكونون عادة من المنشقين الشباب، على النقيض من الوجهاء المحليين. والهدف هو أن تركز المجالس العسكرية على القضايا التكتيكية، فيما تتولى الهيئة المدنية التي تدير المنطقة توزيع المساعدات وإبقاء حركة الاحتجاج السلمية حية.

ويقوم بدور حيوي في هذه المهمة اشخاص مثل رامي، وهو ناشط سوري شاب اكتفى بإعطاء اسمه الأول لصحيفة نيويورك تايمز. وكان رامي حتى أوائل العام الماضي مديرا ماليا ناجحا في شركة إعلامية في دمشق. ولكنه يعيش الآن في شقة عارية ذات غرفتين، حيث من ضمن مهماته تعبئة أكياس بكاميرات فيديو وهواتف فضائية ومعدات إلكترونية أخرى تحول الصحون التلفزيونية اللاقطة إلى أجهزة إرسال.
وقال رامي quot;عندما تكون قريبا تشعر بأن روح الثورة ما زالت معك وأنك جزء منها. فأنت في اسطنبول او أي مكان آخر لا شيء، شخص يتابع ما يجري في مكان آخرquot;.

وتبدو بعض الجهود الانسانية غريبة، ففي أحد البيوت قرب الحدود، تدير مجموعة من الرجال وضعوا على عتبة الباب رقعة من سجادة رمادية عليها وجه الرئيس الأسد، ما يشبه الخدمات البريدية حيث يتلقون طلبات من داخل سوريا بينها إمدادات طبية وأرغفة خبز طازجة وأسمدة لتصنيع متفجرات بدائية.

وبسبب الأعداد الكبيرة من الثوار الجرحى الذين يفارقون الحياة على الطريق إلى تركيا للعلاج، فإن مجهودا طموحا يُبذل لتنظيم الخدمات الطبية وتحسينها. وقال الدكتور منذر يازجي وهو أميركي - سوري متخصص بالأمراض الداخلية من تكساس لصحيفة نيويورك تايمز quot;إن الاصابات تزداد سوءا أكثر فأكثرquot;.

وساهم الدكتور يازجي في تأسيس اتحاد منظمات الاغاثة الطبية السورية اوائل العام لجمع التبرعات من الأطباء السوريين في انحاء العالم. ويمول الاتحاد من شقة في قرية تركية قرب الحدود مشاريع مختلفة بينها اقناع اطباء في الخارج برعاية طبيب سوري من خلال التبرع بأدوية وتخصيص راتب بسيط له.

وقام الاتحاد بتدريب 70 ناشطا من داخل سوريا، على طريقة نقل الجرحى ذوي الإصابات الخطيرة، وبدأ يرسل مستشفيات ميدانية عبر الحدود تتيح إجراء عمليات جراحية بسيطة. وهناك مشاريع دائمة مثل تحويل فيلا ذات طابقين في بلدة سورية حدودية تحت سيطرة الثوار إلى مستشفى سعته 30 سريرا.

ويعترف الأطباء السوريون الذين يعيشون في تركيا قرب الحدود السورية، بوجود توترات مع السلطات التركية حول الوقت الذي يستغرقه إنهاء المعاملات الجمركية لإدخال الامدادات الطبية ورفض الحكومة التركية تخفيف الحظر على عمل الأطباء الأجانب. وفتح العديد من الأطباء السوريين بيوتهم للجرحى ذوي الاصابات الخطيرة. وقال طلال عبد الله، منسق الشؤون الانسانية السابق للمجلس الوطني السوري في المنطقة، إنه حشر ذات مرة 12 جريحا في شقته.

ولكن هناك خلافات بين السوريين أنفسهم ايضا. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الدكتور عبد الله وهو طبيب أسنان مسيحي من حماة أنه استقال من مهمته في المجلس لأن الاخوان المسلمين ينحُّون غير الأعضاء جانبا. وأضاف أن قوة الاخوان المسلمين تتمثل في quot;ان كل المال وكل المساعدات الانسانية بأيديهم ولكننا لا نعرف مصدرهاquot;.

ودأب النظام السوري على اتهام المعارضة بتنفيذ مخطط خارجي لتقسيم سوريا. وقال مسؤولون أميركيون وضباط استخبارات عرب إن وحدة صغيرة من وكالة المخابرات المركزية الأميركية، تعمل في انطاكيا حيث تمحّص في مَنْ يتلقى أسلحة أكثر تطورا. ولكن صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن مصادر أن عناصر الاستخبارات الأميركية لم يدخلوا الأراضي السورية.

وقال ناشطان على الأقل إنهما على علم بوجود اتصالات مع مستشارين أميركيين حول التكتيكات العسكرية دون أن يخوضا في التفاصيل. وقال دبلوماسي في مجلس الأمن الدولي، إن الجنرال مود، أبلغ المجلس أن مترجميه تمكنوا من التعرف إلى بضعة أجانب من لهجتهم ولكن وجودهم ليس كبيرا.

وشددت غالبية الناشطين على ان السوريين يقاتلون من اجل حياة افضل.