مرسي قد يكون مجبرًا على بناء علاقات طيبة مع أميركا لحاجته اليها في تحسين وضع بلاده

رغم انتقاد الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، السياسة الأميركية، الا أن محللين ومسؤولين أميركيين اكدوا أن الولايات المتحدة ستتمكن من إقامة علاقة عمل متينة معه، معتمدين في تفاؤلهم على حاجة مرسي إلى تحسين اقتصاد واستقرار بلاده، وذلك طبعًا بمساعدة واشنطن.


لندن: يبدو الرئيس المصري المنتخَب محمد مرسي من الوهلة الأولى وكأنه كابوس على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ تحدث هذا الإسلامي الذي كان لا يحب الأضواء، منتقدًا بلغة لاذعة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وهو يشير إلى الاسرائيليين على أنهم quot;طغاةquot;، وأبدى شكه في أن يكون ارهابيون نفذوا هجمات 11 ايلول (سبتمبر).

لكنّ مسؤولين أميركيين ومحللين، يعربون رغم ذلك عن تفاؤل حذر بأن تتمكن واشنطن من إقامة علاقة عمل متينة مع هذا السياسي المخضرم، الذي رشحته جماعة الإخوان المسلمين للانتخابات الرئاسية. ويقول مرسي ومساعدوه إنهم هم أيضًا متفائلون بمستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة، وإن كان تفاؤلهم مصحوبًا بعبارات استدراكية.

ويستند التفاؤل من حيث الأساس إلى البرغماتية. ففي المستقبل القريب على أقل تقدير، من المرجح أن تتراجع أي اعتراضات ايديولوجية على السياسة الأميركية إلى مقعد خلفي وراء حاجة مرسي إلى تحقيق الاستقرار في مصر، وتحسين اقتصادها المتعثر، وهما مهمتان كلتاهما تتطلبان مساعدة من واشنطن، كما يرى محللون.

وفي هذا الشأن نقلت صحيفة واشنطن بوست عن شادي حامد، الخبير بالشؤون المصرية في مركز بروكنز الدوحة، الذي التقى مرسي وقياديين في جماعة الاخوان المسلمين مؤخرًا، أن الولايات المتحدة ستتمتع بأفضلية مع جماعة الاخوان المسلمين لأنها تحتاج إلى الولايات المتحدة وأوروبا من أجل إنعاش الاقتصاد المصري، على المدى البعيد. وأضاف أن الإخوان quot;سيحتاجون إلى مليارات الدولارات من القروض والاستثمارات إذا كانوا يريدون انتشال إقتصادهم من ركودهquot;.

وقال المتحدث باسم مرسي، ومستشاره جهاد حداد، إن الرئيس المنتخب الذي نال شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة إبان السبعينات، بدأ يبني علاقات سليمة مع المسؤولين الأميركيين. وأعلن حداد في مقابلة يوم الاثنين: quot;نحن نتوقع ونعمل نحو إقامة علاقة استراتيجية قويةquot; مع واشنطن. وأضاف أن ذلك من شأنه أن يساعد في ردم الفجوة بين نظرة البلدين أحدهما إلى الآخر.

ورددت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الأميركية فكتوريا نولاند، هذه المشاعر قائلة للصحافيين: quot;نحن نتطلع إلى العمل مع الحكومة حول القضايا التي سيتعين أن تواجههاquot;.

ولكن تبقى هناك، كما يرى محللون، تساؤلات عن موثوقية مرسي كحليف للولايات المتحدة على المدى البعيد. ويأتي في مقدمة هذه التساؤلات حجم سلطاته التي قلصها العسكر مؤخرًا ومدى امتثاله لقادة الإخوان المسلمين، الذين يعملون وراء الكواليس.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن طارق مسعود، أستاذ السياسة العامة في جامعة هارفرد الذي التقى مرسي عدة مرات تساؤله: quot;هل محمد مرسي رئيس مصر أم أن جماعة الاخوان المسلمين هي التي تتولى الرئاسةquot;.

وقال محمد حبيب النائب السابق لمرشد الإخوان المسلمين قبل انشقاقه عن الجماعة إن مرسي سيحاول على الأرجح أن يقيم علاقة ندِّية مع واشنطن. وقال حبيب إن quot;القرارات المصرية لن تُترك إلى الادارة الأميركية كما وافق الرئيس السابقquot; حسني مبارك على تركها.
وقال مصدر في الإدارة الأميركية طلب عدم ذكر إسمه، إن المسؤولين الأميركيين يأملون بأن يكون لهم تأثير ايجابي قوي على مرسي (60 عامًا) حين يقوم مسؤول اميركي كبير بزيارة قادمة إلى القاهرة.

ويأمل المسؤولون الأميركيون استخدام مئات ملايين الدولارات التي لم تُنفق من المساعدات الأميركية المرصودة لمصر، كأداة لتقوية موقع الولايات المتحدة وبناء الثقة مع إدارة مرسي بإيجاد مضامير تلتقي فيها مصالحهما.

وتعتبر هذه الجهود بالغة الأهمية، للحفاظ على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. ففي مقابلة أجرتها صحيفة واشنطن في شباط (فبراير) 2011 حين كان مرسي زعيم حزب الحرية والعدالة حديث التأسيس وقتذاك، قال إن الخروج من المعاهدة ليس أفضلية. ولكنه وصف الوضع الحالي للنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني بأنه غير مقبول. وقال مرسي في حينه إنه لا يمكن الحديث عن بلد فيه 5 ملايين لاجئ واصفًا الاسرائيليين بالطغاة المحميين من الولايات المتحدة.

وقال حداد، المتحدث باسم مرسي، إن مصر لن تكون الطرف الذي يفسخ المعاهدة.ولكنه أضاف أن المصريين سيرون تغييرات سريعة جداً ومهمة في سياسة بلدهم تجاه اسرائيل، وأشار حداد إلى دعم إقامة الدولة الفلسطينية بقوة أكبر ورفع الحصار عن البضائع التي تمر من معبر رفح بوصفه البوابة الرئيسية بين مصر وقطاع غزة.

وسبق أن أدلى مرسي بدلوه في نظريات المؤامرة. وأعرب عن شكه خلال نقاش حول اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) في أن تتمكن طائرة من اختراق البرج quot;كالسكين في الزبدةquot;، وأشار إلى quot;أنه لا بد أن يكون قد حدث شيء من الداخلquot;، بحسب حديث استحضره الباحث حامد من مركز بروكنز الدوحة في مقالة نشرها مؤخرًا في مجلة فورين بولسي الأميركية.

ومن القضايا التي يريد المسؤولون الأميركيون معالجتها على جناح السرعة، خلال محادثاتهم مع مرسي أيضاً، مستقبل المساعدات الأميركية لمنظمات المجتمع المدني وغيرها من المنظمات التي تعمل لترويج الديمقراطية. وكانت هذه المساعدات توقفت عمليًا هذا العام، عندما وجهت الحكومة المصرية تهمًا جنائية إلى عدة أميركيين ومصريين، يعملون في هذه المنظمات واغلقت مكاتبها. ويتابع المسؤولون الأميركيون بترقب ما إذا كانت وزيرة التعاون الدولي فائزة ابو النجا، التي كانت مهندسة الحملة ضد المنظمات المذكورة ستبقى عضوًا في الحكومة الجديدة.

ووقال حداد إن مرسي لم يتخذ قرارًا بشأن حكومته، ولكنه أشار إلى أن أيام أبو النجا في الحكومة قد تكون معدودة. ونقلت صحيفة واشنطن عن المتحدث باسم مرسي وصفه الوزيرة بأنها من رموز نظام مبارك.

ومن التساؤلات الأخرى التي تدور في أذهان المسؤولين الأميركيين،ما المدىالذي سيذهب اليه مرسي في العمل على تعديل قيم مصر الاجتماعية بما ينسجم مع المبادئ المحافظة لجماعة الاخوان المسلمين. وكان مرسي أعلن خلال المقابلة التي أُجريت معه العام الماضي أن توجيه مصر وجهة دينية أقوى، ليست من أولوياته، مشيرًا إلى أن موقف حزبه يقوم على قاعدة quot;عش ودع الآخر يعيشquot;.

وحين سُئل مرسي عن رأيه في الولايات المتحدة، قال إنه يكن إعجابًا كبيراً بالأميركيين وأخلاقهم في العمل ومؤسساتهم. ولكنه انتقد بشدة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وقال إن المسؤولين الأميركيين quot;يشترون كراهية شعوب هذه المنطقة بأموال دافعي الضرائبquot;.

وكانت دراسة مرسي لنيل الدكتوراه من جامعة ساوثرن كاليفورنيا، في أواخر السبعينات أتاحت له فرصة الإطلاع عن قرب على الحياة في الولايات المتحدة ومعرفتها. وقد وُلد إثنان من أطفاله في الولايات المتحدة خلال تلك الفترة.
البروفيسور فرغلي محمد، وهو أكاديمي مولود في مصر كان أحد أساتذة مرسي يتذكره طالبًا هادئًا، متواضعًا، مجتهدًا، ومتدينًا باعتدال.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن البروفيسور محمد أن مرسي لم يكن ملتحيًا وقتذاك، ولم يكن معروفًا بانتقاداته الصريحة للقيم الأميركية، بخلاف الطلاب المسلمين الآخرين. وأضاف البروفيسور أنه لهذا السبب quot;صُدمquot; عندما علم أن مرسي أصبح قياديًا في جماعة الاخوان المسلمين.

وقال البروفيسور محمد: quot;كمصري أتمنى له النجاح في مهمته، فهي مهمة صعبة وعليه أن يوحد الشعب. الأصوات كانت متقاربة، والبلد منقسم، وآمل بأن ينسى انتماءه ويفكر في المصلحة الأعلىquot;.