تعدّ ظاهرة العنف ضد النساء ظاهرة منتشرة في المجتمعات العربية الذكورية ولكن الغريب أن تنعكس هذه الأمور لتبدأ النساء بتعنيف الرجال في بعض المجتمعات ومنها المجتمع الفلسطيني نظرًا لظروف اقتصادية وتربوية واجتماعية.


بدأت قضية عنف النساء ضد الرجال في المجتمع الفلسطيني بالظهور خاصة بعد تسليط الضوء عليها من قبل بعض المراكز والجهات الإعلامية حيث تبين أن نسبة الرجال المعنفين تبعا لاحصائيات وصلت لجهاز الشرطة الفلسطيني 2% فيما بلغت هذه النسبة وبحسب دراسات أعدّها ونفذها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حسب اعترافات النساء قرابة 17%.

وبحسب الدراسات والبحوث ومراكز متابعة قضايا الأسر، فإن الحالات الموثقة تتنوع ما بين عنف لفظي وجسدي واقتصادي واجتماعي. وأكدت الأخصائية الاجتماعية والنفسية سعاد شتيوي، من جمعية الدفاع عن الأسرة في نابلس في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot; أن العنف ضد الرجال من قبل الزوجات بات موجودًا وبعض الحالات تطلب المساعدة والمشورة.

وأوضحت شتيوي، أن عددا قليلا من الرجال يتوجهون للجمعية طلبا للمساعدة وأخذ النصيحة والمشورة في ظل وجود عنف ممارس عليهم من قبل الزوجات. وبينت شتيوي، أن أوجه هذا العنف متعددة حيث توجد بعض الحالات التي تعرضت للضرب بأداة أو اشتباك بالأيدي وحالات أخرى تعرضت لاستغلال الزوجات وعنفهن النفسي والاقتصادي والاجتماعي.

وقالت: quot;وصلتنا شكاوى سواء من خلال الخط المساعد عبر الهاتف أو من خلال بعض الحالات التي وصلت إلى الجمعية بوجود عنف تعرض له رجال من قبل نسائهم وأطفالهم وتعلقت هذه الشكاوى بإشكاليات تتعلق بالوضع الاقتصادي والظروف الاجتماعية وسوء التصرف من قبل الزوجات إضافة إلى مشاكل نتيجة طبيعة العلاقات الجنسية والاتصال والتواصلquot;.

وأكدت الأخصائية شتيوي، أن العديد من الظروف تدفع الزوجات أحيانا حسب الشكاوى التي تلقتها الجمعية لتعنيف أزواجهن بسبب عدم تلبية احتياجاتهن الأسرية ونتيجة لسوء التعامل والإهمال وانشغال الزوج بالعمل أحيانا.

وأشارت إلى أن هذه الاعتداءات تكون موسمية وترتفع أحيانا وتهبط أحيانا أخرى، منوهة بأن الظروف الحالية كتدني أجور العمال وعدم توفر فرص العمل تسبب الكثير من المشاكل خاصة حين تفوق طلبات الأسرة مستوى الدخل.

الرجال قلّما يشتكون

بدورها، أكدت الأخصائية النفسية والاجتماعية رزان اسكندر، في لقاء خاص مع quot;إيلافquot;، أن العنف في الأراضي الفلسطينية ضد الرجال أقل بكثير عند مقارنته بالعنف ضد النساء. وأوضحت اسكندر، أنه وتبعا لبعض الاحصاءات فإن نسب العنف المستخدم من قبل الزوجات يكون ناتجا من ظروف معقدة تتمثل أساسا بشخصية الزوج وتنشئته وتربيته.

وقالت: quot;إن الرجل ذو الشخصية الضعيفة يفتح المجال واسعا لتمرد الزوجة وتطاولها، وتكون هذه الشخصية ناتجة من تنشئة اجتماعية وتربية خاطئتين بحيث تميل هذه الشخصية إلى الخنوع واختصار المشاكل وتصبح مستسلمة للواقعquot;.

وحول الأسباب التي تدفع الزوجات للتطاول وتعنيف الأزواج، أوضحت اسكندر، أنها متعددة وتعود لمشكلات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية ومن بينها عدم قدرة الزوج على تلبية احتياجات ومتطلبات الأسرة، وغياب الزوج عن أسرته وإهمال الزوجة وبعض العلاقات الجنسية العنيفة التي قد تدفع الزوجة للنفور والتوجه نحو التخلص من الزوج والابتعاد عنه مستخدمة وسائل متعددة لتعنيفه من بينها الهجران والعنف اللفظي.

ومن بين الأسباب الأخرى التي سردتها اسكندر، هي محاولة انتقام بعض الزوجات من طبيعة زيجاتهن خاصة إذا ما أرغمن على هذا الزواج وكذلك سعيا لرفض خنوع الزوج لمتطلبات أشقائه وذويه مقابل رفضه متطلبات الزوجة وبيته.

وفي ما يتعلق بمدى صحة النسب التي تتمحور في هذا المجال، أكدت أنه ربما تكون قريبة إلى الواقع نظرا لأن الأزواج عادة ما يلجؤون إلى كتمان مثل هذه الأمور حتى لا ينعكس ذلك على شخصياتهم بين رفاقهم وعائلاتهم.

وعن المطلوب لمجابهة انتشار مثل هذه الظواهر، أكدت ضرورة عمل مجموعات دعم ومناصرة وتدخل لدى بعض الأسر وفي بعض التجمعات وخاصة مع النساء، والتوجه نحو الاستخدام الأمثل للإعلام لتعزيز التوعية، والتوجه نحو الاستفادة من الأندية والمرشدين، والتركيز على أهمية دور الآباء في عملية التنشئة.

وبحسب بعض الدراسات فإن أساس العنف في الكون يعود إلى العادات والتقاليد وكتمان الحوار الصريح ونظرا للضغوطات المجتمعية التي تتركز أساسا على مفهوم العيب. وبحسب ما نشرته صحيفة الحياة الفلسطينية فقد أشار العميد جبر عصفور، مسؤول إدارة المباحث في الضفة الغربية وإدارة المخدرات وإدارة حماية الأسرة وإدارة المختبر الجنائي، إلى أن المرأة والرجل يتعرضان إلى صراع هرموني نتج منه تنافر وواجبات متناقضة جعل كل واحد يحدد منظوره من زاويته الخاصة.

وقال عصفور: quot;لذلك فإن ثقافة المجتمع الفلسطيني الذي لا يتجزأ من الثقافة العربية عززت مفهوم الرجولية في كافة شؤون الحياة لاسيما باتخاذ القرارات الإنسانية والمركزية للتعامل مع المرأة بناء على واقع ملموس بحيث يعتبر الرجل مسؤولا عن المرأة.

وتبعا للعميد عصفور، فإن العديد من العوامل البيئية والحياتية التي كونت صورة ذهنية واجتماعية ما، أحاطت المجتمع وساهمت بخلق شخصية قريبة من التوتر قد دفع البعض منهم أو منهن ولكلا الجنسين للتعبير عن ذاتهم بطريقة تتسم بالعنف.

وأوضح أن المجتمع قدم مساحة أكثر للرجل من أجل إدارة الحياة لذلك نجد أن نسبة العنف على المرأة أكثر، منوها في الوقت ذاته بأن هذا لا يعني عدم وجود سلوك سلبي ممارس على الرجل. وقال العميد عصفور: quot;إن العديد من القضايا بلغت 2% يتعرض الرجال فيها للعنف من قبل الزوجة والأولاد على حد سواء، متوقعا أن ترتفع هذه النسبة خلال الفترة القادمةquot;.

وبين أن المرأة ذات الشخصية القوية في المنزل تعطي الحق لنفسها على عدم احترام الرجل خاصة إذا كان ذا شخصية ضعيفة جدا أو ليس لديه القدرة على اتخاذ القرارات بحياته والعكس.

وحول الأسباب التي تدفع باتجاه مثل هذا العنف، أوضح أن الحالة النفسية التي يتعرض لها الجنسان قد تسبب العنف في تعامل الرجل والمرأة مع بعضهما على صعيد حياتهم الشخصية حيث إنه وفي حال عانيا عدم الثقة والشعور بالنقص بشكل دائم قد يؤدي إلى إظهار العنف على بعضهما البعضتعويضا للفشل أو قد يدفعهما ذلك للسيطرة والتمرد في المعاملة.

وبين أن المجتمع والأفراد والأهل هم أساسا من يدفعون المحيط من حولهم إلى اتباع سلوك العنف في كافة مجالات الحياة، مشددا على ضرورة توفير خبراء نفسيين في كافة مجالات الحياة لتربية وإنشاء جيل ناضج وسليم عقليا.

وبحسب quot;صحيفة الحياة الجديدةquot;، فإن من بين القصص التي نتجت من عنف المرأة تمثلت بقيام إمرأة بالتعرف إلى صديق لعدم قدرة زوجها على تلبية احتياجاتها وقررت بعد ذلك التخلص من زوجها وقتله، وفي حالة أخرى قامت إحدى النساء بربط زوجها بالتعاون مع أبنائها وضربه بحجة أن وجوده سلبي ولا يصلح أن يكون أبا.

نسب وإحصاءات

وكانت ﻋﻼ ﻋﻭﺽ، ﺭﺌﻴﺱ ﺍﻹﺤصاء ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻲ، أعلنت مع نهاية العام الماضي ﻨﺘﺎﺌﺞ ﺍﻟﻤﺴﺢ ﺍﻟﻭﻁﻨﻲ ﺤﻭل ﺍﻟﻌﻨﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻲ للعام،2011، حصلت quot;إيلافquot; على نسخة منه، ونوهت فيه، بأن المسح الوطني بهذا الإطار شمل عينة مكونة من 5.811 أسرة فلسطينية منها 3.891 أسرة في الضفة الغربية و1.920 أسرة في قطاع غزة وذلك ضمن المسح الثاني من نوعه الذي ينفذ على المستوى الوطني.

وأكدت في بيان وزعه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن الهدف جراء هذا المسح يتمثل في دراسة العنف الذي يتعرض له الأفراد داخل الأسر وخارجها، سعيا لتوفير بيانات حول العنف وحجم هذه الظاهرة وأملا في تشكيل قاعدة بيانات تساهم في تقييم برامج الخدمات ذات العلاقة بموضوع العنف.

وتبعا للبيانات والإحصاءات التي أوردها الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني في تقرير مسح العنف الأسري في المجتمع الفلسطيني للعام 2011 تظهر النتائج، أن هناك 17.1% ﻤﻥ ﺍﻟﻨساء ﺃﻓﺩﻥ ﺒﺄﻨﻬﻥ ﻤﺎﺭﺴﻥ ﺍﻟﻌﻨﻑ ﺒﺤﻕ ﺃﺯﻭﺍﺠﻬﻥ؛ 13.3% ﻓﻲ ﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ ﻤﻘﺎﺒل 24.1% ﻓﻲ ﻗﻁﺎﻉ ﻏﺯﺓ، ﺒﻭﺍﻗﻊ 35.1% صنفت ضمن العنف النفسي، ﻭ20.2% صنفت ضمن العنف الجسدي، ﻭ4.5% ضمن العنف الاجتماعي ﻭ4.9% ﻋﻨﻑ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻱ.

فيما تشير هذه الإحصاءات إلى أن ﺤﻭﺍلى 37% ﻤﻥ ﺍﻟﻨساء ﺍﻟﻠﻭﺍﺘﻲ ﺴﺒﻕ ﻟﻬﻥ ﺍﻟﺯﻭﺍﺝ ﺘﻌﺭﻀﻥ ﻷﺤﺩ ﺃﺸﻜﺎل ﺍﻟﻌﻨﻑ ﻤﻥ ﻗﺒل ﺃﺯﻭﺍﺠﻬﻥ؛ (29.9% ﻓﻲﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ ﻤﻘﺎﺒل 51.1% ﻓﻲ ﻗﻁﺎﻉ ﻏﺯﺓ).