يرى مثقفون وكتاب ومواطنون عراقيون أن رئيس الوزراء نوري المالكي يريد استخدام الحزب الشيوعي كحمامة سلام مع خصومه، ولهذا لجأ المالكي إلى التقارب مع الحزب وعقد اجتماعات مع قيادته.



اكد عراقيون استغرابهم للتقارب المفاجىء بين الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة الاسلامية، وما رشح عن اللقاء بين قادة الحزبين عن استعداداتهم لتعميق العلاقة بينهم الى حد الدخول في الانتخابات المقبلة ضمن قائمة واحدة هي قائمة quot;دولة القانونquot; التي يرأسها رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي .

وفي الوقت الذي بدأت تظهر فيه (شائعات) عن انضمام الحزب الشيوعي العراقي الى قائمة (دولة القانون) التي يرأسها المالكي ظهرت آراء تستغرب هذا التقارب بين الحزبين (الدعوة) و(الشيوعي)، حيث تأتي هذه التطورات في اعقاب اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء بقيادة الحزب الشيوعي العراقي ، وهو الاول من نوعه .

وكشف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي مفيد الجزائري أن المالكي ابلغ الحزب خلال لقائه معه أن تحرك العراق نحو الأمام يكون بتشكيل تكتل غير طائفي، فيما بيّن أن الشيوعيين لا يمانعون في الانضمام إلى أي كتلة سياسية، إذا كانت هناك أسس وأهداف مشتركة تقوم عليها quot;وتنسجم مع برنامجناquot; .. وقال الجزائري: إن الحزبين الشيوعي والدعوة كانا سوية في جبهة واحدة عام 2002 قبل انهيار النظام الدكتاتوري في العراق، وقبلها في لجنة العمل المشترك في الثمانينات، لافتًا إلى أن الحزب لا يمانع في الانضمام إلى أي كتلة أو قائمة إذا كان برنامجها يدعو إلى التخلص من نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، واعتماد مبدأ المواطنة، وبناء الدولة المدنية الديمقراطيةquot; .

المالكي مجتمعًا مع قادة الحزب الشيوعي

الى ذلك، فإن العديد من الذين ينضوون تحت اجنحة الحزب الشيوعي أو مناصريه منشغلون بهذا التقارب ومتفاجئون به، لانهم يرون أن الفرق شاسع ما بين الحزب الشيوعي وحزب الدعوة، وأن ابسط ما يقال إن الاول حزب ليبرالي علماني فيما الثاني حزب اسلامي، فيما اشار آخرون الى أن الحزب الشيوعي بات يعترف أنه في ظل التحالفات على الساحة السياسية لن ينوبه شيء وربما لن يحصل على مقعد واحد في مجلس النواب، كما حدث في الانتخابات الاخيرة، وأن قادته يرون أن مصلحته تكمن في الانضمام الى الكتلة التي يرونها مناسبة للحصول على مكاسب (مشروعة)، فيما اعرب آخرون عن اعتقادهم بأن الامر ربما يكون مثلما اعلنه الجزائري ولكنهم يرون أن المالكي هو الذي وجد في الحزب الشيوعي نجاة له من خلال هذا الحزب الذي يملك علاقات طيبة مع الجميع، فأراده أن يلعب دور (حمامة السلام) في القضايا الشائكة، وما لقاء الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى برئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني بعد ثلاثة ايام من اجتماعه بالمالكي الا تعبير واضح عما يريده رئيس الوزراء من دور يلعبه الشيوعي في المرحلة الحالية .

وقال ابراهيم السيد : انا شيوعي لكنني استغرب هذا التقارب المفاجىء بين الحزب الشيوعي وحزب الدعوة ، وكلنا نعرف الاستفزازات العديدة التي قامت بها الحكومة للحزب الشيوعي من خلال مداهمة مقراته واتهامه بتهم غير صحيحة ، واذا ما قال مفيد الجزائري إن الحزب الشيوعي قد ينضم الى حزب الدعوة .. فهو أمر يحتاج الى توضيح لأننا نعرف الفرق الكبير بين حزبين احدهما ليبرالي والآخر اسلامي .

اما المواطنة سعدية فقالت : اعتقد أن هناك إشكالية في الامر ، أو سوء فهم ربما ، ولكنني افهم من خلال دعوة المالكي لاعضاء الحزب الشيوعي للاجتماع به ومن ثم قيامهم بزيارة مماثلة لرئيس اقليم كردستان امرًا واحدًا، وهو أن المالكي اراد من الشيوعي أن يكون حمامة السلام في المرحلة الحالية خاصة في ظل الصراعات والخصومات بين الاطراف ، انا افهم أن الشيوعيين كأناس مسالمين وطيبين اريد لهم أن يكونوا الوسيط الجميل للمساعدة في حل الاشكالات ، وانا اعتقد أن الامر لا يتعدى هذا ، وإن حدث تقارب فنحن نرى أنه من الامور الجيدةquot;.

ومن جانبه علق الكاتب علي حسين على ذلك بالقول : يعرف الجزائري ومعه قادة الحزب الشيوعي أن جماهير الحزب ومناصريه ومحبيه كانوا قبل سنوات من اشد المتحمسين لكل شيء فيه رائحة الديمقراطية، وأمنيتهم الوحيدة التي لازمتهم طوال سنوات حياتهم، هي أن يروا العراق أنموذجًا يحتذى به في مجال هذه الممارسة السياسية، لكن كل ذلك لم يحدث، واستولى على البلد سياسيون يتعوذون بالله كلما سمعوا لفظة ديمقراطية ودولة مدنية ، ولهذا سحبت هذه الجماهير اعترافها بهذه النخب السياسية التي كان المواطن المسكين يعتقد أنها ستكون ماهرة في الإعمار وإدارة شؤون البلاد أكثر من مهارتها في تعليم الناس الفضيلة والحشمةquot;.

وقال حسين إن quot;الناس ومنها جماهير الحزب الشيوعي اكتشفت أن الساسة الذين جاؤوا باسم الفقراء والمحرومين ورفعوا شعار المظلومية كانوا اول من تحولوا إلى أغنى طبقات المجتمع، صدعوا البسطاء بخطب عن دولة القانون فيما هم يهربون أموال الشعب، دمروا الحياة السياسية وأقاموا بديلاً عنها تجمعات شعارها المحسوبية والانتهازية، يرفعون شعار الامن الوطني وهم يقفون حجاباً على ابواب قادة دول الجوار، ويعرف السيد الجزائري جيداً أن الساسة الذين كانوا يطالبون بالحرية هم اليوم اشد بأسًا في ممارسة الوحشية والاستبداد التي مارسها صدام وأبناؤه ومقربوه من قبلquot;.

اما الكاتب علي عبد السادة فقال : الحزب الشيوعي العراقي يشبه، كثيراً، قوى سياسية تستطيع في أي لحظة، وفي أي منعطف سياسي، فقدان الذاكرة، ولم يكن متوقعًا هذا التقارب بين الحزب الشيوعي العراقي ورئيس الوزراء نوري المالكي، ولا اجد مقولة أن الحزبين متقاربان في الاساس منسجمة مع الواقع السياسي الراهن، طبقًا لما صرح به القيادي الشيوعي، مفيد الجزائري امس : quot;كنا، والدعوة، في لائحة واحدة العام 2002.

واضاف : الاجتماع الذي ضم المالكي بقيادة الحزب الشيوعي أظهر اشارات متعددة: شبه اتفاق على تشكيل quot;تكتل غير طائفيquot;، هذا ما يزعمه المالكي، تلميح بامكانية أن يتحالف الشيوعيون مع حزب الدعوة في الانتخابات القادمة؛ مجالس المحافظات، وربما الانتخابات النيابية .. هذا إن بقي نظام العراق نيابياً، ولم يصبح رئاسياً، المالكي يخطط لخارطة سياسية جديدة توفره، وكتلته دولة القانون، لصدارة المحظوظين باعتلاء السلطة، المالكي، أيضاً، يبحث عن شركاء جدد، بعد تجارب فاشلة ومريرة مع الكتلة العراقية، والصدريين، واطراف من التحالف الكردستاني. ولا بأس بأن يكون الشيوعي شريكاً جديداًquot;.

وتابع : اليوم دعا المالكي الى ما كان يريده الحزب منذ فترة ليست بالقصيرة، ولا أجد سوى هذا المشترك بينهما، وأظنه وقتياً ولا يصلح لتحالف انتخابي، لكن ما الضمانات التي يقدمها الحزب الشيوعي لأن تكون الشراكة مع المالكي محمية ومحصنة من المحاصصة، ولوبي الفساد الذي تفشى في الجهاز الحكومي طيلة هذه السنوات؟ وما الضمانات التي يقدمها المالكي بأن شراكته مع الشيوعيين تكفي للحديث عن تكتل غير طائفي؟.

اما الكاتب أحمد عبد الحسين فقال : جميعنا نعرف أن حزبنا الشيوعيّ هو خزانة أحلامنا بالديمقراطية والغد الأفضل والعدالة والحرية، حتى لمن كان مثلي، لم ينتمِ يوماً لحزب، ولم يحضر اجتماعاً أو يدفع اشتراكاً، ولم يعصب رأسه بعصابة حمراء، وبين المثقف العراقيّ والحزب الشيوعيّ رابطة لا سبيل إلى فصمها، مهما بدتْ غير مرئية، لأسباب تأريخية حيناً ووجدانية أحياناً، فليس من مثقف يستحق اسمه إلا ويحمل هاجساً مؤداه أن هذا الحزب أقرب إليه من اي تنظيم سياسيّ آخر، هناك استثناءات؟ بالتأكيد لكنّي أزعم أن هذه هي القاعدة وقد استقيتها مما رأيت وسمعت وخبرت طوال ثلاثين سنة من اندغامي في الوسط الثقافي العراقي.

واضاف : من المؤسف أن يتحوّل شيوعيون فجأة إلى تبني عقيدة تقول بصمدية الحزب، وعلوّ قيادته عن كلّ نقد، مؤسف أكثر أن تتساوى عقليات شباب الحزب مع أفراد أحزاب قامتْ أساساً على التقديس كغريزة داعية إلى العنف ضدّ كل مختلف،أيها الرفاق .. نحن في زمن الاحتفال الكونيّ بالحرية، زمن فيسبوك وتويتر والإشهار الكوكبيّ العميم، وان حنوّكم على أصنام صغيرة أو كبيرة لن ينجي هذه الأصنام من النقد، وتقديسكم المبالغ للفكرة كما للشخص يجعلكم في خندق واحد مع أحزاب طالما انتقدتموها، اتركوا للشباب حرية أن يدلونا وإياكم على الباب الذي يمكن أن ندخل منه إلى العصر الحاضر والمستقبل، إلى الزمن الذي ليست فيه أصنام ولا سدنة.