بغداد: في الوقت الذي خرج فيه مواطنون عراقيون في كربلاء هذا الاسبوع مطالبين بإلغاء مجالس المحافظات، التي اصبحت عبئًا إداريًا وماليًا على الدولة، فإن مواطنين في محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد) ومناطق أخرى، اعربوا عن تأييدهم لإلغاء هذه المجالس ودعوا في الوقت نفسه إلى الكشف عن ثروات السياسيين العراقيين التي تعد سابقة خطيرة في ضخامة حجمها طيلة تاريخ العراق الحديث.

وقال المواطن ليث محمد (مدرّس) إنه حتى في ظل نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين لم يتمتع (الرفاق) الحزبيون وحاشية النظام بهذا القدر المفرط من الرواتب الضخمة في وقت يتضور فيه المواطن العراقي جوعًا.

صلاحياتها مبهمة

ويقول كريم حسين (معلم) أحد المشاركين في تظاهرة كربلاء إن مجالس المحافظات اليوم تتحمل مسؤولية تلكؤ الكثير من مشاريع الأعمار، لا سيما وأن صلاحياتها ظلت مبهمة طوال هذه الفترة. ويتابع: quot;اذا تلكأت المشاريع فإن اعضاء مجلس المحافظات يرجعون السبب الى الحكومة الاتحادية التي تختلف مع المجالس حول الصلاحياتquot;.

وبحسب حسين، فإن خلاصة القول إن هناك بطانة منتفعة بشكل كبير ما بين رواتب (دسمة)، وفساد وإفساد في المشاريع. ويتابع: quot;المراقب لأوضاع المحافظات يجد أن هناك اليوم طبقة سياسية متحكمة تبني القصور والفلل وتقيم المشاريع، وهو ما لم يحدث طيلة تاريخ العراقquot;.

فوارق شاسعة في المستوى المعيشي

وينتقد أغلب العراقيين الفارق في المستوى المعيشي بين شرائح المجتمع، لاسيما الطبقة السياسية التي تحولت إلى طبقة برجوازية، تتمتع بالامتيازات والرواتب الضخمة. وبحسب احصائيات يبلغ الراتب الرسمي لكل نائب 5 ملايين دينار عراقي، فضلاً عن المخصصات البالغة نحو سبعة ملايين دينار ( الدولار يساوي 1200 دينار عراقي).

ويقول حيدر الموسوي إن في كل محافظة عراقية مسؤولين فاسدين، لا يردعهم رادع ولا يخيفهم أي قانون بسبب ارتباطهم بشبكة متسلسلة تصل الى قمم العليا. ويشير الى أن اكبر دليل على الفساد المستشري هو تضاعف ثروات شخصيات سياسية اثناء مزاولتهم العمل السياسي، وينطبق الامر نفسه على اعضاء الحكومات المحلية.

وكانت النائبة في العراقية الحرة كريمة الجواري صرحت لوسائل الاعلام بأن امتلاك سياسيين عراقيين للمليارات خرق قانوني وخيانة عظمى للبلد داعية إلى ابتعاد السياسيين عن العمل التجاري وترجيح كفة الوطن على المصلحة الشخصية.

ويشير الباحث الاقتصادي جعفر حسن الى أن الميزانية العراقية ستعاني في المستقبل من ترهل في النفقات المدفوعة للمسؤولين المحليين الذين يزدادون كل سنة عدداً و (تخمة) لأن امتيازاتهم لا تنتهي بتقاعدهم أو استقالتهم، وهم اليوم يكلفون الدولة امتيازات مالية ضخمة من دون أن يكون لهم أي دور.

موازنة ضخمة لسكن المسؤولين

وبحسب تصريحات مسؤولين في البرلمان، فإن الدورتين النيابيتين المقبلتين ستشهدان تخصيص ميزانية كبيرة لسكن المسؤولين، الامر الذي من شأنه أن يؤثر في الميزانية الاتحادية. ويبلغ راتب عضو المجلس المحلي بين ثلاثة الى أربعة ملايين دينار، اما راتب المتقاعد من الاعضاء فيبلغ نحو مليوني دينار شهريًا.

ويطالب حسن بإلغاء الامتيازات التقاعدية الكبيرة للأعضاء، وإرجاعهم الى وظائفهم الاصلية بدلاً من أن يكونوا عاطلين عن العمل بامتيازات لا يحصل عليها العاملون والموظفون في دوائر الدولة المختلفة. ويعد العراق البلد الوحيد في العالم الذي يتقاضى فيه السياسيون والمسؤولون المحليون رواتب طوال العمر حتى بعد استقالتهم او تقاعدهم.

ويقول محمد حسن (عضو مجلس بلدي سابق) في بابل إنه يتقاضى نحو ما يزيد على مليوني دينار عراقي كتقاعد، بعدما خدم في المجلس البلدي لمدة ستة اشهر فقط. وعلى منوال حسن يتقاضى المئات من اعضاء المجالس المحلية السابقين رواتب ضخمة على الرغم منأن خدمتهم لا تتجاوز عدة اشهر في احسن الاحوال.

إجمالي الثروة المالية للساسة العراقيين

ويروي سعد حمزة من مدينة الكاظمية في بغداد أن عضو أحد الاحزاب كان يقيم في الخارج، لكنه فاز بعضوية البرلمان في الدورة السابقة ولم يمكث في داخل العراق سوى بضعة اشهر، حتى استقال من عضوية البرلمان وطفق راجعًا الى منفاه لكنه يتمتع اليوم براتب محترم وامتيازات أخرى.

وكانت مصادر في السفارة الأميركية في بغداد اكدت الاسبوع الماضي عبر تصريحات نشرتها وسائل الاعلام أن إجمالي الثروة المالية للساسة العراقيين تبلغ حوالي 700 مليار دولار.ويقترح الخبير القانوني حسن هادي تخفيض رواتب اصحاب الدرجات الوظيفية العليا بغية تحسين الاقتصاد اولا، وتحقيق العدالة في توزيع الثروة بين الموظفين في ما بينهم وبين المواطن العاطل عن العمل من جهة اخرى.

ويحذر هادي من أن اتساع الفوارق الطبقية بين المواطن والمسؤول، وكذلك الفرق الكبير بين رواتب الموظفين ومسؤولي الدولة، ادى الى زيادة الفوارق المعيشية بين طبقات المجتمع، ينذر بتداعيات سياسية واجتماعية خطيرة.