عراقيون في محل لبيع الورود

بدأت تنتشر في صفوف العراقيين ظاهرة تبادل الأزهار وإهدائها في المناسبات الاجتماعية، بعدما خيّمت على العراق سنوات طويلة من الحروب، انتشرت فيها رائحة البارود، لكن لا يزال اقتناء الورود وتقديمها كهدية في المناسبات مقتصرًا على فئة قليلة.


تلقى الزهور، لا سيما في بغداد، إقبالاً كبيرًا، بعدما بدأ الناس يحرصون على اقتنائها، والتعامل من خلالها كهدية أو مقياس صداقة وتعبير عن ودّ ومحبة.

وحين شرع محمد الأمين في تجارة الزهور في الكرادة في بغداد منذ نحو عامين، كانت الشكوك تراوده في النجاح. أما اليوم، وبعد مضي نحو سنتين على عمله، بات هو والعاملون معه يتسابقون على تلبية الطلبات المتزايدة. ويقول: تطور الأمر بصورة إيجابية فعلاً، حتى إننا بدأنا نعتمد على مشاتل عراقية تزرع الزهور، بعدما كانت تُستورد بصورة كلية من تركيا والأردن وسورياquot;.

تشاطر المعلمة ميسون السامرائي، الأمين الرأي في إقبال العراقيين على الزهور. وتصف السامرائي كيف أنها قذفت الزهور البلاستكية في سلة المهملات، لتحلّ محلها زهور طبيعية، مثل الجوري والآس والرازقي وعيون البزون.

قبل ظروف الحرب والحصار الاقتصادي، التي خيّمت على العراق منذ نهاية السبعينيات، كان المواطن العراقي يحرص على اقتناء الزهور، وزراعتها. وكانت حدائق البيوت العراقية تمتاز بكثرتها وغناها بأنواع الزهور المعروفة برائحتها العطرة.

لكن الأزمات الكبيرة، التي مر بها العراق، تسببت في انحسار هذه الممارسة الجميلة، وتحول الكثير من أرصفة المدن وحدائق المنازل إلى مساحات قاحلة من التراب والأسمنت.

الزهور البلاستيكية
وفي الوقت، الذي كانت فيهغالبية مدارس العراق تمتاز بحدائقها الغنية وزهورها اليانعة، خلت هذه المؤسسات التعليمية من المساحات الخضراء.

ومنذ نحو السنتين، بدأ يشعر المواطن العراقي بالزهور من حوله، فقد بدأت بعض البلديات بزراعة الزهور والنباتات ونشر المساحات الخضراء على الطرقات في المدن.

يقول سعيد حسن، الذي يبيع الزهور في كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد) إن الزهور البلاستيكية ما زالت سائدة، لكنها تنحسر مع مرور الأيام، لتحلّ محلها الزهور الطبيعية.

يشير حسن إلى أن بعض العراقيين بدأوا يهدون الزهور إلى المرضى الراقدين في المستشفيات أو عند الزيارات لبعضهم البعض، وهي عادة لم تكن متأصلة كثيرًا في المجتمع.

زهور في المقابر
يحدث الأمر في مقبرة السلام في النجف (160 كم جنوب بغداد) أيضًا، فقد بدأت ثقافة الزهور تدخل إلى المقبرة الأقدم والأوسع في العالم.

فقد اشترى أبو عصام باقات من الزهور، ليضعها على قبر ابنه المتوفي منذ أربع سنوات. ويقول أبو عصام: كان ولدي يحب الورود، وفي الفترة السابقة لم أكن أستطيع أن أضع الزهور على قبره، بسبب صعوبة الحصول عليها. أما اليوم فإن الأمر أمسى في غاية السهولة.

ونشرت وسائل إعلام عراقية أيضًا عن ازدهار بيع وزراعة الزهور في الرمادي إلى جانب التحف. ويلمح المرء أكثر من محل لبيع الزهور والتحف في المحافظة.

وبدا أن ثقافة جديدة تطل بوجهها على العراقيين، فقد انتشرت قاعة الاستقبال بالزهور لمناسبة زواج كامل الدراجي، حيث وجد أصدقاؤه في الزهور الطبيعية ذات الروائح الزكية فرصة للتعبير عن فرحهم بزواج صديقهم.

وعبر سنوات، كانت المؤسسات الحكومية ودوائر القطاع الخص تعاني الافتقار إلى الكائنات الخضراء والزهور، وغالبًا ما عوّضت الزهور البلاستكية والتحف المصنوعة بتقنيات بدائيةغياب الغطاء الأخضر الطبيعي.

في شارع السعدون في بغداد، عند مدخل الكرادة، يطل على المشهد عدد من محال الزهور، التي تضفي البهجة على المساحات القاحلة.

يقول سعد حسن إن بعض المتاجر موجودة منذ بداية تسعينات القرن الماضي. ويتابع: انحسرت الزهور عن المنظر العراقي اليومي طيلة عقود، واقتصر اقتناؤها على المؤسسات الحكومية القريبة من مراكز القرار والأغنياء، والسفارات الأجنبية. ويضيف: يشعر المرء اليوم بأن اقتناء الزهور يجد صدى جديدًا له.

لكن حسن لا يزال يبيع الزهور الاصطناعية أيضًا، بسبب الإقبال عليها، ويقول إن هناك من الناس من لا يفرّق بين (الطبيعي والاصطناعي). ويتابع: أشد ما يؤلمني هو حين يفضّل بعض الناس الزهور الاصطناعية على الطبيعية.

الخطوة الإيجابية في مجال تجارة الزهور، - بحسب حسن ndash; هي ازدهار المشاتل العراقية، التي توفر أنواعًا جيدة من الزهور، بعدما كان الموجود في السوق يقتصر على المستورد من الدول المجاورة.

وكانت أمانة بغداد نظمت في 2011 مهرجانًا دوليًا للزهور بمشاركة 12 دولة عربية وأجنبية، إضافة إلى المحافظات العراقية وبلديات بغداد. كما احتضن قضاء الزبير في محافظة البصرة (545 كم جنوب بغداد)، في عام 2011 المهرجان السنوي الثالث للزهور، الذي أشرفت على إقامته مديرية بلديات المحافظة، واستمر سبعة أيام.

محبو الزهور أقلية
يشير محمد طارق، الذي ينسّق الزهور في محل الزهرة في مدينة المنصور في بغداد، إلى أن محبّي الزهور يزدادون في العراق، لكنهم ما زالوا أقلية. ويتابع: نبيع الزهور في المناسبات الاجتماعية للأفراد، وفي المناسبات الوطنية للمؤسسات الحكومية.

افتتح المهندس سعد جاسم مشتلاً للزهور في جنوب بغداد، حيث يوفر الزهور للعديد من المتاجر. وبحسب جاسم، فإن زراعة الزهور عملية معقدة، تحتاج رعاية مستمرة في ظل أوضاع مضطربة نسبيًا.

ويرى جاسم أن هذه التجارة تتأثر بالأحداث السياسية والأمنية أكثر من غيرها، ولهذا يتوجب الحذر في التوسع بها. ويوضح جاسم أن المشاتل تعتمد على الأوضاع الاجتماعية، وحركة النقل وانسيابية إيصال الأزهار إلى المستهلك في الوقت المناسب، ذلك أن أي تهاون في هذه الخطوات يسبب خسارة كبيرة.

بحسب جاسم، فإن عدد متاجر الزهور في بغداد كلها يناهز الخمسين متجرًا. أما في باقي المدن العراق فإن المعدل يتراوح بين خمسة إلى عشرة محال في مراكز المدن. وتباع الزهور في العراق بأسعار تتراوح بين ثلاثين إلى خمسين ألف دينار للباقة الواحدة من الزهور الجيدة والأنواع المميزة.

ويعتقد طارق أن اقتناء الزهور، في ثقافة المواطن العراقي، ما زال يعد ترفًا، وسيمر وقت طويل، قبل أن يصبح ضرورة يومية.