في الوقت الذي يتعاظم فيه دور المرأة في المجتمع العراقي، تبدو حوادث العنف ضدها في ازدياد، حتى بين المتعلّمات. ورغم أن العراق لا يتوافر على إحصائيات دقيقة، إذ تمتنع المعنّفة عن تقديم بلاغات في مراكز الشرطة حولتعرّضها للاعتداء، إلا أن الكثير من الظواهر والشواهد الميدانية تشير إلى انتشار الظاهرة.

لا إحصاءات دقيقة في العراق حول مدى العنف الذي تتعرّض له النساء

بغداد: ظلت ربة البيت أمينة حسن (30 سنة) تتعرّض للعنف على يد زوجها لمدة خمس سنوات، ولم تتقدم بأي بلاغ ضده في مراكز الشرطة، واكتفت أمينة، الأم لابنتين، بالشكوى لأهلها من تصرفات زوجها القاسية بحقها، حيث تتعرّض إلى الاعتداء الجسدي واللفظي في غالب الأحيان.

في ظل سيادة تقاليد اجتماعية محافظة، وقيم عشائرية، يصبح اللجوء إلى السلطات الرسمية، لحلّ إشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة، محدودًا جدًا قياسًا إلى الحالات الكثيرة، التي تحصل على أرض الواقع.

وبحسب أمينة،فإن عدم إنجابها أطفالاً ذكورًا هو أحد الأسباب، التي تدفع بزوجها إلى ضربها، فهو يعاملها بقسوة، بسبب تغير مزاجه وسلوكياته منذ ولادة آخر بنت لهم.

غياب مراكز البحوث

حسب الباحثة الاجتماعية والناشطة في شؤون المرأة في كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد) فاطمة الحسيني، فعلى الرغم من أن موضوع العنف ضد المرأة من اختصاص الباحثين الاجتماعيين، إلا أن الباحث الاجتماعي يجد نفسهبلا دور يؤهله لحلّ تلك المشاكل، بسبب قلة أو انعدام مراكز البحوث والمساعدة الاجتماعية في غالبية مدن العراق، إضافة إلى أن الناس، وبسبب الثقافة السائدة، لا يجدون في تدخل الباحث الاجتماعي فائدة، لأنهم يحرصون على عدم سرد التفاصيل حتى إلى أقرب الناس إليهم في بعض الأحيان.

تتابع الحسيني: العنف ضد المرأة ظاهرة تخلِّف آثاراً نفسية واجتماعية سلبية على الأسرة، وباتت شائعة إلى حد كبيرquot;.

وترى الحسيني أن معايشتها لظواهر العنف ضد المرأة العراقيةتوضح أن عدم المساواة الجنسانية، في مجتمعات يقلّ فيها التعليم، مثل القرى والأرياف، يعزز فرص تنامي العنف.

العنف الجسدي

ترويالمعلمة لمياء حسن (35 سنة) تجربتها مع العنف الجسدي على يد شقيقها، حيث كان يضربها لأبسط الأسباب، وتقول لمياء إنها لم تتخلص من العنف الجسدي إلا بعد زواجها.

تسمّي لمياء بعض الظروف، التي تدعو أخاها إلى ضربها، مثل تأخرها في العودة إلى البيت، أو عدم غسلها لملابسه، وتفاصيل أخرى، لم تكن في يوم من الأيام ذات أهمية في الحياة اليومية، تستحق أن تضرب لأجلها.

تبلغ أقصى حالات العنف من ناحية الكمّ والنوع فيالريف، حيث النفوذ الذكوري على كل تفاصيل الحياة اليومية.

يقول الطبيب النفسي عماد حسين إن الكثير من الحالات المرضية ترتبط بأعراض مرضية، يعانيها المعنفون طوال حياتهم، فقد تعرّضت إحدى مريضاته (ل .كاظم) إلى مرض الكآبة والخوف من الآخرين وعدم الثقة بالنفس، بعدما ضربها زوجها بقبضته القوية علىرأسها.

وبحسب حسين، فإن أمراضًا، مثل الصداع والسكري، يمكن أن تكون نتاجًا للعنف، ويتابع: quot;غالبية حوادث العنف هي من طرف شريك الحياة، أي بين الزوج والزوجة، وهناك حالات نادرة يتعرّض فيها الرجل إلى العنف من قبل زوجته أيضًاquot;.

المرأة الريفية

لكن الشيخ وفيق الجبوري من الديوانية (193 كلم جنوب بغداد) يرى أن هناك مبالغة في وصف التعنيف،الذي تتعرّض له المرأة الريفية، ويرى أن المرأة فيالمجتمع الريفي هي عماد الأسرة، وتحظى بالرعاية والاهتمام أكثر من المرأة في المدن.

لكن الجبوري يعترف بأن quot;السلوك الأخلاقيquot; للمرأة يمثل رمزًا للشرف، يتوجب عدم المساس به، وإذا حدث ذلك، فإن المرأة تعنف بكل تأكيد.

عودة إلىالباحثة الحسيني، فهي ترى أن هناك من يسعى إلى تدعيم وجهات النظر السلبية الاجتماعية بالتفسيرات المقيدة للشريعة بغية (شرعنة) العنف ضد المرأة.

وتوضح أن العنف يبلغ أقصى حالاته حين يتعلق الأمر بـquot;الجرائم الأخلاقيةquot;. وتمنع المادة 29 في الفقرة الرابعة من الدستور العراقي كل أشكال العنف ضد المرأة مهما كانت الأسباب.

وتقول سمية أمين (40 سنة)، التي تعرّضت إلى كسر في يدها على يد زوجها، إنها لم تقصد مركز الشرطة وقت الحادث، لأن ذلك يعدّ عيبًا من الناحية الاجتماعية، وتمت معالجة الأمر اجتماعيًا بعد تدخل أهل الزوج.

وتعتقد سمية أنغالبية ممارسات العنف بحق النساء في العراق تكون بعيدة عن وسائل الإعلام، بل إنهابعيدة حتى عن أقرب الناس إلى صاحبة العلاقة، وتتابع: quot;النساء المعنفات يعانين بصمت، وليس هناك دور لجمعيات نسائية أو مراكز اجتماعيةquot;.

إحصائيات قليلة

بينما تتوافر إحصائيات قليلة عن مستوى العنف بحق المرأة في وسط العراق وجنوبه، فإن وزارة الداخلية في إقليم كردستان توافرت على إحصائية نشرت في الأسبوع الماضي، تفيد بتسجيل نحو أربعة آلاف حالة تعنيف ضد المرأة بين القتل العمد والانتحار والحرق والضرب والتحرش الجنسي خلال العام 2011.

وبحسب الإحصائية، فإن محافظة السليمانية (330 كم شمال بغداد) سجلت أعلى نسبة من حالات العنف، والتي بلغت 1673 حالة، منها 9 حالات قتل عمد و56 حالة انتحار، والعدد الباقي توزّع بين الانتحار والحرق والضرب والتحرش الجنسي، بينما سجلت محافظة أربيل نحو 1322 حالة تعنيف، تضمنت حالاتقتل عمد وانتحار.

ألف حالة عنف في البصرة

شخصت في عام 2010 إحدى منظمات المجتمع المدني في البصرة (545 كم جنوب بغداد)، نحو ألفحالة عنف ضد النساء، وفي بادرة نادرة الحدوث في العراق، أسست المنظمة أول شبكة لرصد حالات العنف ضد المرأة.

يشير الملازم أحمد حسن في الشرطة إلى أن حالات قليلة تسجلها مراكز الشرطة حول المعنفات من النساء، بسبب التكتم والتستر على الفاعل.

ورغم أن المستشفيات تشترط تقريرًا من الشرطة حول الحالات التي تتطلب الدخول إليها، فإن غالبية المعنفات يصطنعن أسبابًا أخرى، غير الضرب والاعتداء، من قبل الرجل.

ويشير الطبيب في مستشفى بابل (100 كم جنوب بغداد) علي صالح إلى امرأة تعرّضت إلى ضرب مبرح على يد زوجها، بحسب ما أسرّت به إلى إحدى الممرضات، لكن تقرير الشرطة يشير إلى تعرّضها إلى حادث.

وتضطر بعض الناس، وفي حالات نادرة جدًا، اللجوء إلى مراكز الشرطة للتخلص من العنف داخل المنزل، لكن الأمر يحلّ في غالب الأحيان عن طريق الأهل والأقارب وتغلق القضية، بحسب الملازم حسن.

التكتم على العنف

تشير الناشطة النسوية أميمة حسن إلى أن أبلغ تعبير عن التكتم على العنف ضد النساء، أنك لا تكاد تجد صورة واحدة لامرأة معنفة في العراق، على رغم مئات الحالات التي تحدث يوميًا.

ورغم أن المجتمع العراقي مجتمع محافظ، ويحرص على القيم الدينية، التي تمنع تعنيف المرأة، بحسب رجل الدين حسين الياسري، فإن ذلك لا يمنع من العنف والقسوة بحق النساء.

ويقول الياسري إن الإسلام يحرص على كرامة المرأة، وقد شددت السنة النبوية على حماية الزوجة وحسن معاملتها. ويتابع: ما يحدث هو نتاج بيئة عشائرية واجتماعية متناقضة، وليس نتاج قيم دينية.

وبحسب أميمة، فإن النساء في العراق ينتظرن مبادرة طرحت على البرلمان العراقي في الشهر الماضي، بغية تأسيسملاجئ لإيواء النساء المعنفات، رغم ما يراه البعض من أن ذلك سوف يكون مصيره الفشل، بسبب عادات وتقاليد وقيم دينية، لا تتبنى فكرة فتح مثل هذه الملاجئ.