تراجعت الرياضة النسوية في العراق بعد سلسلة من الإنجازات بعد نظرة المجتمع المحافظة والتشدد الفكري حيث لا يزال ينظر البعض إلى المرأة الرياضية في العراق نظرة شك وابتذال في اغلب الأحيان علاوة على غياب الدعم اللازم وافتقاد البرامج طويلة المدى.

لاعبات عراقيات في إحدى المسابقات الرياضيّة الدوليّة

لا تطمح سعاد حسين وهي تمارس رياضة كرة القدم في ساحة كلية الرياضة في الديوانية (193 كم جنوبي بغداد) إلىتحقيق نتائج كبيرة ، قدر الاستمرار في هذه الرياضة التي عشقتها ، ذلك ان سعاد تدرك جيدا أن تخرّجهافي الجامعة يعني نهاية المطاف مع اللعبة التي أحبّتها بسبب عدم توفر القاعات والساحات المناسبة لممارسة كرة القدم من قبل النساء العراقيات، إضافة الى تقاليد المجتمع المحافظ التي تعرقل ممارسة المرأة الرياضة بشكل منتظم وعلني.

وتقول سعادانها منذ دخولها الجامعة ، سعت الى بذل الجهود عبر الحوارات والكتابة في المنشورات المحلية عن تعزيز الاهتمام بالرياضة النسوية التي ظلت تراوح مكانها في العراق ، رغم أن الرياضيات العراقيات من الرائدات في المنطقة .

الماضي الرياضي أفضل

وكانت الرياضة النسوية العراقية متفوقة على مثيلاتها في دول الجوار . وقام الاتحاد العراقي المركزي لكرة السلة بتنظيم أول بطولة نسوية عام 1968. لكن المقارنة تظهر أن عدد الرياضيات العراقيات قبل عام 2000 هو أكثر من العدد الحالي، ودليل ذلك ان حجم المشاركات الدولية كان افضل نوعا وكمًّا .

ورغم محدودية انتشار الرياضة النسوية في العراق عبر تاريخه الحديث الا انها شهدت انتكاسة كبيرة بعد عام 2003 بسبب ظهور تيارات محافظة متشددة من مختلف المذاهب تحرم على المرأة ممارسة الرياضة في النوادي الرياضية لاسيما المختلطة .

رياضيّات يتعرضن للتهديد

وتروي الطالبة لمياء الدليمي من ابو غريب (غرب العاصمة بغداد) كيف أنها تعرضت للتهديد في عام 2006 اذا استمرت في ممارسة الرياضة بشكل علني مع عدد من الطالبات .

وتتابع : رغم اني مدرّسة الا ان هناك من يتدخل في عملي حيث طلب مني أشخاص متشددون التوقف عن مهامي وإبداء الاحتشام في اللباس والحركة .

وترى الدليمي ان النسق المجتمعي والاعتقادات الشخصية لا تسمح بتطوير الرياضة النسوية في العراق إلا في نطاق محدود.

وترى ان التشدد الفكري المحافظ يشترط على المرأةالاحتشام الكامل الذي يعيق حركة المرأة الرياضية ، بل إن البعض يحرم على المرأة، الرياضة الاحترافية حتى مع الاحتشام .

وتؤكد الدليمي ان البعض ما زال ينظر الى المرأة الرياضية في العراق نظرة شك وابتذال في اغلب الأحيان .

وتتابع: ما يحدث هو العكس الان ، والأكاديميات العراقيات في الرياضة ، سرعان ما يضطررن الى ترك رسالتهن الكبيرة بسبب العادات والتقاليد التي تقيّد حرية المرأة الرياضية في العراق الى حد كبير .

التأثيرات المجتمعية

وتؤكد رابحة مأمون الماجستير في التربية الرياضية ، أن رسالتها للماجستير تبحث التأثيرات المجتمعية القبلية أو الريفية ، وكلما كبرت تلك التأثيرات انحسر دور الرياضة في حياة المرأة في تلك المناطق، وبالعكس فإن المناطق التي يسودها التمدن ، تميل فيها المرأة أكثر الى ممارسة الرياضة لكن بحذر .

وترى مدرّسة الرياضة اميمة البغدادي أنتطوّر الرياضة النسوية على الصعيد المحلي تسير ببطء ، وأن الانجازات التي تتحقق هي دون المستوى المطلوب .

رأي الأكاديميين

لكن الدكتور في التربية الرياضية سلام جبار من بابل يرى ان العراق تنقصه الكوادر البشريةالكفوءة في الرياضة النسوية ، كما انه يفتقد الى البرامج الطويلة المدى .

ويشير سلام الى غياب دعم مؤسسات القطاع الخاص المختلفة للرياضة في العراق بشكل عام ، كما يلفت الانتباه الىأن اغلب دول الخليج العربي ودول اوروبا ، تعتمد في تطوير قطاع الرياضة على توفر المتبرعين الداعمين الذين استطاعوا توظيف الرياضة لتنمية مؤسساتهم عبر الاعلان والاستثمار ومقابل ذلك فإن القطاع الرياضي استفاد من ذلك كثيرا من رؤوس الأموال المتدفقة عليه من تلك المؤسسات ما أسهم في تطوير الكفاءات والملاعب والقاعات .

وكخطوة أولى نحو تشجيع الرياضية النسوية في العراق ودراستها أكاديميا ، فإن وزارة التعليم العالي العراقية أسّست كليات الرياضة النسوية حيث يتم تعيين الخريجات من دون شرط الانسيابية في اغلب الأحيان لتغطية النقص الكبير في إعداد مدرسات التربية الرياضية في مدارس العراق .

وتأمل رسل الخفاجي بعد تخرجها هذا العام ان يتم تعيينها مباشرة لغرض المساهمة في رفد المدارس العراقية بحصص اكاديمية في الرياضة تخلق جيلا صحيا يعتمد عليه في المستقبل .

لكن رسل تنظرإلى الكثير من المعوقات التي تنتظرها منها عدم جدية المدارس والطلاب على حد سواء في الاهتمام بدروس التربية البدنية حيث ما زالت تعد درسا ثانويا في اغلب مدارس العراق .

وترى رسل ان نقص القاعات الرياضية في المدارس يشكل تحديا كبيرا إضافة إلى امتناع الكثير من الطالبات عن ممارسة الرياضة بصورة جدية بسبب العادات والتقاليد.

فكرة غير مقبولة

من جانبها ترى الطالبة هيفاء المتوكل التي حققت نتائج جيدة في ألعاب القوى في الدورة المدرسية المحلية العام الماضي انه يندر ان تجد فتاة عراقية تمارس الرياضة خارج أوقات المدرسة ، بسبب عدم توفر القاعات إضافة إلى الظروف الاجتماعية التي تحول دون قبول فكرة ذهاب البنت لممارسة الرياضة في مركز شبابي او تدريبي .

ويقول التاجر كريم صبيح ان الاستثمار في الرياضة يعتمد على فرص النجاح المتوقعة ، وان العراق في بداية المشوار في هذا الجانب . ويرى ان الظروف الاجتماعية والاقتصادية يجب ان تدرس بعناية لغرض تنسيق العمل سعيا للوصول الى عملية تكاملية .

ويتابع صبيح: العملية تحتاج الى ابعد من ذلك عبر اقامة مشاريع مشتركة بين قطاعي الرياضة وقطاعات الصناعة والتجارة تتمخض عن مشاريع كبرى في تشييد الملاعب والقاعات والجامعات الرياضية كما يحصل في اغلب الدول الغربية .

وتفتقر مدن العراق الى أندية خاصة بممارسة الرياضة النسوية ، بل وتفتقر الى النوادي الاجتماعية التي يمكن من خلالها تنظيم فعاليات رياضية نسوية.

ويرى الباحث في المجتمع البغدادي كريم الجلبي ان العراق شهد منذ الستينات، رياضة نسوية ، في وقت كانت فيه المرأة في الدول المجاورة حبيسة غرف النوم .

ويضيف : شهدت بغداد منذ ذلك الوقت فعاليات نسوية في ممارسة لعبتي كرة السلة والطائرة ، عبر نوادٍ اجتماعية سمحت بالاختلاط مثل النادي الاثوري والأرمني.

وتتذكر هيفاء المتوكل وهي مدرّسة رياضة متقاعدة انها كانت عضوا في نادي الفتاة الرياضي الذي تأسس عام1967، والذي كان علامة فارقة في الحياة البغدادية .

ونجح بعض المؤسسات التجارية في إشهار نفسه عبر دعم المنتخبات المحلية والاولمبية ، في خطوة باتجاه تبادل المنفعة المشتركة بين القطاعين الخاص والرياضي ، وتظهر اليوم بوادر دعم من قبل بعض الشركات للمنتخبات المحلية ، لكنها لا تتجاوز الى الان عمليات الإعلان والمشاركة الرمزية في بعض الفعاليات .

عادات وتقاليد معرقلة

من جهتها، تجد المدرّبة والمدرّسة الرياضية مائدة عبد الحسين والتي قضت نحو خمس سنوات كمدربة ومدرسة في قطر والامارات ان العادات والتقاليد ، اضافةالى انعدام الخصوصية ، والافتقار الى الأدوات الفنية يحول دون ممارسة الفتاة رياضتها المحببة .

وتتابع مائدة .. لمست quot; النظرة المحافظة quot; أيضا في دول الخليج العربي ، لكن الفرق هناك هو توفر الاماكن الخاصة بممارسة المرأة للرياضة . وتشير إلى افتقار المدارس الى دروس جدية للتربية الرياضية .
وتعد الجامعات النافذة الرئيسة لمزاولة الرياضة النسوية ، لكنها مازالت متنفسا ضيّقا للمرأة في هذا المجال .

وتتابع : ما زالت الرياضة في بلادنا غير محببة ، وان مورست من قبل الفتاة فسيكون عبر الأبواب المغلقة . وتقول : النوادي مازالت موصدة في وجوه الفتيات العراقيات بسبب العادات والتقاليد في غالب الاحيان .

انجازات الماضي

وحفلت فترة منتصف السبعينات بمشاركة المنتخب المدرسي النسوي العراقي في الدورة العربية في الإسكندرية في مصر،كما شهدت الدورة الرياضة العربية في المغرب عام 1985 مشاركة السبّاحة زينة ضياء (11 سنة) في سباق السباحة .

وفي فترة الثمانينات تُوجت دلال كاظم بوسام ذهبي في بطولة العالم في الطيران الدقيق في لندن .

وترى عميدة كلية التربية الرياضية للبنات منى البدري والتي لها تراجم عديدة في الرياضة النسوية ، ان المرأة الرياضية بحاجة ماسة الى نظرة شاملة وواسعة من قبل المعنيين .