هدر المال العام في العراق يثير سخط الشعب |
تشكل حالة الترف والرفاهية التي يتمتع بها المسؤولون في العراق، نوعا من السخط والغضب لدى الشعب، خاصة أن هناك قسما كبيرا يعاني الفقر وسوء المعيشة في حين يتم تبذير الأموال على سفرات القادة وحياتهم المرفهة ورواتبهم المرتفعة.
بغداد: ينتقد الكثير من العراقيين كثرة سفر المسؤولين الى خارج العراق، ويتساءلون عن الاسباب الحقيقية التي تدفع القادة السياسيين الى سرعة الاستجابة لنداء الخارج والاجتماع بقادة الدول الأجنبية، بينما تتعثر خطواتهم وتتباطأ حين يجتمعون بأقرانهم لبحث القضايا الخلافية، وحلها داخليا بدلاً من إجراء المباحثات مع دول الجوار، ولاسيما أن قسما من هذه المباحثات تناقش الشأن المحلي أكثر مما تناقش علاقات العراق الخارجية.
وما يثير المواطن في هذه الزيارات المكوكية التي لم تتوقف منذ عام 2003، انها تتمخض في الغالب عن تصريحات تخص الشأن الداخلي ما يضع علامة استفهام حول جدوى الحوارات الداخلية التي بدت متداخلة مع أجندة الرحلات المكوكية الى دول الجوار.
تفاهمات داخلية
ويشير الباحث محمد حسين في جامعة بابل (100 كم جنوب بغداد) الى أن العراق بحاجة الى تفاهمات داخلية لرص الصف والانطلاق عبرها الى الخارج .
ولا يرى حسين في انفراد السياسيين بإجراء مباحثات مع دول الجوار ودول أخرى، سوى دليل على تفكك الجبهة السياسية الداخلية وان بدت في بعض الاحيان متراصة.
ولا يستطيع اي زعيم عراقي ndash; بحسب حسين ndash; أن ينال تقدير واحترام اي دولة للعراق طالما انه ذهب اليها، ممثلا لطائفة او حزب او جماعة معينة، وهذا يتطلب من اولئك القادة حرصا اضافيا على الوصول الى تفاهمات نهائية مع الخصوم السياسيين استنادا الى رصيدهم الشعبي وليس الى دعم الخارج.
وينظر كريم هاتف (مدرس) الى الرحلات المكوكية الكثيرة لنواب وزعماء كتل ومسؤولين حكوميين الى خارج العراق، على أنها هدر لأموال الدولة ولاسيما أن تلك الرحلات لم تسفر عن انجازات كبيرة سياسية واقتصادية تنعكس على الوضع الداخلي الذي هو الاهم بالنسبة الى المواطن العراقي.
وانضم نواب عراقيون ايضا الى الانتقادات التي توجه الى سفرات المسؤولين الكثيرة الى الخارج، بينهم القيادي في التحالف الكردستاني محمود عثمان الذي صرح نهاية عام 2011 بان الأمر يكلف الدولة مبالغ ضخمة، وان بعض نتائج الإيفادات لا تستحق الصرف الكبير في ظل حاجة الشعب لتلك الأموال.
ولفت عثمان الى أن كثرة سفر وإيفاد المسؤولين أصبحت تعد واحدة من مشاكل الدولة العراقية بعد عام 2003 لأن أغلبهم يرغبون في الإيفادات، وتلبية الدعوات من دون الحصول على نتائج تعود بالخير للعراق، مؤكدا أن الايفادات تكلف ميزانية الدولة أكثر من ملياري دولار.
ويعتبر الكثير من العراقيين ممن التقتهم quot;إيلافquot; من مختلف الشرائح، رحلات المسؤولين الى الخارج، ذات نتائج غير مجدية في الغالب تعكس عجزا عن التفاهم مع الخصوم والمتنافسين في الداخل وهروبا من الفشل في ترتيب أوضاع البلاد.
تفاقم الخلافات
الأستاذ في التاريخ القديم عامر عجيج من جامعة بابل، يشير الى ان تكرار مباحثات المسؤولين مع حكومات دول الجوار، غالبا ما يكون مؤشرا إلى تفاقم الخلافات في الداخل، بينما كان من المفترض أن يحصل العكس حيث يتباحث المسؤول العراقي مع زعماء الخارج مستندا الى خلفية من التفاهمات والعمل المشترك تعزز مكانته بين دول الجوار. وكان نواب عراقيون طالبوا المسؤولين بعرض نتائج زيارتهم امام البرلمان ومجلس الوزراء بعد عودتهم مباشرة.
وكشفت وثيقة سرية صادرة عن ديوان رئاسة الجمهورية العراقية، في 19 ايلول 2011 أن الرئيس جلال طالباني طالب وزارة المالية، بصرف مبلغ مليوني دولار لتغطية نفقات سفرته الى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في الدورة الـ66 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.وشهد العراق منذ عام 2003 هروب الكثير من المسؤولين الى الخارج وبحوزتهم مبالغ كبيرة مختلسة، ومن ضمنهم وزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامون وضباط كبار في الجيش العراقي.
عدم الشعور بالمسؤولية
ويرجع عضو المجلس البلدي في كربلاء(108 كم جنوب غربي بغداد) حيدر حسين الهدر في المال العام بسبب زيارات المسؤولين الى الخارج الى تصرف ينم عن عدم الشعور بالمسؤولية. ويشير حيدر الى ان الامر لا يقتصر على المسؤولين والنواب فحسب، بل ان الامر استشرى بين كوادر الجامعات والمعامل والمؤسسات الأخرى والحكومات المحلية.
وبحسب تجربة حيدر، فان الكثير من المسؤولين المحليين يتوسطون لكي يحصلوا على ( ايفاد ) الى خارج العراق ، ولا يتم ذلك في غالب الاحيان الا عبر المعارف والوسطاء .
ويبدي الشارع العراقي تذمرا كبيرا من السفرات والايفادات التي يسمحون بها للمسؤولين، ويدعون الحكومة والبرلمان الى الاقتصاد في النفقات والالتفات الى معاناة المواطن في الداخل.الجدير بالذكر ان رواتب الوزراء والنواب في العراق ضخمة جدا، الى درجة ان العراقيين يبدون تذمرا وسخطا باستمرار من المزايا التي يتمتع بها اولئك .
ويبلغ راتب النائب في البرلمان العراقي حوالى 13 مليون دينار (11 الف دولار)، يضاف اليه 22,5 مليون (حوالى 20 الف دولار) مخصصة لثلاثين حارسا شخصيا لا يعين سوى خمسة منهم عمليا.
جيش من الفقراء
ويدعو الباحث الاجتماعي عصام الجبوري الى الالتفات الى جيش من الفقراء يعيشون في العراق، في حين يعيش المسؤولون في ترف واضح يُشعر بالصدمة. ويقول: لا استبعد ان يثور الفقراء على الوضع الحالي اذا ما استمر الامر على هذا النحو. وتتحدث تقارير عن أن الفقراء في العراق يشكلون أكثـر من ثلاثين في المئة من سكان العراق.
وبحسب الجبوري فإن النائب الذي انتخب من الشعب ومعه المسؤولون الكبار اصبحوا من رموز الظلم الاجتماعي سواء شعروا بذلك ام لم يشعروا، داعيا إياهم الى إعادة النظر في أجندتهم لأنهم يخسرون بسلوكياتهم الشعب. وتتحدث تقارير رقابية اصدرتها النزاهة العراقية عن انتسعيرة الايفادات تشمل منح الوزير مبلغ 600 دولار يوميا، فيما يتقاضى وكيل الوزير مبلغا اقل، وتبلغ حصة المدير العام 400 دولار يوميا.
ويشير سعيد حسن موظف سابق في النزاهة، الى أحد أوجه الفساد التي لمسها، وهي مشروع إيفاد عدد من موظفي المحكمة الجنائية العليا وهيئة النزاهة ومؤسسة الشهداء إلى دول أوروبية لحضور معرض للصور كلفته ثلاثة ملايين دولار. يقول حسن: الفقراء في العراق أولى بهذه الأموال التي تنفق بطريقة توحي بانها في مكانها الصحيح، لكن الأمر مختلف خلف الكواليس، و مهما برر المسؤولون الحاجة اليه، فهو يعد وجها من اوجه الفساد.
حمايات المسؤولين
ويؤكد كريم السعيدي الذي عمل مع حمايات احد المسؤولين الكبار انه سافر في سنة واحدة اربع مرات حصّل فيها من المبالغ ما مجموعه خمس وعشرون الف دولار في سنة واحدة. ويتابع: يصطحب المسؤولون أفراد حاشيتهم والمقربين منهم، وتصرف لهم مخصصات مالية يومية. وتقول تقارير إن العراق يصرف نحو مليار دولار سنويا، على إيفادات المسؤولين والموظفي الكبار، وكل ذلك يتم عبر صفقات تلعب فيها الواسطة والعلاقات الشخصية دورا مهما.
التعليقات