أصبحت كلمة (التأهب الأمني) تعني بالنسبة إلى الكثير من العراقيين، الاستعداد للفوضى وغلق الطرق وانتظار المجهول الذي ستسفر عنه السيارات المفخخة. ويعتبر معظم العراقيين الذين تمت محاورتهم أنهم ما عادوا يثقون بأية خطة مستقبلية مقبلة، بعدما أثبتت التجارب فشل الخطط الأمنية السابقة، وقدرة العنف والإرهاب على النفاذ حتى إلى المناطق الحيوية.


وسيم باسم من بغداد: في المقابل، فإن الكثير من العراقيين يعتقدون أن الأجهزة الأمنية مخترقة، وأن رجل الأمن والشرطي بالنسبة إليهم لم يعد موثوقًا به في بعض الحالات، بسبب الشك الذي يراود البعض من أن يكون مخترقًا.

هيبة الدولة
على الصعيد نفسه تؤمن غالبية العراقيين بأن هناك فسادًا يتخلل الاجندة الامنية، مما يقلل من فعاليات وتقنيات فحص المتفجرات والسيارات المفخخة. ويشدد ضابط الشرطة المتقاعد زهير الحسني على أن الفوضى الامنية المستمرة منذ عام 2003، اضاعت هيبة الدولة، وصار المواطن ينظر الى السلطة بنظرة السخرية والاستهزاء.

يعتقد الحسني أن المواطن يعتبر أن الدولة فشلت على صعيد الامن الداخلي وعلى الصعيد الخارجي عبر التنسيق من دول الجوار لمنع دخول الاسلحة والجماعات المسلحة.

لا يستبعد الحسني امتلاك الجماعات المسلحة غطاء سياسيًا يحميها ويتستر على فعالياتها، مؤكدًا أن فشل الخطة الامنية يعود الى هذا الغطاء، والى تأثير الأزمة السياسية عليها.

إحصائيات عن الضحايا
تكشف احصائيات عن مقتل 237 شخصًا على الأقل في الشهر الماضي، وإصابة 603 آخرين في هجمات، كان معظمها بالقنابل، مما يجعل شهر حزيران/يونيو من أكثر الأشهر دموية في العراق منذ انسحاب القوات الأميركية في نهاية العام الماضي.

يتزامن ذلك مع استمرار الأزمة السياسية التي تربك الأجهزة الأمنية وتشجّع الجماعات المسلحة على المزيد من أعمال العنف في المرحلة المقبلة.
ويعتقد نحو ثمانية عراقيين من بين عشرة التقيناهم أن الاشهر الاخيرة تبرهن أن الجماعات المسلحة تزداد قوة، وانها استطاعت القيام بعمليات نوعية، رافضين فكرة أن الإرهاب يضعف تدريجياً.

كما أن تسعة منهم يرى أن الفرقاء السياسيين يتأثرون بعلاقاتهم الخارجية مع الدول المجاورة، وأنهم يحابون الأجندة الخارجية على حساب الشأن الداخلي.

استياء من السياسيين
يرى الصحافي ماجد فاهم أن الإرهاب مازال يتمتع بقدرة واضحة على اثبات الوجود. والأدهى من كل ذلك بحسب فاضل أن العراقيين لم يعودوا يعبأون لأية طاولة حوار بين الاطراف السياسية.

ويتابع: في السابق كان أي حوار أو تفاهم مشترك بين الكتل السياسية والأحزاب يلاقي الترحاب والاهتمام من قبل المواطن. اما اليوم، فإن هناك ضجرًا من الفعاليات السياسية بغضّ النظر عن النتيجة التي ستصدر منها.

من جانبه يشير المواطن احمد عصام الذي يشارك في مواكب دينية إلى كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد)، أنه يلمس كثافة عددية من شرطة ورجال امن، لكن من دون كفاءة ونوعية، ضاربًا المثل في الكثير من الاختراقات التي تحصل، رغم أن الدولة وظّفت اعدادًا هائلة من الشرطة ورجال الأمن. وبحسب عصام، فإن المجتمع يشهد عسكرة بوتيرة متسارعة من دون أن يؤدي الزجّ بأعداد كبيرة من القوات الأمنية الى استتباب الامن.

رجال أمن أميون
الى ذلك يرى احمد عبيد (مدرس) أنالكثافة العددية في ظل عدم كفاءة وعدم تحصيل دراسي سوف تحول دون استتباب الأمن. ويتابع: مررت على الكثير من نقاط التفتيش، فوجدت رجال أمن وشرطة أميين. ويعتقد عبيد أن فرص نفاذ الإرهاب عبر شرطة كهذه ستكون كبيرة جدًا. وعبر السنوات الماضية انضم الى القوات الأمنية الكثير من المواطنين الذين وجدوا في هذا القطاع فرصة للحصول على وظيفة.

لا يدعو العميد المتقاعد رحيم الأسدي الى الاستغناء عن هؤلاء، بل الى تأهيلهم عبر الدراسة والتدريب، لرفع مستويات أدائهم امام التحديات الامنية الكبيرة في البلد.

ومن اشد العقد التي تضفي ازدواجية على عمل القوات الامنية، أن بعض الاحزاب تجد في الفعاليات الامنية فرصة لتحشيد الأنصار وكسب أنصار جدد، ونشر شعارات حزبية وطائفية.

شعارات سياسية
ويشير أحمد جميل (مدرس) بإصبعه لدى مرور سيارته عبر نقطة تفتيش على طريق حلة - الديوانية (193 كلم جنوب بغداد)، إلى أنه كيف رفع افراد الشرطة شعارات سياسية تؤيد حزبًا وكتلة سياسية معينة. لكن الساسة والنخب الدينية والسياسية التي تسعى إلى رفع شعاراتها في الطرق الرئيسة وعند نقاط التفتيش، لم تفلح في العمل على تأهيل القوات الأمنية نحو تأمين الحماية المطلوبة.

المفارقة تكمن ndash; بحسب الشرطي سعد حمزة ndash; أن نقاط التفتيش تولي اهمية خاصة للسياسيين وسلامتهم، بحيث تزدحم النقطة بعشرات السيارات على شكل طوابير طويلة حين يمر مسؤول بسيارته المضللة. ويحذّر معظم المراقبين من أعمال العنف في المرحلة المقبلة، في ظل أزمة سياسية معقدة الحل، ونمطية في الخطط الأمنية.

التفجيرات تتمدد إلى الوسط والجنوب
الملفت في أعمال العنف بحسب الناشطة النسوية ايمان حمزة أن التفجيرات تجد مكانًا لها اليوم في الوسط والجنوب، مما يبرهن على أن يد الإرهاب طويلة الى الآن. وكان انفجار سيارة ملغومة في سوق وسط ناحية الزبيدية الواقعة في محافظة واسط (180 كلم شمال بغداد)، والذي أسفر عن مقتل وجرح عشرات المواطنين، اثار غضب العراقيين، وجدد انتقاداتهم للخطط الأمنية التي يعدونها فاشلة.

وكانت سلسلة تفجيرات حصلت في بغداد وكربلاء، وأعنفها في الديوانية، اسفرت عن جرح ومقتل العشرات من المواطنين، صاحبها غضب شعبي من عدم جدية الحكومة في معالجة الملف الأمني.

ويعني (التأهب الامني) لسبعة مواطنين من بين عشرة أن هناك تفجيرات متوقعة، ستفضي الى فشل جديد في اكتشاف التفجيرات قبل وقوعها، كما تعني ايضًا أن الطرق ستغلق، وستنصب نقاط التفتيش، وسيلقى المواطن المصاعب وضياع الوقت في انجاز اعماله.

يقول عبد الصمد حسن (سائق تاكسي وخريج كلية آداب) إن (التأهب الامني) صار مصدر قلق للمواطن، لاسيما أنه لا ينتظر نتيجة ايجابية من عمليات التأهب هذه. ويؤيد الكثير من المواطنين الفكرة التي تفيد بوجود الفساد الإداري في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، مما يحول دون محاسبة المقصرين. من جهته يرى الصحافي كريم اللامي أن الروتين والفساد يحولان دون ضربات استباقية للخلايا النائمة.

قادة فاشلون
لكن العميد الطيار المتقاعد أحمد الجبوري يذهب الى ابعد من ذلك، فيقول إن امتلاك زمام المبادرة من قبل الجماعات المسلحة من جديد، يدل على أن هناك قادة امنيين فاشلين ويتوجب تغييرهم.

ويتساءل: كيف تخترق السيارة المفخخة وسط المدن، بينما توجد عشرات نقاط التفتيش في الشوارع الرئيسة. ويطالب سعد الشريفي (محام) بحلول أمنية حقيقية للهجمات، مطالباً قادة الأجهزة الأمنية بوضع حد لهذه الانتهاكات بأقصى سرعة ممكنة.