القاهرة: حطّت طائرة الرئاسة المصرية، مساء الأربعاء، السعودية في أول تحليق لها منذ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك قبل عام ونصف العام.

ومن المقرر أن يلتقى الرئيس المصري محمد مرسي عقب عودته لبلاده الرئيس التونسي منصف المرزوقي، قبل أن يغادر مرة أخرى إلى أديس أبابا الأحد 15 تموز (يوليو) الجاري للمشاركة في قمة الاتحاد الإفريقي بإثيوبيا.

مرسي، وهو في طريقه للمملكة، ترك خلفه وضعًا دستوريًا وقانونيًا مرتبكًا عقب قراره بعودة مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان)، الأمر الذي أثار جدلاً حول جدوى التركيز على العلاقات الخارجية في وقت تعاني فيه البلاد من هذا الارتباك.

ويرى خبراء سياسيون أنه كان الأجدر بمرسي منح المشاكل الداخلية الأولوية قبل أن يكثّف من نشاطه الخارجي، غير أن آخرين يرون في بداية تحرك مرسي خارجيًا quot;محاولة لجذب استثمارات خارجية تدعم اقتصاد بلاده المتعثرquot; أي أن النشاط الخارجي يهدف لخدمة الوضع الداخلي.

وعقد الرئيس المصري، مساء أمس، جلسة مباحثات مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتصدرت العلاقات الثنائية والشراكة الاستراتيجية بين البلدين وسبل دعمها جدول قمة الزعيمين، فضلاً عن الأوضاع العربية الراهنة وخاصة التطورات في سوريا وأمن الخليج والمنطقة.

وتأتي زيارة الرئيس المصري في وقت تشهد فيه بلاده أزمة سياسية على خلفية حكم المحكمة الدستورية بوقف تنفيذ قرار رئاسي بعودة البرلمان المنحل وهو ما زاد من حدة التوتر بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة القضائية برغم تأكيد الأولى احترامها كافة الأحكام وعدم تعديها على سلطاتها.

ويقول جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، quot;كان على الرئيس ترتيب البيت من الداخل قبل أن يبدأ النشاط الخارجيquot;. وتساءل عن المغزى وراء بداية زياراته الخارجية بالسعودية، في الوقت الذي حدد فيه أولويات السياسة الخارجية المصرية في خطابه بميدان التحرير بالدائرة الإفريقية أولا، ثم العربية، وأخيرًا الإسلامية.

ورأى زهران أن هذه البداية تفرض عليه التعجيل بزيارة إيران، إذا كان ينوي إقامة علاقة طبيعية معها كما قال في برنامجه الانتخابي، لأن التأخر في زيارتها quot;يعطي إشارة بأن السعودية ضغطت من أجل ذلكquot;.

وحسب تقديرات quot;مجلس الأعمال المصري - السعوديquot; فإن حجم الاستثمارات السعودية في مصر ارتفع إلى نحو 2.8 مليار دولار، وتشير التوقعات إلى احتمالية ارتفاع حجم هذه الاستثمارات خلال الفترة المقبلة إلى نحو 10 مليارات دولار.

تلك الأرقام يجد فيها محمد سلمان طايع، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، سببًا وجيهًا ليبدأ الرئيس المصري نشاطه الخارجي رغم عدم انتهائه من ترتيب البيت من الداخل. ويقول: quot;منذ اندلاع ثورة يناير خسرنا كثيرًا في النطاق الخارجي بسبب الوضع الداخلي المرتبك، لذلك فإن هذه الزيارات تأتي في إطار (ما لا يدرك كله لا يترك كله)quot;.

ولا يقل أهمية عن هذه الزيارة، كما يؤكد طايع، اللقاء الذي سيجمع مرسي بالرئيس التونسي؛ للاستفادة من خبرة بلاده في قيام التيار الإسلامي بـquot;تقاسم السلطةquot; مع اليساريين والليبراليين، وهي خبرة مهمة يحتاج إليها الرئيس المصري في الوقت الراهنquot;. كما أن تونس دول مهمة في أربع دوائر (العربية، الإفريقية، المغاربية، المتوسطية)، ويمكن أن تكون شريكًا اقتصاديًا هامًا لمصر، بحسب طايع.

غير أن طايع، المتخصص في الشؤون الإفريقية، كان يفضل أن تكون بداية النشاط الخارجي لمرسي إفريقيا، وعلى وجه الخصوص دول حوض النيل، في ظل التهديد الحديث عن معاهدات بين تلك الدول لإعادة تقسيم مياه نهر النيل.

وتوقع أن تثمر مشاركة مرسي في القمة الإفريقية المرتقبة عن نجاح ملموس في تحسين العلاقات المصرية الإفريقية لأنها تأتي في إطار ما يسمى بـ quot;دبلوماسية القمةquot;، التي تكون على مستوى رؤساء الدولة، وهذا يكون له فعل السحر عند الأفارقة.

لكنه اشترط كذلك ضرورة أن يتبع هذه القمة مشروعات اقتصادية تحقق المصلحة المتبادلة للطرفين. غير أن جمال زهران يخالفه الرأي ويقول: quot;لا أتصور في ظل الوضع الداخلي المرتبك أن الرئيس مرسي جاهز بسياسة واضحة ينقلها للدول الإفريقية خلال القمةquot;. وقال: quot;أتصور أن مشاركة مرسي في قمة الاتحاد الإفريقي ستكون بروتوكولية وكان يمكن لوزير الخارجية أن يشارك بدلا منهquot;.

ورغم اقتناع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية عبد الفتاح ماضي بأهمية ترتيب البيت من الداخل قبل السفر للخارج، إلا أنه يرى أن القاهرة تعيش الآن وضعًا استثنائيًا يقتضي إجراءات استثنائية كذلك وهي متابعة الشأنين الداخلي والخارجي بالتوازي.

ويقول: لقاءات مرسي بالمسؤولين السعوديين، ثم لقائه في القاهرة بالرئيس التونسي، وأخيرا توجهه لإثيوبيا، كلها تحمل أهمية كبيرة في الدوائر الثلاث للعلاقات الخارجية المصرية التي تحدث عنها مرسي.

وأضاف: كنا نتمنى البداية إفريقية لأنها كانت ستبعث برسالة مهمة حول التغيير المفصلي في السياسة الخارجية مع الدول الإفريقية التي أهملها النظام السابق وتسبب في توتير الأجواء معها خاصة دول حوض النيل.

إلا أن ماضي يجد مبررًا لمرسي في اختياره المملكة كنقطة بداية، وهى رغبته في quot;إزالة الشوائب التي عكرت صفو العلاقة بين البلدين في أعقاب أزمة المواطن أحمد الجيزاويquot;.

وشهدت العلاقات المصرية السعودية توترًا \قبل أشهر عندما سحبت الرياض سفيرها بالقاهرة؛ احتجاجًا على مظاهرات نظمها مصريون بمحيط السفارة؛ تنديدًا باعتقال الجيزاوي بالسعودية لـquot;أسباب سياسيةquot;، غير أن السلطات السعودية نفت ذلك، وقالت إنه quot;متهم بتهريب أقراص مخدرة إلى المملكة.quot;

وعاد سفير الرياض للقاهرة بعد عدة أيام عقب زيارة وفد مصري رفيع المستوى برئاسة سعد الكتاتني، رئيس البرلمان، إلى المملكة ولقائه بعاهل السعودية الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

وقال ماضي إن quot;السعودية دولة هامة ويمكنها أن تلعب دورًا في دفع الاقتصاد المصري المتعثر، أما لقاء الرئيس التونسي فيأتي في وقته للحصول على الخبرة التونسية في إيجاد صيغة توافق بين الإسلاميين والليبراليين خاصة وأنه مقبل على تشكيل حكومة ومجلس رئاسيquot;.