أكد عراقيون أن الطائفية المذهبية لم تكن مترسخة في أبناء المجتمع العراقي، بل إنها صناعة سياسية، وهي لعبة كسائر الألعاب السياسية التي تستخدم فيها كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية للتغلب على الآخر، قام بترسيخها السياسيون، وصاروا يعلنون عنها متى يشاؤون من أجل مصالحهم الخاصة.


عبد الجبار العتابي من بغداد: أشار البعض إلى أن الطائفية إن غطست إلى أسفل المجتمع فتعني أحد أمرين: إما الديكتاتورية، أو نظام توافق حساس.. وأن كليهما يتظللان بالسلبيات المختلفة، التي قد لا تؤدي إلى تعافي البلد تمامًا من مشاكله، ومنها ما أسماه البعض بروز طائفة الفاسدين من السياسيين، التي سحقت كل الطوائف، وفازت في حربها الطائفية علينا.

الطائفية المذهبية في العراق تقتل المواطنين

ويوم الخميس الماضي قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال لقائه بالشيخ أحمد أبو ريشة بشكل قطعي إن (الطائفية قد انتهت في العراق) !!، لكن في مواجهة ذلك يمكن وضع عشرات علامات الاستفهام وراء هذا القول وعشرات علامات التعجب، ومن الممكن أيضًا جعل عشرات عبارات الفرح والسرور والأمل والتفاؤل تحيط بهذا القول المهم والمميز واللافت للنظر والانتباه أيضًا، وهو قول يسعد القلب ويفرح الروح، ولكن هل هو حقيقة فعلاً؟، أم أن الأمر يحتاج قراءة متأنية ودراسة معمقة لا علاقة لها طبعًا بالعديد من الحواجز الكونكريتية، التي رفعت من بعض المدن والشوارع، ولا نقاط السيطرات التي انخفض عددها، وبالتأكيد هنالك أسئلة لا بد من طرحها على القاطنين في المدن العراقية، ولاسيما بغداد العاصمة، التي طالما كانت الطائفية تفتح بوابات الجحيم فيها.

لكن الكاتب والصحافي أحمد سعداوي يقول: لأننا من صنف الكائنات الخطرة بسبب تعاملها مع اللغة، واحترافها لمهنة حساسة، ألا وهي (التأويل) لذا أقول: نعم، الطائفية تنتهي في بلد ما، تغطس إلى الأسفل، ولا تعود ظاهرة، بسبب أمرين، إما الديكتاتورية، أو نظام توافق حساس ودقيق يوزع السلطات والصلاحيات والثروات والمكاسب والامتيازات والحقوق والواجبات، وفي كلا الخيارين تغدو الديمقراطية أداةً، وليست هدفاً أو سياقاً استراتيجياً، أعني بوضوح هناك حالات تتلاشى فيها الطائفية تمامًا، الحالة الأولى طبعاً في ظل النظام الديكتاتوري، والحالة الثانية في ظل نظام المحاصصة والتوافق الدقيق والنهائي والحاسم، فإلى أي الطريقين تتجه بنا يا ترى؟!.

من جهته، قال الشاعر ياس السعيدي: اتفق مبدئيًا على أن الطائفية المذهبية انتهت، ولو بشكل نسبي، لكننا ابتلينا بطائفيات أكبر، لعل أبرزها طائفية اللصوص، فبرأيي أن الجميع متورط في الفساد، لكن اللصوص تحولوا إلى طوائف، فطائفة لصوص هذه القائمة السياسية تختلف عن لصوص الأخرى، نعم أقول يختلفون عنهم، ولا يختلفون معهم، وإذا اختلفوا معهم، فإن موضوع الخلاف ليس مصلحة الناس، وإنما حجم الحصة من السرقة العلنية، يا صديقي انتهت الطائفية المذهبية، لكن طائفة الفاسدين من السياسيين هي التي سحقت كل الطوائف، وفازت في حربها الطائفية علينا.

فيما قال الكاتب إبراهيم زيدان: إن الطائفية ليست موجودة لدى أبناء شعبنا، إنما هي بضاعة فاسدة، روّج لها السياسيون من أجل الوصول إلى السلطة، بدليل فشل هذا المشروع شعبيًا، بينما لاتزال الدائرة السياسية تتعامل به، ولهذا بقيت بعض الدول، وفي مقدمتها السعودية وقطر وتركيا، تعمل وفق أساس طائفي، متصورة أن الشيعة في العراق قد استفادوا فعلاً من النظام الجديد، الذي جاء على أعقاب نظام صدام حسين، والحقيقة لا الشيعة ولا السنة قد حصلوا على شيء يذكر، إنما الذي حصل هو أن شيعة السلطة وسنة السلطة هم الذين استأثروا بكل شيء.

وأضاف: quot;يتوهم كل من يردد نغمة أن الشيعة قد حققوا مكسبًا في حصولهم على رئاسة الوزراء، هذا المنصب الذي صار نقمة عليهم بسبب الصراع الدولي الذي يجري على أرض العراق، وحقيقة الصراع، وإن اتخذ صورة طائفية بين هذه الدول، ومن ضمنها إيران، إلا أن الحقيقة هي صراع من أجل المصالح لا أكثر، فلا الشيعة ولا السنة في العراق حصلوا على ما يغيّر واقعهم، بل إن الأكراد، وأعني بهم أكراد السلطة، كانوا ولا يزالون المستفيد الأول من انهيار صدام، فحتى الشعب الكردي في العراق لم يجنِ شيئًا، فالواقع في شمال العراق يكشف عن اقطاعيتين، إحداهما لجلال الطالباني، والثانية لمسعود البارزاني، بمعنى أن عائلتين فقط قد جنتا مكاسب باسم الشعب الكردي، والحال نفسها فقد جنى الطائفيون من الشيعة ومن السنة على حساب الشعب العراقي مكاسب ما كانوا يحلمون بها، حتى إن الطائفية موجودة في قاموس هؤلاء، الذين ركبوا الموجة هذه لتحقيق مكاسب شخصية أولاً وحزبية ثانيًا، وسيندحر هذا المشروع عاجلاً أم آجلاً، وسيعود العراق معافى من مرض الطائفية الذي جلبه السياسيون للعراق وشعبه مثلما تندحر العرقية التي سوّقها السياسيون الكرد، فالواقع يفضح الجميع، وإن تستروا بأقنعة مهلهلة، وهؤلاء السياسيون لو كانوا يمتلكون مشروعًا وطنيًا حقيقيًا لما سوّقوا الطائفية كمنهج للوصول إلى السلطة. إنهم يبحثون عن سلطة ومال ونفوذ، ولا يبحثون عن وطنية مترسخة في وجدان الشعب العراقي.

أما الكاتب نبيل الوادي فقال: الطائفية صناعة سياسية، وهي لعبة كسائر الالعاب السياسية التي تستخدم فيها كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية للغلبة على الآخر، ولذلك يمكن للمطبخ السياسي أن يعد الآليات التي يشاء لخنق هذه الظاهرة أو تهيئة الظروف التي تنعشها، لكن المتغيّر الاساس الذي يتحكم بهذه الظاهرة هو القائم بالأمر واولئك الذين يناصبونه العداء لتعارض المصالح وتناقضها.

بالعودة الى تصريحات المالكي في لقائه بالشيخ احمد ابو ريشة يمكن تسجيل العديد من الملاحظات، واولها أن احمد ابو ريشة يملك رؤية وطنية ووضوحًا سياسيًا ونضوج وعي بمخاطر الطائفية على كل اطياف المجتمع، واعتقد أن نضجه ووعيه وحكمته هي اللجام الذي ضبط الدعوات التي وجهها البعض إلى التخندق الطائفي، غير أن الشيخ احمد ابو ريشة كغيره من الرجال الذين قد يخضعون لضغوطات المرحلة والظروف، مثل دعوات الدفاع عن الهوية الطائفية بذريعة التهميش، وهي أمر ملموس ومحسوس، لأن الاطراف الأخرى تخشى من المشاركة الفاعلة في القرار، الأمر الذي يعيد الى الاذهان ذكريات أليمة لعشرات من السنين، ولكن هذا الخوف قد يقود بالنتيجة الى دور مماثل قمعي تهميشي.

النقطة الاخرى أن تحرك المالكي باتجاه ابو ريشة، وهو قائد عشائري، له كاريزما اجتماعية ووطنية، ستقود حتمًا الى لجم الاصوات التي تتهم المالكي بالطائفية، وان كان المالكي رجلاً طائفيًا، ولكنه طائفي برؤية غير عقائدية، أي انه يمكن أن يتخلى عن طائفيته، لاعتقاده أن الابتعاد عن الطائفية ستضمن بقاءه في مقدمة الركب السياسي، وانما على رأس الكاميرا، وخصوصًا رئاسة الوزراء، لكن المالكي كغيره من القادة الذين تجعلهم بعض النجاحات ينسون تقلبات المناخ السياسي، يلقي وبارتجال الكثير من التصريحات التي من الصعب التكهن بمدياتها، لانها كلمات وخطب مرتجلة لم تمر على خبراء ومستشارين واصحاب رؤية استراتيجية، وهي بالتالي خطاب وكلمات ابنة الحماس والاندفاع والظرف الآني، فقول المالكي كلام امنيات أو كلام ارتجال، ذلك أن الطائفية هي صناعة سياسية، يمكن أن تطل برأسها في أي لحظة، اذا ما قررت قناتا الجزيرة والعربية الاشتغال على الطائفية، خصوصًا اذا تفرغت من الملف السوري، الذي أشعلا فيه الملف الوطني، الذي لم يكن يشكل شيئًا ملموسًا على المستوى الاجتماعي، ولم يكن ليظهر الى السطح، وكان العراقي السني يهجر من منطقة شيعية، والشيعي يهجر من منطقة سنية، ليتلقيا في دمشق ويكونا شركة من دون أن يفكرا بالشأن الطائفي.

خلاصة القضية مادام العراق بلدًا ضعيفًا في اوجه مختلفة، فإنه سيخضع للقرار القطري والقرار السعودي والقرار الاردني والقرار الايراني، والاهم القرار الاميركي، الذي سيضع مصلحته فوق كل الاعتبارات.

وقال الكاتب والصحافي ليث محمد رضا: إن الطائفية المقيتة في العراق لم تنتهِ للأسف، إذ هي مترسخة دستوريًا، وفي الممارسة السياسية، فالحالة السياسية برمتها مبنية على نظام حصص الطوائف، كما إن الاعتبارات الطائفية التي تقوم عليها بنية الأحزاب المتصدرة للمشهد السياسي، بما فيها أحزاب علمانية، تعد ركائز تعزيز الانقسام الطائفي والعنصري في البلاد، وتقف حاجزاً إزاء امتلاء مفهوم المواطنة العراقية بمحتواه الحقيقي، وانتهاء الطائفية يعني أن السلطة الحاكمة تنظر للشعب كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، لكن الواقع أن السلطة في دستورها وفي ممارستها اليومية لا تتعامل مع مواطنين، بل هي تنظر للشعب كمجاميع أثنية، وبالتالي نسمع حديثاً عن غالبيات وأقليات، وبدأت تنشأ أعراف سياسة تستبق كل الممارسات الديمقراطية، وتنسف شعاراتها، وتجعل منصب رئيس الوزراء حقًا للطائفة الفلانية، بينما تنظر إلى طائفة أخرى على أنها لا تستحق هذا المنصب، وهنا نحن أمام رسالة ضمنية بأن من يمارس السلطة لا يمثل الجميع، بل هو جاء باسم طائفته، وسينتصر لها في كل شيء.