ربما توجب على مهاجري بريطانيا المسلمين إسداء الشكر لسيل من الوافدين الأوروبيين الشرقيين، والبولنديين بشكل خاص. فقد تمكن هؤلاء الأخيرون من انتزاع بقعة الضوء في ما يخص ضيق أهل البلاد من تكاثر الأجانب وخوفهم من ضياع الهويّة البريطانية.


بلغ الضيق بسكان مدينة هيرفورد في غرب انكلترا إزاء تكاثر المهاجرين من شرق اوروبا - وبولندا خصوصًا - درجة أنهم أعادوا تسمية المكان laquo;بولنداraquo;.
ويتضح هذا فورًا لزائر المدينة إذ يجد لافتة الترحيب في مشارفها معدلة بحيث مُسح اسمها منها فصارت تحمل عبارة laquo;مرحبا بكم إلى بولنداraquo;. ويأتي هذا التعبير الساخر عن الغضب لأن آلافاً من المهاجرين البولنديين وحدهم صاروا يقطنون المدينة إذ إن معظمهم يعملون في مزارع الفواكه حولها.

ويُعزى ضيق أهل المدينة بهؤلاء المهاجرين الى سببين رئيسيين أحدهما، وفقًا لهم، أن مستلزمات عيشهم وأطفالهم تمثل عبئًا إضافيًا على الخدمات السكنية والصحية والتعليمية، والآخر هو أنهم laquo;يضعفون الشخصية الانكليزية التي يتميّز بها المكانraquo;.

هيرفورد الانكليزية صار اسمها بولندا تبعًا للافتة في مدخل المدينة

ونقلت الصحافة البريطانية عن جون بُل (45 عامًا) وهو أحد السكان قوله: laquo;اعتقد أن الناس هنا قلقون على أن مدينتهم صارت أقرب الى كراكوف (ثاني أكبر المدن البولندية) منها الى تلك المدينة الانكليزية التي تتميز بسوقها الشعبية المفتوحةraquo;.

ويضيف قوله: laquo;بناء على هذا، فإن بعض السكان ينظر الى هؤلاء المهاجرين باعتبارهم قوة غازية تسلب المدينة هويتها. وأنا شخصيًا أشد على أيدي اولئك الذين غيّروا لافتة الترحيب اليها لأنها ما عادت ذلك المكان الذي نعرفهraquo;.

ووفقًا لصحيفة laquo;ديلي ميلraquo; على الأقل فقد أصبحت بريطانيا في أولويات المهاجرين الأوروبيين عندما فتحت الحكومات العمالية في عهدي توني بلير وغوردون براون الباب أمام مواطني سبع دول أوروبية شرقية انضمت للاتحاد الأوروبي العام 2004. وتقول الصحيفة إن سياسة الباب المفتوح هذه laquo;أضافت 3.7 ملايين شخص الى تعداد سكان البلادraquo;، وإن هذا حدث في وقت أحكمت فيه دول أوروبية غربية السيطرة على العدد الذي تسمح بدخوله أراضيها من الدول الشرقية.

وتقدر إدارة laquo;يوروستارraquo; (القطارات الرابطة بين بريطانيا والقارة) عدد البولنديين الذين وصلوا الى بريطانيا العام الماضي وحده بنحو 542 ألفًا. لكن العديد من الخبراء يقول إن هذا الرقم laquo;خجول للغايةraquo; لأن الحقيقي ضعف هذا على الأقل.

المتاجر البولندية صارت جزءًا أساسيًا من مناطق التسوق

وتتجلى مظاهر كثرة المهاجرين البولنديين الى بريطانيا في المتاجر والمطاعم البولندية التي صارت منظرًا مألوفًا في سائر المدن والبلدات البريطانية. وفي البلدات والقرى التي تعج بالبولنديين وغيرهم من مهاجري شرق أوروبا العاملين في المزارع، صارت اللافتات المكتوبة فقط بلغاتهم علامة أخرى تضاف الى مكونات الريف البريطاني.

وبالطبع فأينما وجد المهاجرون، وجد أطفالهم وحاجتهم الى التعليم. وفي بيتربره شرق انكلترا، وجد مجلس المدينة البلدي أنه لا مناص له من إقامة فصول دراسية موقتة لاستيعاب أبناء البولنديين الذين بلغ عددهم في المدينة فوق 20 ألفًا خلال ست سنوات فقط.
وعمومًا، فإن واحدًا من كل أربعة مواليد في بريطانيا الآن يعود لأم مهاجرة. ووفقًا لإحصاءات 2010 فقد أنجبت البولنديات تحديداً أكثر من 20 ألف طفل في ذلك العام، بمعدل نحو 50 وليدًا كل يوم.
فلا غرو أن الصحافة الشعبية خصوصًا أبرزت نتائج استطلاع أجري مؤخرًا وأظهر أن قرابة ثلاثة أرباع البريطانيين يشكون من كثرة عدد المهاجرين في البلاد، وأن أكثر من ثلاثة أرباعهم يشكون من أثرهم السلبي على مستوى الخدمات العامة.

ووضع هذا الاستطلاع بريطانيا في المرتبة الثالثة على قائمة من 23 دولة تعتبر الأكثر اجتذابًا للمهاجرين في العالم، وفي المرتبة الأولى من حيث قلق أهل البلاد إزاء الضغوط التي يحدثونها على المساكن والمستشفيات والمدارس وشبكة المواصلات.