الباحث طارق حمود |
قال الباحث الفلسطيني المتخصص في شؤون اللاجئين طارق حمود، أن المخيمات الفلسطينية في سوريا تحاول رد الدّين للسوريين، بعد أن استضافت سوريا لاجئين فلسطينيين في أعقاب نكبة عام 1948، مؤكدا على أن الفلسطينيين في سوريا هم جزء من نسيج اجتماعي متماسك.
لم يكن دخول العامل أو العنصر الفلسطيني على خط الحراك السياسي الجاري في سوريا مفاجئاً لكثير من المراقبين والمحللين، بحكم الترابط العضوي والتداخل في النسيج الاجتماعي بين الفلسطينيين والسوريين، وتمتع اللاجئ الفلسطيني بنفس الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها المواطن السوري (فيما عدا حقي الترشح والانتخاب).
وبعد وصول القصف العشوائي والاشتباكات المسلحة إلى المخيمات الفلسطينية، برز دور جديد للفلسطينيين في سوريا، ركز على تأمين الإغاثة الإنسانية والمسكن الآمن للعائلات السورية الهاربة من جحيم العنف المتصاعد، دون أن يمنع ذلك مشاركة من نوع آخر (مع أو ضد) في سياق الثورة السورية.
وللوقوف على حقيقة الموقف الفلسطيني في سوريا مما يجري بها، التقينا طارق حمود، الباحث الفلسطيني المتخصص في شؤون اللاجئين، وكان لنا معه الحوار التالي:
بحكم تفاعلكم مع المنظمات الأهلية الفلسطينية، كيف ترون إسهام المنظمات الحقوقية والإغاثية في حل مشكلة النزوح التي يعاني منها الشعب السوري؟
من زاوية المخيمات التي غدت مأوىً لآلاف النازحين من الأشقاء السوريين، فمؤسسات الإغاثة الفلسطينية أبلت بلاء حسناً، وقدمت جمعيات المخيم الخيرية وسعها في استيعاب متطلبات واحتياجات الأعداد المتزايدة، والتي لم تكن المخيمات مهيأة لها من قبل، وهنا لا بد من ذكر دور هام ومحوري للشباب الفلسطيني العفوي الذي هبّ للنجدة والرعاية بما يملك من خبرات متواضعة وإمكانيات، وفي هذه المرحلة، فالدور الذي قامت به مؤسسات الإغاثة الفلسطينية لرعاية ضيوفهم كان أكبر بكثير من طاقاتهم، لكنهم استطاعوا تجاوز كل العقبات والتحديات وتحقيق سبق مهم على هذا الصعيد، وهنا لا بد من ذكر دور للأونروا التي قدمت شيء مما لديها، ووجهت نداءً عاجلاً في 26 تموز الماضي لإغاثة فلسطيني سوريا الذين لحق بهم ما لحق ببعض أشقائهم السوريين من نزوح خصوصاً في مخيم درعا الخالي تماماً من سكانه اليوم، ومخيمات مثل الحسينية والسبينة في دمشق، ولذا من زاوية الإخوة النازحين السوريين في المخيمات الفلسطينية، فأظن أن المؤسسات الفلسطينية بذلت وسعها والحمل يفوق طاقتها بكثير.
-برز في الآونة الاخيرة دور مهم لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في إغاثة وتأمين الملجأ والمأوى للشعب السوري، هلا حدثتنا عن ذلك؟
المخيمات الفلسطينية كانت حاضرة في هذا المجال منذ بداية الأحداث في سوريا، والدور الإغاثي للمخيمات الفلسطينية خصوصاً في درعا وحمص وحماة واللاذقية كان بادياً، وتحولت المخيمات إلى مكان يطعم الجائع ويأوي النازح ويربت على كتف المكلوم، وربما كان مشهد مخيم اليرموك يوم 17 تموز الماضي من أعظم مشاهد الإخوة مع الأشقاء السوريين النازحين، مشهد أعادنا لعام 1948 وشاءت الأقدار أن يرد الفلسطينيون جزءاً من المعروف قبل أن يعودوا، وحقيقةً رسم الأهالي في مخيمات اليرموك وخان الشيح وخان دنون، وقبلها درعا وحمص وحماة واللاذقية ما عجزت عن رسمه سنوات طويلة من علاقة الإخاء بين الشعبين، وتجاوزت هبة الأهالي العفوية والشباب الفلسطيني في المخيمات روتين المؤسسات التي لم تأل جهداً في الدعم والإغاثة أيضاً، هذا في المظهر العاطفي العام.
أما ميدانياً، فإن عمليات التنظيم والتقسيم والتوزيع على مراكز الإيواء وتجهيزها في المخيمات خلال ساعات قليلة عكست خبرة لدى الفلسطينيين في مجال العمل الأهلي كبيرة، كما عزز من شعور التلاحم بين الشعبين، وهنا لا يمكن تجاوز دور الشباب الفلسطين العفوي الذي كان عماد ذلك المشهد حيث سهر شباب المخيمات حتى ساعات الفجر الأولى في تجهيز وتأمين واستقبال النازحين، وتم تشكيل لجنة خدمات أساسية ولجنة خدمات طبية لكل مركز الإيواء وعلى مدار الساعة، وكان للأهالي دور بارز في استقبال النازحين، إذ استقبل الأهالي ضيوفهم في مراكز الإيواء في المدارس والمساجد بعد أن امتلأت بيوتهم، وتقاسموا معهم كل شيء، بعد يومين من مشهد اليرموك كان هناك تصعيد عسكري كبير في دمشق، وهو ما دفع النازحين الجدد للبحث عن مكان خارج المدينة كون اليرموك يقع وسط الأحياء الساخنة في التضامن والحجر الأسود والقدم والميدان، فكان مخيم خان الشيح (25كم غرب دمشق) مكاناً ملائماً لاستقبال مئات العائلات، فسجل مخيم خان الشيح مشهداً لا يقل عظمة عما سجله اليرموك، وكذلك الأمر بالنسبة لمخيم خان دنون (23 كم جنوب العاصمة) سجل هو الآخر ما سجلته المخيمات الأخرى، ففي يوم واحد دخل مخيم خان دنون 650 نازحاً لم يذهب لمراكز الإيواء في المدارس سوى 100 فقط والباقي اقتسموا البيوت مع أشقائهم، هذه المشاهد ليست مقتصرة على مخيمات بعينها، فجميع المخيمات قامت بدور مشابه وفق المرحلة التي مرت بها.
-كيف ترى تفاعل الشارع الفلسطيني مع ما يجري في سوريا؟
الفلسطينيون في سوريا جزء من نسيج اجتماعي متماسك، بنته عوامل عديدة منها ما هو جغرافي بحكم أن 95% من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من شمال فلسطين المتاخم لسوريا، ومنها ما هو تاريخي مرتبط بما قبل الحدود وسايكس بيكو، ومنها ما هو اجتماعي حيث حدث ارتبط بوجود فلسطيني في قلب المدن السورية الرئيسية عاشوا بحقوق مدنية كاملة منذ عام 1956 بعد صدور القانون 260 الذي أطلق على الفلسطينيين صفة (من هو في حكم المواطن السوري) وما نتج عن ذلك من علاقات مصاهرة ونسب تشعبت وامتدت بشكل كبير، ومنها ما هو سياسي ارتبط بدور سوريا في المنطقة خصوصاً ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
ولذلك من الصعب جداً القول أن الفلسطيني في سوريا مكوِّن بعيد كل البعد عن الأحداث التي دخلت كل حي في سورية، والمخيمات منها، نستطيع القول أن الفلسطيني يعتبر أحد الأقليات في المجتمع السوري، لكنها أقلية لها خصوصية بالغة بحكم الحساسية السياسية للقضية الفلسطينية والعامل الوطني الذي يفرض نفسه في المجتمع السوري عموماً، إلا أن الفلسطينيين حاولوا منذ بداية الحراك السوري أن يتجنبوا الأحداث على قاعدة الحياد المبدئي الذي لا يتنكر لأحد ولا يلغي تطلعات الشعب السوري، إلا أن أولى محاولات الزج بالفلسطينيين في أتون الأحداث كانت في البدايات حين حمّلت إحدى الصحف اليومية الخاصة بتاريخ 22/3/2011 الفلسطينيين في درعا مسؤولية المظاهرات هناك، وبعدها بخمسة أيام وتحديداً يوم 27/3/2011 كررت الدكتورة بثينة شعبان الكلام ذاته في مؤتمر صحفي بخصوص أحداث حي الرمل في اللاذقية، وبالرغم أن هذا الزعم تهاوى بعد أسابيع قليلة حين توالت أعمال التظاهر في مناطق مختلفة لا وجود للفلسطينيين فيها، إلا أنها كانت مؤشر أثار توجس المخيمات من تكرار تجارب فلسطينية كانت ولا تزال ثقيلة الظل على الذاكرة الفلسطينية كما حدث بعد حرب الخليج وفي العراق أو نهر البارد في لبنان، من هذه النقطة كان الموقف الشعبي الفلسطيني شديد الحذر فيما يتعلق بالخوض السياسي أو الميداني في الحراك، فيما كان الدور الإغاثي والإنساني هو ضالة الشارع الفلسطيني الذي لم يدخر جهداً في هذ المجال، وكان أسامة الغول أول شهيد فلسطيني في سورية يسقط في هذا الحراك في درعا حين قيامه بإسعاف الجرحى يوم 23/3/2011، ولدى تأمل قائمة الشهداء الفلسطينيين خلال سنة وخمسة أشهر ستجد أن عدداً غير قليل قضى أثناء قيامه بمهام إنسانية، ومنهم من كان يعمل في منظمة الهلال الأحمر كالشهيد أحمد الخضرا في دوما يوم 28 حزيران الماضي.
بالعموم التوجه الشعبي العام وليس المطلق كان مع خيار تحييد المخيمات ووضعها في إطار إنساني يخدم الجميع مستفيدين من المكانة الوطنية والسياسية لها، وهو ما حدث في مخيم درعا إلى شهرين سابقين فقط، لكن صوت الرصاص والمدافع سبق إليها في ذلك المخيم الذي هجره سكانه منذ شهرين ويتعرض لعمليات عسكرية منذ ذلك لحين.
في النشاط السياسي الميداني سجلت بعض المخيمات مثل اليرموك حراكاً تمثل بالمظاهرات إلا أنها لم تكن حالة عامة أو يومية، وإنما كانت مرتبطة بأحداث بعينها مثل قصف مخيم درعا واستشهاد مجندي جيش التحرير الفلسطيني في حلب يوم 11 تموز الماضي، ولكن كانت الدماء هي أكثر ما يثير الشارع منذ البداية، فحتى كتابة هذه السطور هناك ما يقرب من 250 شهيداً فلسطينياً وهي أضعاف ما سقط من أي أقلية أخرى نسبياً، عبء هذه الدماء ثقيل جداً وكلما ما ازدادت ستتعقد الأمور أكثر.
بالمجمل نستطيع القول أن الفلسطينيين تأثروا بالحراك ولم يؤثروا فيه بحكم النسبة الكمية لحجم الوجود الفلسطيني في سورية (2.5% من مجموع السكان) أقل من نصفهم يقطنون المخيمات فقط.
-كيف تنظر إلى موقف الفصائل الفلسطينية في سوريا، وكيف تقيمونها؟
الفصائل الفلسطينية حاولت عدم التدخل فيما يجري في سوريا |
الفصائل الفلسطينية في سوريا لم تتعرض يوماً إلى مثل هذا الموقف، والموقف الفصائلي عموماً موقف مأزوم من الحراك السوري، فهو مطالب بالتوفيق بين معادلاته السياسية من جهة وبين قيمه المبدأية من جهة أخرى، وهي مسألة غاية في الصعوبة، وقد مر الموقف الفصائلي في عدة مراحل، فمنذ بداية الأحداث حتى 2/4/2011 وهي أول أسبوعان من الحراك، التزمت جميع الفصائل الصمت، إذ كان الصمت أفضل خيار لها، في 2 نيسان quot;ابريلquot; من العام الماضي أصدرت حركة حماس بيانا بخصوص الأحداث، وحسبما تسرب، فإن البيان بعد ضغط رسمي من الدولة السورية ثم خرج البيان بعد ساعات طويلة من الصياغة بلغة دقيقة جداً رسمت موقفاً محايداً في نهاية المطاف على قاعدة الإيمان بتطلعات الشعوب كما وصف البيان، بتقديري هذا البيان لم يكن خاصاً بحماس بقدر ما صنع حالة معيارية للموقف الفصائلي العام في سوريا الذي كان متردداً جداً في اتخاذ موقف معلن، وسارت كل البيانات اللاحقة المتفق عليها وفق هذه الرؤية بحكم حجم حماس ودوها كفصيل، هذا الموقف بدأ يتلاشى مع خروج قيادة حماس من سورية، ووصول المعادلة السورية إلى حالة صفرية بين النظام والمحتجين، وبالتالي منذ ذلك التاريخ لا نستطيع القول بوجود بيان واحد متفق عليه من الحراك السوري للتحالف أو الفصائل الموجودة في سورية، علماً أن فصائل منظمة التحرير في سورية أصدرت بياناً جماعياً أكدت فيه على الموقف المحايد، إلا أن التصريحات الفردية لبعضها خرج عن السطر وكذلك الأمر بالنسبة للتحالف، أما بالنسبة لحركة فتح الفصيل الكبير وصاحب الإرث التاريخي بالخصومة مع النظام السوري، فقد اتخذت موقفاً متوازناً ومحايداً تجاه الحراك، وهو ما يعطي انطباعاً بأن الموقف الفصائلي سار على حبل مشدود، وعاش أزمة لا تزال قائمة إلى اليوم، جعلت من مواقف الفصائل تتأخر شهوراً عن موقف الشارع، وهو ما خلق حالة فصام نسبي بينها وبين الشارع، ومع ذلك فالموقف الفصائلي تأثر بعدة عوامل أهمها:
-وجود أكثر من 600 ألف فلسطيني في سوريا، والرغبة في عدم تحمل مسؤولية زجهم في الحراك وما قد ينتج عنه من خلال استحضار تجارب سابقة في أكثر من مكان.
-العلاقة التاريخية سياسياً التي ربطت الفصائل الفلسطينية بالنظام السوري خصوصاً فصائل المقاومة.
-ضغط الدم الكبير في الشارع السوري والقمع الذي مارسته الأجهزة الأمنية، فكان هذا معيار مهم في عدم اتخاذ مواقف داعمة للنظام بشكل واضح.
-مزاج الشارع الفلسطيني في الداخل والخارج الذي سار باتجاه رفض الحل الأمني بالمطلق.
ربما سيكون من المهم النظر إلى موقف الفصيلين الكبيرين في المعادلة الفلسطينية، واللذين ارتبطا بعلاقة متناقضة مع النظام نسبياً وهما فتح وحماس، فالموقف بينهما من الحراك يكاد يتقارب بالشكل العام، وهو ما يؤكد أن الموقف مرتبط باعتبارات سياسية فلسطينية وبالعوامل آنفة الذكر، وليست مرتبطة بتحالفات خارجبة أو داخلية، كما حاول البعض أن يصورها.
الخلاصة أن موقف الفصائل المعلن مأزوم إلى حدٍ ما لاعتبارات موضوعية، وهو ما انعكس سلباً على أداء مؤسساتها ووسائل إعلامها وغيابها عن الحدث.
-هل من كلمة؟
كنا دوماً نقول أن فلسطين هي وطننا الأول، اليوم نقول أن سوريا هي وطننا ما قبل الأول، هذا مثبت تاريخياً وجغرافياً، واليوم هو مثبت سياسياً، التحولات في سوريا هي تحولات إقليمية وربما هي دولية في نظر كثيرين، والقضية الفلسطينية متأثرة مباشرة بتحولين مصيريين دوماً في المنطقة سوري ومصري، وبغض النظر عن المستقبل واحتمالاته، فإن الفلسطينيين لن يستطيعوا رؤية سوريا سوى سوريا حاضنة للقضية الفلسطينية.
التعليقات