رفض بلدة بني وليد الإنضمام إلى الثورة الشعبية ضد العقيد الليبي الراحل معمّر القذافي، تسبب في وصم سكانها على أنهم من quot;الموالين للنظامquot;، مما يجعلهم على هامش ليبيا الجديدة.


عسكري ليبي من الزنتان يحرس نقطة في الصحراء قرب الحدود مع بني وليد

لميس فرحات: في أيلول/ سبتمبر الماضي، كان مقاتل شاب يدعى فوزي يقف بالقرب من القصر الذي بناه القذافي في المدينة quot;كمقر يمضي فيه العطلاتquot; ليأخذ صورة له، عندما انهار البناء فجأة ليتحول إلى سحابة من الغبار. quot;حلف شمال الأطلسي هو الذي دمّر بيتيquot;، يقول المقاتل الشاب، مضيفاً: quot;لم نكن نستطيع رؤية الصواريخ. كنا نسمعها فقط.

قبل ثمانية أشهر، كان فوزي يشارك في الإحتجاجات في الشارع ضد معمّر القذافي. لكن في غضون أسابيع، تحوّل إلى مقاتل يحارب النظام.
في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; إلى أن رحلة هذا الشاب توضح الولاءات المعقدة خلال الحرب الأهلية في ليبيا، والتحدي، المتمثل في تحقيق المصالحة بين هؤلاء الذين ساندوا الثورة وهؤلاء الذين وقفوا ضدها. اليوم كلا الجانبين يعبّران عن مشاعر التعرض للخيانة.

دعا تحالف الأحزاب التي فازت ليبيا في أول عملية انتخابية في مرحلة ما بعد القذافي إلى توحيد الليبيين، فيما لقيت هذه الدعوة ترحيباً حاراً من العديد من الدول. لكن الكثير من الليبيين لا يثقون بأولئك الذين ناصروا القذافي خلال حرب العام الماضي، الأمر الذي يعني أن الانقسامات لا تزال قائمة، كما إنها تقوّض التقدم الذي قد تحرزه البلاد نحو بناء ديمقراطية مستقرة.

غالباً ما ينظر إلى بني وليد على أنها quot;مرتع الموالينquot;. وعلى الرغم من أن معظم السكان من الموالين، إلا أنهم يقولون إن الولاء القبلي والشعور بالاضطهاد هو الذي حفزهم على ذلك الموقف.

ونقلت الصحيفة عن مصطفى الفيتوري، وهو أكاديمي ولد في بني وليد ويعيش في بروكسل، قوله: quot;سكان هذه البلدة يملؤهم الكبرياء. محاولة كسر النظام بالقوة جعلتهم أكثر تردداً في دعم الثورةquot;.

تاريخ من تحدي السيطرة
مدينة بني وليد، التي تقع على بعد 75 ميلاً إلى الجنوب الشرقي من طرابلس، صغيرة المساحة، إنما مهمة للغاية، لأنها كانت موطن قبيلة quot;ورفلةquot;. منذ قرنين من الزمان، وجد الرحالة الإنكليزي جورج ليون منازل متواضعة تعانق نهراً موسمياً، وسكانها فقراء للغاية. وكتب: quot;كانوا مجموعة من الرجال الشجعان الذين تحدوا الحكومة في طرابلسquot;.

في عام 1993، حاول ضباط quot;ورفلةquot; في الجيش الليبي تنفيذ انقلاب ضد القذافي، وحكم على العديد منهم بالإعدام. أما اليوم، فيشعر السكان في بني وليد بالمرارة حينما يسمعون إخوانهم في ليبيا يقولون إنهم تخلوا عنهم.

عندما اندلعت الثورة في شباط/فبراير 2011، كانت استجابة بني وليد مختلطة. انضم فوزي إلى الاحتجاجات ضد القذافي، فيما أصرّ شقيقه على المحاربة مع النظام، فكان كل واحد منهم في جبهة ضد الآخر.

لكن بعد أيام، أثناء زيارته لطرابلس، يقول فوزي إنه شاهد الشرطة تقبض على أشخاص يحملون أكياساً من الحبوب، في الوقت الذي اتهم فيه القذافي المتمردين بتعاطي المخدرات، فانضم بسرعة إلى ميليشيا يقودها سعدي القذافي، نجل الزعيم الليبي السابق.

خارج بنغازي، صدم الشاب برؤية الطائرات تقصف معاقل النظام في الغارات الجوية التي نفذها حلف شمال الأطلسي، فمان كان منه إلا أن استدار، وعاد إلى منزله منسحباً من الميليشيا.

في بني وليد، تصادمت ميليشيا متمردة محلية مع السكان في أيار/مايو 2011، مما أسفر عن مقتل أشخاص عدة قبل أن تغادر المدينة، وفقاً لما يقوله مفتاح جبارة، أستاذ القانون في بني وليد.

مقاتلو المجلس الوطني في بني وليد

بعد انهيار نظام القذافي في آب/أغسطس الماضي، حاصرت الميليشيات المتمردة بني وليد، التي تعرّضت أيضاً للقصف جراء الغارات الجوية التي نفذها حلف شمال الأطلسي، وسط تقارير تفيد بأن نجل الرئيس المخلوع، سيف الإسلام القذافي، كان مختبئاً هناك. وقال جبارة: quot;حلف شمال الأطلسي فتح الباب للثوار، وساعدهم على تنفيذ معاركهم، متناسياً أن مهمته محددة، وتنص أيضاً على حماية المدنيينquot;.

سمعة سيئة
سقطت المدينة في أكتوبر/تشرين الأول 2011، فتم نهب العديد من المنازل من قبل الميليشيات المتمردة، وفقاً لجبارة. وفي يناير/كانون الثاني الماضي اعتقل ثوار من quot;كتيبة شهداء 28 مايوquot; رجلاً يدعى محمد شلبتا، لأسباب لا تزال غامضة، أثارت تبادل لإطلاق النار. وقتل أشخاص عدة على الأثر، فتم طرد الكتيبة خارج المدينة. وصوّرت وسائل الإعلام في البداية الحادث على أنه تمرد لمؤيدي للقذافي، ما ساهم في تعزيز الصورة التي توصم بها مدينة بني وليد.

quot;تلك الصورة لديها جذور قديمةquot;، يقول الفيتوري، مشيراً إلى أن quot;القذافي جلب الكثير منهم إلى الأجهزة الأمنية بهدف كسب تأييد القبيلة. أما اليوم، فقد أدى ذلك إلى جعل بني وليد بمثابة هدفquot;.

quot;الجميع يريد التغيير. لكنني أردت ذلك من خلال الحوارquot;، يقول أحمد أبو صلاح (26 عاماً) الذي قضى فترة الحرب يعمل في مقهى. وأضاف quot;لقد كانت الإصلاحات من القذافي أفضل من الأسلحة والميليشيات التي لدينا اليومquot;.

واعتبرت الصحيفة أن العلاقات مع السلطات المؤقتة هشّة في أحسن الأحوال، مشيرة إلى أن نفوذ طرابلس على بني وليد محدود، والدليل هو أنه تم اعتقال اثنين من الصحافيين من مصراتة في الشهر الماضي في بني وليد، والرجال من بلدة جادو - توسطوا للإفراج عنهم - وليسوا من الحكومة.

القصر الذي بناه القذافي لقضاء العطلات في مدينة بني وليد تحول الآن إلى كومة من الحطام، وبعض الجدرات التي زينت بكتابات ورسومات ثورية. البعض منها مؤيدة للقذافي، والأخرى معارضة له. لكن خلاف ذلك، فإن علامات الولاء شحيحة في بني وليد.