عن الأوضاع الصعبة التي يواجهها المسيحيون السوريون في الوقت الراهن على خلفية الأحداث المتعاقبة التي تشهدها بلادهم، مع استمرار تصاعد حدة المواجهة بين نظام الرئيس بشار الأسد والثوار، بدأت تقارير صحافية أميركية تتساءل عن المصير الذي ينتظر هؤلاء، ومدى إمكانية بقائهم في بلادهم من دون الاضطرار للرحيل.


سورية تمسك بنسخة من المصحف وصورة لرموز مسيحية في تظاهرة سابقة في دمشق

أشرف أبوجلالة من القاهرة: أوردت اليوم صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن راهبة من داخل إحدى الكنائس قولها: quot;ما نواجهه ليس أمراً هيناً. وكل ما نريده هو أن يتوقف القتالquot;.

ثم مضت الصحيفة تتحدث عن مدى وثاقة العلاقة بين سوريا والديانة المسيحية، معتبرةً إياها من الأماكن القليلة حول العالم، التي تحظى بمثل هذه الصلة الوطيدة بالمسيحية.

وأضافت أن سوريا تستضيف حالياً مجتمعات حالية من طوائف قديمة عدة: الأرثوذكس السوريون والكاثوليك السوريون والأرثوذكس اليونانيون والكاثوليك اليونانيون والأرثوذكس الأرمن. لكن الفئات المسيحية في سوريا تتعرّض لاختبار غاية في الصرامة من جانب الانتفاضة المشتعلة في البلاد منذ أكثر من عام. ويتخوف كثيرون منهم الآن من التداعيات التي قد تنجم من انهيار نظام الرئيس الأسد.

مع هذا، رأت ستريت جورنال أن هذا التخوف هو تخوف غريب في كثير من الجوانب، مبررةً ذلك بأن المسيحيين والمسلمين كانوا يعيشون إلى جانب بعضهم البعض خلال فترة حكم عائلة الأسد، التي استمرت على مدار عقود.

ومن الناحية التاريخية، سبق للجماعات المسيحية المحلية أن رحّبت في بعض الأحيان بالأسياد المسلمين حين حرروهم من حكم القسطنطينية أو من حكم روما. ومازال يتواصل كلا الطرفين مع بعضهما البعض في كثير من الأماكن حتى الآن. كما بدأ يتحدث المتشددون في صفوف الثوار عن أنهم لن يفعلواشيئًا خطأ بحق المسيحيين.

لكن مع ميل الصراع الحاصل في البلاد صوب الإيحاءات الطائفية، في الوقت الذي بدأ فيه المسيحيون يتوحدون بشكل كبير مع النظام أو يرفضون على الأقل إبداء الاعتراض عليه، فإنهم بدأوا يتعرّضون لضغوط شديدة نتيجة الظروف الصعبة التي يواجهونها.

ومضت الصحيفة تنقل عن إسادوري بطيخة، الذي كان يشغل حتى عام 2010 منصب رئيس أساقفة حمص وحماه ويبرود لكنيسة الملكيين الكاثوليك اليونانية، قوله: quot;كنا نعيش حياة موضع حسد كثيرين. لكن الخوف تحول الآن إلى واقعquot;. ونوهت الصحيفة من جهتها بأن بطيخة يعتبر واحداً من أبرز مؤيدي الرئيس الأسد في التسلسل الهرمي للكنيسة المسيحية، وأعقبت بتأكيدها على الدور المهم الذي لعبه التاريخ والدين في إثارة عواطف المسيحيين والمسلمين منذ بدء الصراع في سوريا.

وأشارت الصحيفة إلى أن الثوار سهّلوا على النظام إمكانية اللعب على وتر مثل هذه المخاوف، من خلال بعض الأفعال التي أوحت بأن الصراع القائم مبني على أسس طائفية.

غير أن الصحيفة أكدت أن الهدف الرئيس لمعظم الثوار ذوي الفكر الطائفي، ليس المسيحيين، وإنما هو العلويون، الطائفة التي تنتمي إليها عائلة الأسد. مع هذا، يخشى كثير من المسيحيين من أن تخضع أي حكومة تحلّ محل نظام الأسد لهيمنة جماعات، مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي قد تحولهم مرة أخرى ليصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية.

مسيحيو سوريا والخوف من المصير العراقي والمصري

كما إنهم قلقون من احتمالية تعرّض مجتمعاتهم لحالة من الدمار، في ظل عملية تبادل إطلاق النار بين المسلحين السنّة والنظام العلوي المسلح تسليحاً جيداً، على غرار ما حدث مع المسيحيين في الجارة العراق نتيجة الحروب الطائفية التي اندلعت هناك.

أعقبت الصحيفة بنقلها عن الأب باولو دالوليو، وهو كاهن يسوعي إيطالي، سبق له العيش في سوريا على مدار ثلاثة عقود، قبل أن يطرده النظام في شهر حزيران/ يونيو الماضي، قوله: quot;يرتبط كثير من أعضاء الكنيسة بعلاقات طويلة الأمد مع النظام وأجهزة المخابرات، وهي العلاقات التي تشكل مواقفهم الآن. وذلك في الوقت الذي يرى فيه الكثير من المسيحيين في سوريا أنه لا يوجد بديل من نظام الرئيس بشار الأسدquot;.

بينما يحاول بعض المسيحيين أن يسدوا تلك الفجوة، وذلك من خلال المساعي التي يبذلونها من أجل التواصل مع المعارضة والثوار، أو تجاوز الفجوة الطائفية على الأقل، التي تفصل بينهم على نحو متزايد. وأشار في هذا الصدد الأب نورس سمور، الذي يبلغ من العمر 44 عاماً، ويقيم في حلب، ويدير برنامج إغاثة وطني، إلى أنه، ومن خلال التواصل وتجاوز الخلافات الدينية، سيضمن المسيحيون بقاءهم النشط هناك.

وتابع حديثه بالقول: quot;لكنني أدرك التحديات، وأتفهم كذلك مخاوف المسيحيين. ويمكنكم النظر إلى العراق وإلى مصر، والاستماع لدول الجوار هذه، بعدما حدثت فيها اضطرابات سياسية، وحلّ التيار الإسلامي محلّ نظام حكم استبدادي، وسترون ما حدث للمسيحيين هناك. لكننا مطالبون، على الرغم من ذلك، بأن نبني جسوراً للتقاربquot;.