حيلة ذكية لجأ إليها رجل أعمال صيني متخصص في صناعة لعب الأطفال، بعدما بعث أخيرًا برسالة عبر البريد الإلكتروني لمصنع يوجد مقره في سياتل في الولايات المتحدة، يطلب فيها الحصول على شحنة من الفولاذ منخفض الكربون (وهو سبيكة قوية للغاية تستخدم في تصنيع الصواريخ)، وما أثار الريبة من حوله هو أنه لم يتوقف كثيراً عند السعر، وأنه كان كثير الإلحاح على فرض سياج من السرية حول الصفقة.


المعدن كان في طريقه لدعم لأجهزة الطرد المركزي المتطورة في برنامج إيران النووي

أشرف أبو جلالة من القاهرة: تم الكشف خلال الأشهر القليلة الماضية عن كامل تفاصيل الموضوع، حيث تبين أن المقصد الأخير لهذا النوع الخاص من الفولاذ ليس الصين، بل إيران، وأن تلك الشحنة ليس لها أية علاقة من قريب أو من بعيد بتلك الأحصنة التي تصنع كلعب للأطفال.

في هذا السياق، أوردت اليوم صحيفة quot;واشنطن بوستquot; الأميركية عن أحد مسؤولي إنفاذ القانون المطلعين على القضية، قوله: quot;نحن متأكدون من أن هذا المعدن كان في طريقه لدعم لأجهزة الطرد المركزي المتطورة في برنامج إيران النوويquot;.

وكانت وزارة العدل الأميركية قد أعلنت في الشهر الماضي عن لائحة اتهام ضد شخصين، أحدهما صيني والآخر إيراني، على خلفية تآمرهما للحصول على الفولاذ منخفض الكربون وتقنيات أميركية محظورة أخرى. وأوضح في هذا الصدد مسؤولون أميركيون أن القضية تعد جزءًا من جهود كبيرة تبذلها إيران لزيادة قدرتها على تخصيب اليورانيوم بشكل كبير، مع وجود شركات صينية متأهبة لتقديم يد العون.

وأعقبت الصحيفة بقولها إن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين قاموا بفرض عقوبات متصاعدة تهدف إلى منع وصول إيران إلى التكنولوجيا الحساسة ومواد أخرى محظورة ضرورية بالنسبة إلى برنامجها النووي وإلى الحدّ من قدرتها على الوصول إلى سوق النفط العالمية. والهدف من وراء ذلك هو منع تقدم إيران تجاه ما يعتقد الغرب أنها ترسانة نووية، حتى في الوقت الذي تؤكد فيه إيران سلمية برنامجها.

من الجدير ذكره أن الفولاذ منخفض الكربون يعتبر من المواد الأساسية في جهاز الطرد المركزي الجديد عالي الفعالية التي كافحت إيران على مدار سنوات من أجل تطويره.

نتيجة لتسبب العقوبات بالحيلولة دون تمكينها من شراء تلك السبيكة بصورة شرعية، فقد سعى المسؤولون النوويون الإيرانيون سراً إلى الحصول على هذا النوع الخاص من الفولاذ من شركات غربية. وأوردت واشنطن بوست في هذا السياق عن مسؤولين أميركيين قولهم إن أعداداً متزايدةً من التجار الصينيين بدأوا يتطوعون خلال السنوات الأخيرة لتقديم المساعدة في هذا الشأن، من خلال قيامهم بدور الوسيط ضمن خطط مدروسة للحصول على الفولاذ ومواد محظورة أخرى لمصلحة محطات تخصيب اليورانيوم الإيرانية، وكذلك لمصلحة مصانع تطوير الصواريخ.

ومضت الصحيفة تنقل عن ستيف بيلاك، رئيس قسم مكافحة التجسس لدى وزارة العدل الأميركية، قوله: quot;هم لا يعثرون مصادفةً على الفرص. فهم وكلاء شراء وشحن محترفون. وهم يعملون على نحو الدقة نوعية نشاطهم وكيف لهم أن يمضوا فيهquot;.

وقضية سياتل هذه هي الرابعة على الأقل في آخر عامين، حيث سبق أن وجّهت اتهامات إلى شركات صينية بمحاولتها مساعدة إيران في محاولات شراء تكنولوجيا حساسة.

ورغم أن إيران كانت تستعين في السابق بوسطاء صينيين، إلا أن مسؤولين أميركيين قالوا إن العقوبات أجبرت الحكومة الإيرانية المعزولة والمحاصرة على الاعتماد بشكل متزايد على الصين للحصول على مساعدات اقتصادية والوصول للبضائع المحظورة.

وقال مسؤول كبير في وزارة العدل الأميركية رفض الإفصاح عن هويته، لأنه غير مخوّل له مناقشة التحقيقات الجارية: quot;في الوقت الذي انسحبت فيه بعض الدول من السوق الإيرانية عبر فرض عقوبات متزايدة، بدأ يظهر كثير من الشركات الصينيةquot;.

ورغم إشادة إدارة أوباما بالصين لخفضها وارداتها من النفط الإيراني خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن الصحيفة نوهت بأن العلاقات التجارية الثنائية بين طهران وبكين قد تزايدت على مدار العقد الماضي، من 2.5 مليار دولار عام 2000 إلى 29.3 مليار دولار عام 2010. وقال هنا مسؤولون أميركيون ومحللون مستقلون إن الزيادة تسببت بالتخفيف من حدة التأثيرات والتداعيات الخاصة بالعقوبات الدولية.

فيما أوضح مسؤولون أميركيون وخبراء نوويون أنه وعلى الرغم من تكرار موجات الاعتراض الأميركية، فإن رجال الأعمال الصينيين ما زالوا يواصلون تقديم المساعدات الأساسية لجهود الجلب الإيرانية من دون الخوف من تعرضهم للعقوبة أو اللوم.

عاود المحققون ليقولوا إن ربما الجانب الأكثر إثارة بشأن مؤامرة حصان اللعبة هو أنه قد تم الكشف عن كامل تفاصيلها، بعد ورود معلومات في أواخر العام 2008 من برنامج غامض خاص بوزارة الأمن الداخلي، انطوت على زيارات عدة للمصنع من جانب مسؤولين أميركيين لحمايته من النهب الأجنبي للتكنولوجيا الأميركية الحساسة.