رجل سوري يحمل طفلا مصابا جراء القصف على أعزاز

يتحدى السوريون القصف والنار باستمرارهم في ممارسة حياتهم العادية وإقامة حفلات الزواج والاحتفاء بالمواليد الجدد. لكنهم لا يشعرون بالفرح لا بحفلات الزفاف ولا حتى بالمواليد الجدد لأن فرح الولادة يقترن بغصة الموت.


أشارت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها من مدينة حلب السورية إلى أن الكثير من الآباء يسمون مواليدهم الجدد على أسماء أقاربهم الذين قضوا إما في المعارك أو تحت القصف.

ورغم لجوء عدد كبير من السوريين إلى البلدان المجاورة طلباً للأمان، إلا أن من بقي في الداخل السوري أكثر بكثير، وهؤلاء يحاولون دائماً حل المعادلة الصعبة: كيف السبيل للموازنة بين الرغبة في الحياة الطبيعية وشرور الحرب؟

رامز عبد الله (25 عاماً) أراد إلغاء حفل زواجه في كانون الأول الماضي (ديسمبر)، لأنه اعتقد أنه من غير المناسب إقامة حفل زفاف فيما يموت الناس في أنحاء سوريا، إلا أن العروس وعائلته أصرّا أن يقام الحفل.

ونقلت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن رامز قوله إن quot;الأزمة الاقتصادية بدأت بالتفاقم، والاحتفالات باتت غير مناسبة مع الأوضاع السورية. وأنا أفضل أن احتفظ بالنقود لأمر أهم، لعدم معرفتنا بما يخبئه المستقبل لنا، ومن الصعب أيضا أن نحتفل بزفافنا ومع وجود أعداد كبيرة من إخواننا القتلىquot;.

لكن خطيبته رفضت كلياً فكرة الاستغناء عن حفلة زفافها، مصممة على أن هذا اليوم الذي انتظرته طوال حياتها ولن يتكرر. وقام رامز بتلبية مطالب العروس والعائلة، إلا أن حفل الزفاف لم يتم بشكل طبيعي، حيث تعذر على أولئك الذين يسكنون خارج دمشق من العائلة والأصدقاء القدوم إلى العاصمة، بينما قاطع الحفل من يميل إلى رأي آخر مفاده بأنه من غير المناسب إقامة حفل زفاف وسط الحرب وسفك الدم.

وفي السياق نفسه، أصبحت الجامعات أيضاً أكثر صعوبة. إذ يقول طالب طب في جامعة دمشق، رفض الكشف عن اسمه، إن الفصول الدراسية غالبيتها مستمرة لكن التظاهرات والاشتباكات تزيد من صعوبة تركيز الطلاب على الدراسة.

ويضيف: quot;الدراسة تزداد صعوبة منذ اندلاع الثورة، لكن معظم الطلاب يضعون تحصيلهم العلمي في قمة أولوياتهم، لدرجة أن بعضهم يضعون حياتهم على المحك من أجل تقديم الامتحاناتquot;.

ونقلت الصحيفة عن أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية ملحم شاوول قوله إن الناس في الحروب يميلون إلى تقليص دائرة نشاطهم، كنوع من الانطواء الذاتي، مضيفاً: quot;يعيش الناس في دوائر أصغر من المعتاد، يلتقون الأشخاص أنفسهم، ويبقون بجوار طائفتهمquot;.

وأشارت الصحيفة إلى أن الحرب تشهد عادة انخفاضاً في عدد المواليد، لكن هذا لا ينطبق على الوضع في سوريا. وارتفاع حالات الولادة في الأشهر الأخيرة لا يعني أنها ارتبطت بمظاهر الفرحة والإحتفال، فهذه الحالات لم تكن سلسة وتتسم بفقدان الشعور بالسعادة.

وفوجئ أبو مصطفى بزوجته تعاني آلام المخاض في اليوم الذي وصل فيه القتال إلى حيهم، وغادر بسيارته مع زوجته وسط مئات السيارات المكتظة بالناس الباحثين عن ملجأ آمن.

ويضيف أبو مصطفى أن مدينته كانت مختلفة في ذلك اليوم عما كانت عليه في السابق: quot;رأيت الناس يغادرون منازلهم حاملين كل ما يحتاجونه من ملابس وبطانيات وطعام. حاولت الوصول لمستشفى الولادة في المدينة لكن لم يكن هناك مكان لزوجتي حيث إن المستشفى مشغول بالكاملquot;.

quot;كدت أفقد عقلي وأنا أسمع بكاء زوجتي من الألم ودعاء والدتي طالبة رحمة الله بنا. كنت أصرخ على موظفي المستشفى وهم يصرخون: إنها حرب، حرب!quot; يذكر أبو مصطفى بأسى. في النهاية اضطر إلى قيادة سيارته لساعات طويلة حتى يصل قرية أهل زوجته حيث انتظرتهم قابلة ساعدت أم مصطفى في ولادة أول طفل لها بعد معاناة طويلة.

وقال أبو مصطفى الذي سمى ابنه مصطفى تيمنا بأخ زوجته الذي قتل في ساحة المعركة: quot;هذه هي سوريا، قتل مصطفى وولد مصطفى جديد. إن معظم المواليد الجدد يسمون تيمناً بأولئك الذين قتلوا. ومهما يقتل النظام، فإننا مستعدون لتعويض من رحلوا بمواليد جددquot;.

وأوضحت الصحيفة أن معظم حالات الولادة تمت في ظروف غير ملائمة للنساء اللواتي يعانين عادة حالة نفسية صعبة أثناء الولادة، حيث وجدن أنفسهن في مستشفيات مليئة بجرحى المواجهات والدماء.

وكان يأمل العديد من السوريين في أوائل العام 2011 وسط موجة الربيع العربي بحدوث تغيير سريع يمهد الطريق أمام مزيج من التحدي والرهبة من العواقب المبهمة. ومع تباين الاوضاع في نفوس السوريين، لجأ الكثير منهم إلى الحدود التركية واللبنانية تاركين أحلامهم بالرجوع إلى سوريا معلقة، فيما أصر البعض الآخر على التعايش بالحزن والأسى والخوف وسط القتال.