يقول ناشطون ومحللون إن النظام السوري الذي طالما طرح نفسه حاميًا للاقليات، يصور نفسه اليوم على أنه ضحية خطر إسلامي متطرف، بهدف تحويل الانتفاضة الى حرب طائفية بين الجماعات الدينية السورية.


بيروت: يروي الناشط المسيحي ابو جاد أنه تعرض لشتى انواع التعذيب خلال اعتقاله لدى جهاز امني في سوريا لمدة شهرين لمجرد أنه انضم الى quot;الحراك الثوريquot; الذي يسعى النظام الى تقديمه، بحسب ناشطين وخبراء، على أنه حركة اسلامية ذات طابع طائفي.

الا أن ابو جاد، كما طلب أن يعرف عنه، يؤكد كغيره من الناشطين أن المشاركين في الاحتجاجات المستمرة منذ نحو 15 شهرًا ضد الرئيس السوري بشار الاسد ينتمون الى طوائف مختلفة. ويؤكد ناشطون أن النظام السوري يعامل كل المعتقلين من السنة وغيرهم بالقمع والعنف ذاته، ويعمل على الترويج لفكرة أن انتصار المحتجين سيعني تهديد وجود الاقليات بهدف نشر الخوف في صفوفها.

ويقول ابو جاد: quot;الجميع يتعرض للضرب خلال الاعتقال، وقد عاملوني بقسوة شديدةquot;. ويضيف: quot;وجهوا الشتائم لي والى الدين المسيحي، وضربوني بقوة على وشم الصليب على ذراعيquot;، موضحًا أنه اعتقل مع عدد من اصدقائه المسلمين حين كانوا يعلقون ملصقًا كتب عليه اقتباساً من الانجيل: quot;ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، بل بقليل من الكرامة والحريةquot;.

وثمانون في المئة من الشعب السوري البالغ عدده نحو 22 مليونًا هم من المسلمين السنة، بينما تبلغ نسبة الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الرئيس السوري بشار الاسد عشرة في المئة، ونسبة المسيحيين خمسة في المئة مقابل ثلاثة في المئة من الدروز وواحد في المئة من الاسماعيليين، احد فروع المذهب الشيعي، بحسب دراسة لمدير المركز الفرنسي للابحاث quot;غريموquot; فابريس بالانش، الخبير في الشؤون السورية.

ومنذ بدء الاحتجاجات في منتصف آذار/مارس 2011، شارك سكان مدينة السلمية في وسط البلاد وغالبيتهم من الاسماعيليين في العديد من التظاهرات المناهضة للنظام. ويقول الناشط اياد السلموني إن quot;احتجاجاتنا تدحض مزاعم النظام بأن الثورة سلفيةquot;.

ويوضح بيتر هارلينغ الذي يعمل على الملف السوري في مجموعة الازمات الدولية (انترناشونال كرايزيس غروب) التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، أن الدروز والمسيحيين منقسمون في الموقف ازاء الاحتجاجات المناهضة للنظام، بينما غالبية العلويين تدعم النظام.

وكثيرًا ما عبر رجال دين مسيحيون عن تأييدهم للنظام خلال الاشهر الاخيرة، أو على الاقل حذروا من الخطر الذي قد يواجهه المسيحيون في حال وصول اسلاميين الى السلطة. ويرى هارلينغ أن quot;النزاع اتخذ طابعًا مذهبيًا في وسط البلاد، حيث يعيش العلويون الى جانب جماعات طائفية أخرىquot;.

ويوضح أن احد اسباب ذلك هو أن quot;هيكلية الجهاز الامني وضعت بشكل يضمن بقاء السلطة الفعلية في أيدي العلويينquot;. ويلفت الى أن quot;اتخاذ الاحداث منحى دينيًا كان امرًا متوقعًاquot; مع تصاعد حدة اعمال العنف.

لكن على الرغم من ذلك، فإن الكثيرين داخل الاقليات في سوريا لا يقفون الى جانب النظام، لأنه فشل في تأمين الحلول للازمة. وتصف الناشطة الدرزية والصحافية منتهى الاطرش المقيمة في دمشق النزعة التقسيمية التي يحاول النظام زرعها بأنها quot;كارثيةquot;.

وتقول إن quot;النظام عمل جاهدًا على مدى عقود من اجل القضاء على حس المواطنة في سوريا، وهو يدفع الناس الآن للتفكير بطريقة مذهبيةquot;. وتضيف أن quot;المشاركين في الثورة ينجحون حتى الآن في مقاومة هذا الاتجاه، لكن الله وحده يعلم ما يمكن أن تصير عليه الامور لاحقًاquot;. ويقول ناشطون إن اشاعة الخوف ليست امرًا تقوم به وسائل الاعلام الحكومية فقط، لكنه يتجلى في التحركات العسكرية الميدانية ايضا.

وفي هذا السياق، يشير الناشط المسيحي سالم الذي تحدث الى فرانس برس عبر سكايب رافضًا اعطاء اسمه الحقيقي، الى أن القوات النظامية اقامت في بلدة القصير، في محافظة حمص في وسط البلاد، حاجزاً بالقرب من الكنيسة الرئيسية وquot;عمدوا الى اطلاق النار على كل من تجرأ على المرور بالقرب منهquot;.

ويوضح سالم أن العديد من سكان بلدته من غير المسلمين السنة يتعاطفون مع حركة الاحتجاجات ضد النظام، لكن معظمهم يخاف المجاهرة بآرائه. ويرى أن الناشطين من الاقليات الذين ينضمون للاحتجاجات quot;هم بمثابة شوكة في خاصرة النظام، لذا يخاف الناس مما سيحصل اذا تم اعتقالناquot;.

ويقول الكاتب والمخرج التلفزيوني فؤاد حميرة إن معظم العلويين الذين يعرفهم لم يتخلوا عن النظام. ويعلل حميرة، المنتمي الى الطائفة العلوية، ذلك بأنهم quot;يخافون من النظام ومن الاسلاميين على حد سواءquot;.

ويضيف: quot;في الوقت نفسه، فإن النظام بدوره إما منح العديد من العلويين النفوذ والسلطة وإما اقنعهم بأنه من الافضل لهم التمسك ببقاء النظامquot;. ويشدد على أنه سيبقى ملتزمًا بدعم quot;الثورةquot; لانه يريد أن quot;يعامل كمواطن وليس كعضو في هذا المذهب أو ذاكquot;.

ويرى حميرة أن quot;النظام يريد أن يعزز الرابط بين كل شخص وطائفته على حساب التفكير بالوطنquot;. ويضيف أن quot;النظام ومؤيديه يدعون أنهم ضحايا تهديد اسلامي، بينما الحقيقة هي انهم هم من يشكل تهديدًا بالنسبة لبقية الشعب السوريquot;.