منذ بروز الأحداث الطائفية في الازمة السورية يشهد العراق تراجعاً ملحوظاً في النزاع الطائفي، ودفع الخوف من العودة للحرب الطائفية بالعراقيين الى تجنّبها بسلوك سبل التلاحم والتقارب بينهم.


بغداد: يشعر أغلب العراقيين بأن المدّ الطائفي ينحسر من العراق، على عكس ما توقعه كثيرون من أن الأحداث الطائفية في سوريا ولبنان ودول أخرى سوف تؤجج نار الفتنة من جديد في العراق.

العراقيون الآن اكثر امناً

ويفيد استطلاع آراء العديد من العراقيين بأنهم باتوا واثقين من أن بلدهم اجتاز المحنة وكبح جماح الفتنة.

وتشير الكثير من الظواهر الاجتماعية والدينية الى مرحلة انفراج طائفي يعيشه العراق يرسي قواعد الأمن والاستقرار بصورة نهائية، ومن أهم هذه الظواهر بحسب رجل الدين توفيق الحسيني موائد الإفطار الجماعية العابرة لحدود الطائفة، وصلاة العيد المشتركة بين السنة والشيعة والتي حدثت في أكثر من مسجد وجامع، إضافة إلى مظاهر العيش المشترك لاسيما في المناطق المختلطة طائفيا.

انحسار التوجهات الطائفية

ويؤكد سرمد محمد من مدينة المحمودية ( 15 كلم جنوب بغداد) أن هناك انحسارا ليس في التوجهات الطائفية فحسب، بل حتى في التمايز المناطقي والجهوي.

ويبيّن محمد أن ما نسمعه من حوادث في وسائل الإعلام هو حالات نادرة تحدث في بعض المناطق ولا يمكن القياس عليها.

لكن كريم الجنابي الذي يسكن منطقة اليوسفية شمال مدينة بابل (100 كم جنوبي بغداد) يشير إلى أن منطقته التي شهدت أعمالا مسلحة على مدى أعوام لم تكن في يوم من الأيام منطقة تمايز طائفي حيث عاش السنة والشيعة الى جانب بعضهم منذ عقود، لكن الجماعات المسلحة التي قدمت الى المنطقة بعد عام 2003 تسببت بالكثير من أعمال القتل المروعة، لكن بعد القضاء على هذه الجماعات المسلحة عاد الوضع إلى ما هو عليه، ورجعت العوائل المهجرة الى بيوتها وبساتينها.

ويروي الجنابي عن زواجات ناجحة تمت في الأشهر القليلة الماضية بين سنة شيعة.

ويتابع: quot;مناسبات الأفراح والمآتم والفواتح ينظمها ويحضرها أهالي العشائر من السنة والشيعة ولاسيما أن هذه المناطق تتسم بتنوّعها المذهبي، لكن يجمعها الوطن والمواطنةquot;.

ويقول سعد الكلابي، أحد الوجوه العشائرية في منطقة اليوسفية ان الفتنة الطائفية حدث عابر وظاهرة دخيلة، بعدما نجحت العشائر بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من طرد العناصر الغريبة، مؤكدا ان العشائر تعاهدت في ما بينها على احترام الثوابت والمبادئ.

الاختلاف والتنوع

العراقيون استفادوا من التجربة السورية

الباحث الاجتماعي سعد الياسري يوضح أن الظاهرة اللافتة بين العراقيين انهم بدأوا يدركون أن الاختلاف والتنوع في وجهات النظر السياسية وكذلك الاختلافات في المعتقدات الدينية يجب أن لا يتحول الى تنافر واقتتال.

ويضيف: quot;العراقيون اليوم أكثر واقعية، وينظرون الى التعددية الطائفية والمذهبية والمناطقية على أنها إثراء للمجتمعquot;.

وكانت تقارير أشارت الى قلق لدى بعض الساسة والمواطنين العراقيين من ان تؤثر الطبيعة الطائفية للاشتباكات في سوريا منذ ما يقارب 17 شهرا على السلم الأهلي في العراق.

ويقول ضابط الشرطة كامل حسن ان مفهوم (خطوط التماس الطائفية ) انحسرت من القاموس العسكري الذي تتداوله الشرطة والذي بموجبه أقيمت الكثير من الحواجز التي تفضل بين المناطق المختلفة مذهبيا وطائفيا.

وبحسب رعد كامل الطالب الجامعي والناشط الرقمي على موقع التواصل الاجتماعي، فإن أكثر الخطابات الطائفية على مواقع التواصل تلقى استهجانا من العراقيين وينظرون اليها على انها لم تعد تؤثر في مسيرة التوافق الاجتماعي والمذهبي في البلاد.

ويتابع: quot;البعض يقرأ خطابات تحريضية هنا وهناك، بدافع تحقيق نتائج على الأرض عبر نشر الإشاعات الا ان مصيرها الفشلquot;.

وكانت الجماعات المسلحة والطافية نجحت عبر سنوات في استخدام الشبكة العنكبوتية للقيام بأعمال تحريضية وحققت بعض النجاحات بعد العام 2003.

تحريض على العنف والفتنة

ويرى الباحث الاجتماعي احمد الخزرجى أن هناك معلومات مسيئة للسلم الأهلي تنشر في بعض المواقع تحريضا على العنف والفتنة، كما ان هناك من يحاول استغلال أجواء الديمقراطية لتمرير أهدافه.

وتوضح تقارير وزارة الهجرة والمهجرين العراقية الى أن مئات الاسر عادت الى مناطقها التي هجرتها إبان فترة العنف الطائفي.

ويشير سعد حسن من الدورة في بغداد الى ان اللعب بنار الفتنة الطائفية، لم يعد ذا فائدة لمن يروج له، مؤكدا ان منطقة الدورة تعيش اليوم أجواء سلم بعدما حاول مسلحون السيطرة عليها وتمرير مخططات طائفية طيلة سنوات.

ويعتبر حسن ان المنطقة شأنها شأن مناطق أخرى متنوعة مذهبيا، انحسر فيها الفرز على أساس طائفي أو مذهبي، وان ما حدث في السنوات السابقة كان حالة طارئة فرضتها ظروف معينة.

لكن الأكاديمي علي صاحب من جامعة بابل، يرى أن المنطقة تعيش أجواء تصعيد طائفي وان البعض يعول على امتداد التصعيد الى العراق من جديد.

ففي سوريا ولبنان ومصر وحتى تونس فان هناك أصواتا طائفية ترتفع، ويأمل مروجوها صدى لها في العراق ايضا.

ويتابع: quot; رغم ما نراه من نزاعات بين سلفيين متشددين في الدول المجاورة وبين اتباع مذاهب أخرى الى ان الوضع في العراق يخلو من هذه الظواهر السلبيةquot;.

حوادث بعيدة عن العراق

وتشهد المنطقة برمتها الكثير من التجاذبات المذهبية آخرها ما حدث في مدينة بنزرت (60 كيلومتراً شمال تونس العاصمة) عندما تم بقوة العصي والهروات، منع مهرجان لنصرة القدس شارك فيه المعتقل اللبناني السابق في السجون الإسرائيلية سمير القنطار.

ويقول صاحب: quot; رغم ان هذه الحوادث بعيدة جغرافيا عن العراق، لكنها قريبة في معناها وتنال استهجان العراقيين سنة وشيعةquot;.

وبلغت أوج صور التكاتف الطائفي في عيد الفطر الأخير حين أقام أفراد من الشيعة والسنة في بابل، صلاة عيد مشتركة.

ويقول رجل الدين حسين الكاظمي في بغداد انه اقام إفطارا جماعيا حضره ابناء السنة والشيعة في بيته.

ويتابع الكاظمي الذي يزور محافظة بابل حيث توجد الكثير من المراقد المقدسة، ان هناك تآخيا سنيا شيعيا، يتعزز بصورة اكبر في المجتمع.