أطباء العراق يعانونمشكلة الاعتداء المتكرر عليهم

يتعرض الأطباء في العراق لاعتداءات متكررة، تتسبب بهجرة بعضهم، وتخفي الآخرين، إلا أن البعض منهم بقي يمارس عمله وترافقه هواجس الخوف. إلى جانب ذلك يعاني أطباء العراق نقصا في المستلزمات الأساسية الى جانب عملهم لساعات طويلة ما يتطلب إقرار قوانين تحميهم.


بغداد: أثارت قضية الاعتداء على طبيب الرأي العام العراقي، وأعرب عدد من الأطباء عن استيائهم من هذه الظاهرة المتكررة التي لا يجد لها أحد حلولا ناجعة، مؤكدين أن مثل هذه الاعتداءات تجبر الأطباء على مغادرة العراق او السفر الى كردستان للعمل والاقامة هناك، او ترك المهنة نهائيا، ووصف أطباء هذه الحوادث بأنها اعتداء سافر وصارخ ضد مهنة إنسانية عظيمة، مطالبين الحكومة ووزارة الصحة بالحد من تكرار هذه الحوادث التي تمثل إهانة كبيرة للطبيب وللكوادر الطبية.

فقد أعرب اتحاد أطباء العراق عن أسفه لتعرض أحد أطبائه العاملين في مستشفى ابن الكندي في بغداد الى اعتداء تسبب بأضرار جسدية ونفسية، من قبل شقيق مريض توفي نتيجة لتدهور حالته الصحية التي لم يستطع الأطباء مداواتها، مؤكدا ان هناك ضحايا مستقبليين ان لم تتم معالجة الامور بشكل صحيح، مؤكدا أن المنظومة الصحية العراقية بحاجة الى إعادة النظر والتطوير والارتقاء بنوعية وكمية الخدمة الصحية المقدمة الى المواطن العراقي، وهذا يحتاج الى جهد تشريعي وتنفيذي ومتابعة من قبل جميع الأطراف.

وقال إتحاد أطباء العراق بالتضامن مع المرصد العراقي للاعتداء على الأطباء، شارحا الحادثة التي تعرض لها طبيب في أحد مستشفيات بغداد يوم الاثنين 20 / 8 / 2012 : ان (مريضا شابا مصابا بداء السكر وفي حالة اغماء سكري DKA ، يدخل عن طريق الطوارئ الى الردهة (في مستشفى الكندي التعليمي)، يحاول طبيب الردهة معالجة المريض ومتابعته باعطائه جرعا متعددة من الانسولين، لكن حالة المريض تتدهور وتسوء باستمرار، الفريق الطبي المكون من الجراح والمقيم الاقدم غائبان عن المتابعة، والمسؤولية توكل فقط بالمقيم الدوري، مات المريض، فقام أحد أخوة المريض بتكسير جهاز الانعاش DC shock، وقام بضرب الطبيب بعدة لكمات (وفي يده خاتم - محبس - كبير ) ما أدى الى كدمة متورمة على جبهة طبيب الردهة (كما توضح الصورة) وتم توقيف المعتدي من قبل الشرطة، فحاول ذووه الآن حل المسألة عشائريا.

وتابع: إدارة المستشفى ودائرة صحة الرصافة مسؤولتان ومطالبتان بتطبيق تعليمات الوكيل الاداري لوزير الصحة بتقديم دعويين الاولى شخصية للطبيب والاخرى للمؤسسة الصحية، وزارة الصحة ودائرة صحة الرصافة وادارة المستشفى مطالبة بفتح تحقيق فوري بأسباب وفاة المريض الشاب، وعدم الاكتفاء بتوجيه عقوبات فقط (كما هو الحال دائما ..البحث عن كبش فداء) وانما إجراء الاتي :

1- الاعلان في وسائل الاعلام عن نتائج التحقيق (ولا تبقى النتائج في أدراج المكاتب).
2- تحديد المسؤول الحقيقي عن سوء الادارة الصحية في المستشفى، والتي تسببت بموت المريض وليس الاكتفاء بمعاقبة من يمكن معاقبته فقط ...لأن السبب الذي أدى الى هذه النتيجة من الممكن ان ينتج ضحايا مستقبليين، مؤكدين تحمل المؤسسة الصحية مسؤوليتها الكاملة.

3- يؤكد اتحاد أطباء العراق من جديد ضرورة وجود توصيف (إجراءات وآليات rocessessamp;procedure في مستشفياتنا لمثل هذه الحالات لمعرفة موضع التقصير.

4 - مع رفضنا الشديد للتصرف الذي قام به اخو المتوفى رحمه الله ..وتأكيدنا على ضرورة المعاقبة والحساب، الا اننا نقدم لذوي المتوفى التعازي بفقدان ابنهم وحقهم في المطالبة بتحقيق عادل وشفاف ومنصف بالقضية .

وفي هذا الصدد قال الدكتور صلاح الحداد، أمين سر اتحاد أطباء العراق في حديث لـ (ايلاف) : نحن في الاتحاد، وبسبب تكرار حالات الاعتداء على الأطباء وأطباء الاسنان والمنتسبين الصحيين، في مختلف أنحاء البلاد، اسسنا مرصدا لحالات الاعتداء على الأطباء.

عام 2011 كان لدينا أكثر من 32 حالة اعتداء في عموم العراق، ليس اعتداء باللفظ والكلام، وإنما اعتداء بالضرب والركل والصفع، وفي عام 2012 وحتى الآن ونحن في الشهر الثامن لدينا أكثر من 25 حالة اعتداء، وفي كل مرة نرسل بيانا وخطابا الى لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب، ونستطيع أحيانا الاتصال بأحد مسؤولي الوزارة لابلاغه واحيانا لا، ومرات كثيرة استجابت رئيسة لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب الدكتورة لقاء ال ياسين المحترمة لشكوانا، اما باقي الأعضاء فليسوا مهتمين، كذلك الوزارة لم تبد الاهتمام الكافي.

في بعض الحالات، كنت اتصل ب د.لقاء ال ياسين التي تتصل بدورها بمدير الدائرة الصحية التي يحصل فيها الاعتداء وتطلب منه الاهتمام بالموضوع، وطبعا لجنة الصحة والبيئة اقترحت قانون حماية الأطباء الذي لم يقر القانون، وفي الندوة التي عقدتها لجنة الصحة والبيئة والتي استضيف الاتحاد فيها بيّنا وجهة نظرنا بمسودة هذا القانون الهزيل، قانون حماية الأطباء قانون غير ناضج ويعالج النتيجة وليس السبب، وهو يحتوي على نصوص كثيرة تتعارض مع قانون العقوبات العراقي ..لذلك لا يمكن تطبيقه عمليا.

وأضاف أن المشكلة الرئيسة من وجهة نظر الاتحاد تتركز في فرعين، الأول: النظام الصحي والإدارات الصحية الفاشلة في المراكز والمستشفيات التي لم تستطع الارتقاء بنوعية وكمية الخدمة الصحية المقدمة للمواطن العراقي.

طبيب عراقي تعرض للضرب

المواطن العراقي الذي يشعر بالذل والاهمال عند مراجعة اي مؤسسة صحية عامة، حتى القطاع الخاص لا يلبي الطموح على الرغم من ارتفاع الاجور، وعدم وجود تشريعات صحية متقدمة، هل تعلم يا سيدي الفاضل أن العراق لم يشرع فيه قانون للخدمة الصحية منذ 1947 ، في ذلك العام شرع قانون الخدمة الصحية، ومنذ ذلك الوقت أي اكثر من 70 سنة، نحن نعمل في قوانين مجزوة ومتخلفة وقديمة.

اما الفرع الثاني فيتمثل في عدم توفير حماية جيدة للمستشفيات والاعتماد على شرطة ال FBS والتي هي قوة اقرب الى المليشيات منها الى قوة منضبطة عسكرية، إنهم متطفلون وسماسرة ويختفون عند الحاجة اليهم، كل ذلك بسبب عدم تطبيق القوانين والتعليمات ضد من يعتدي على الطبيب من قبل ادارة المستشفى اولا، ومن قبل مراكز الشرطة، حيث يتم دائما الضغط على الطبيب المعتدى عليه لكي يتنازل وفق أصول عشائرية وقبلية، ما يدفع بالمعتدي إلى الاستخفاف بالمؤسسة الصحية، إضافة الى القوانين المتخلفة التي شرعت في وقت الحرب والحصار، والتي لم يتقدم اي مشرع لحد الآن بمشروع لتحديثها وتطويرها .

وتابع أن الاعتداءات سببت الهجرة الى اقليم كردستان، حيث ذهب الى هناك خلال أقل من سنة 8 اطباء، او الهجرة الى خارج العراق وقد فعل ذلك 3 اطباء، اما ترك العمل فلدينا تقريبا طبيبان تركا المهنة بسبب الاعتداء عليهما بالضرب، وهما الان يبحثان عن فرصة عمل داخل او خارج العراق .

وختم حديثه بالقول: إن المنظومة الصحية العراقية بحاجة الى إعادة النظر والتطوير والإرتقاء بنوعية وكمية الخدمة الصحية المقدمة الى المواطن العراقي، وهذا يحتاج الى جهد تشريعي وجهد تنفيذي وجهد متابعة من قبل كل الأطراف .

واعرب الطبيب اياد اسماعيل عن أسفه للحال الذي وصلت إليه الاعتداءات على الأطباء، وقال: ليس بغريب ان نسمع عن حادثة اعتداء على طبيب، فهي حلقة من حلقات مسلسل طويل، والغريب أن الحلول غائبة فيما الكوادر الطبية تتعرض للأذى ويتم اسكاتها من قبل أهل المريض، نسمع يوميا عن اعتداء، وليس هذا فقط بل أصبح التدخل العشائري في المهنة غريبا جدا، فأي ضرر يلحق بالمريض يتحمله الطبيب، وهناك من يريد من الطبيب أن يقوم بمعجزة لشفاء المريض مهما كانت حالته المرضية، وهذا غير صحيح، أنا لا اقول لك إن الطبيب لا يخطئ، بل هو إنسان قبل أي شيء ولكن الخطأ الكبير هو تعرضه للضرب والاهانة، وكان على أهل المريض اللجوء الى القانون لمعرفة اذا ما كان الطبيب سببا مباشرا في وفاة ابنهم ام لا، انا ضد ان يساء للدكتور أو إلى أي عنصر من الكادر الطبي لانهم لا يقصرون عمدا.

أما الطبيبة سيناء احمد فقالت: كلما أسمع عن اعتداء على طبيب أشعر بالخوف، وأحيانا انسى الكثير من واجباتي، أنا اشعر بالذل لمجرد التفكير في أن احدا ما سيضربني !!،فكيف يمكن الاعتداء على شخص محترم وصاحب مهنة عظيمة ويوصف بملاك الرحمة، نعم .. يضرب، للأسف هذه الظاهرة باتت جزءا من عمل المستشفيات وباتت تتكرر كثيرا في السنوات الأخيرة، وكنت أسمع أن هناك أطباء يخافون من الأعراف العشائرية ويدعون ربهم ألف مرة أن لا يموت المريض بين ايديهم، ولكن هذا امر رباني لا يمكننا ان نتحكم بالأعمار .

فيما قال طبيب، طلب عدم ذكر اسمه إن أسوأ ما يمكن أن نصل إليه هو الإعتداء على الأطباء، فهو أمر صارخ ومخز ومناف لكل القيم الانسانية والاعراف والتقاليد، نعم يخطئ الطبيب، ولكن سبحان من لا يخطئ، ولا اعتقد أنه خطأ فادح ويؤدي الى موت المريض، وإن حدث فنادرا جدا.

هل تعرف أن دوام الطبيب في العراق يصل الى 90 ساعة أسبوعيا فيما هو في دول العالم أقل من هذا بكثير، وهذه تعليمات وقوانين وزارة الصحة التي هي المسؤولة عن المشاكل الصحية في البلاد، فضلا عن الظروف المرعبة التي يعيشها الطبيب امنيا واجتماعيا، وهذه كلها تؤدي الى الاهمال احيانا، الا تعتقد ان الطبيب انسان وله عائلة ومشاكل وهموم، وان عدد ساعات العمل الطويلة تؤثرفي حالته النفسية والجسدية، فضلا عن أن عدد المرضى كبير بالمقارنة مع عدد الأطباء، وكما قال أحمد رحيم نائب المفتش العام، إن العراق يحتاج 60000 طبيب وفيه فقط 18000 طبيب لذا يجب علينا زيادة العدد وهذا يحتاج اولا تغيير قوانين عمل الطبيب مثلا عدد ساعات العمل وتوفير الأدوية والأجهزة التي تسهل عمله، والأهم توفير الحماية له قانونيا بالإضافة الى إعادة النظر بسلم الرواتب ومحاسبته، بعدها عن تواجده او عدم تواجده في المستشفى واهماله، ان الطبيب العراقي يتوقع ان يعتدى عليه ببساطة .