في ظل اتهامات بإعدامات مذهبية في العراق، ثمة جدال واسع بين شرائح المجتمع العراقي حول عقوبة الاعدام، فمن العراقيين من يطلب وقفها أو تأجيلها حتى صدور عفو عام، ومنهم من يتشدد طالبًا تنفيذها بلا تردد.


معتقلون عراقيون متهمون بجرائم إرهاب

عبد الجبار العتابي من بغداد: أكد عراقيون تحدثوا مع quot;ايلافquot; أن عقوبة الاعدام بحق الارهابيين والمجرمين والفاسدين هي حد الله، واقامتها مهمة انسانية ووطنية، لاسيما في الظرف الذي يعيشه العراق الآن، وقد عاث المجرمون في البلد فسادًا، واصبحت اعداد الضحايا الابرياء في تزايد طوال السنوات التسع الماضية، معبّرين عن املهم في أن تعلن الحكومة العراقية بصوت عالٍ هذه الاحكام أو حتى تبث صور هؤلاء القتلة على شاشات التلفزيون، عسى أن يكونوا عبرة للذين تسوّل لهم أنفسهم قتل الابرياء أو إحداث أضرار بالمال العام، واستنكرواالاصوات التي تطالب بإلغاء هذه العقوبة، فيما يرى البعض أن الكثير من الذين حكم عليهم بالاعدام كانوا ضحايا ظروف قاسية مر بها البلد، مشيرين الى ان العفو هو الطريق الامثل للمصالحة الوطنية ونسيان الماضي.

تأتي اصوات الجدل والنقاش بعد اعلان وزارة العدل العراقية عن تنفيذ احكام الاعدام بالعديد من الاشخاص الذين صدرت ضدهم احكام بهذه العقوبة، وهو ما دعا بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) الى أن تعرب عن قلقها من تنفيذ عقوبة الإعدام، داعية الحكومة العراقية إلى وقف تنفيذ تلك الأحكام، فيما طالبتها بالنظر في المواثيق الدولية التي تدعو إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وهو ما دفع البعض من السياسيين العراقيين برفض أو قبول هذه العقوبة.

فقد اكد المحامي عبد الرزاق محمد البياتي أن عقوبة الاعدام مسموح بها في القضاء العراقي، وتعتبر من اشد العقوبات التي تتخذ ضد المتهم بسبب خرقه للقوانين التي تسنها الدولة لحماية المواطنين، ورغم الحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية، لكن لاتزال عقوبة الاعدام سارية في قانون العقوبات العراقية.

واضاف: الظروف التي عاشها العراقمن انفجارات وعمليات ارهابية تحتم على القضاء العراق الإبقاء على عقوبة الاعدام من اجل ان تكون رادعًا قويًا للمجرمين، لكنني استغرب أن هذه العقوبة لم تكن رادعًا للمجرمين، وقد واصلوا جرائمهم، فكيف اذا ما تم الغاء العقوبة، فأعتقد أن الامر سيكون خطرًا جدًا، الارهاب في العراق لا بد أن يواجه بقوة القانون.

اما احمد الشرقاوي، موظف في وزارة الثقافة، فيرى أن الإعدام هو إحدى العقوبات التي تمارسها الدولة أو الحكومة لتنفيذ القصاص العادل بحق من قتل نفسًا بغير حق أو سلب حقًا أو اعتدى على احد اعتداء يستوجب أن يكون ضمن المادة القانونية الخاصة بالإعدام، ومن وجهة نظري أن العراق الآن بحاجة الى هذه العقوبة، خاصة مع حالات القتل المتزايد التي يشهدها، والقاتل لا يستحق الا القتل، واعتقد أن الذين يطالبون بإلغاء هذه العقوبة او ايقافها لهم مصالح فيها، وإلا فكيف يسمحون لانفسهم بالدفاع عن مجرم قتل الابرياء أو خرق القانون.

وقالت المحامية زينب: قبل الحديث عن الآراء أو المطالبات بإلغاء عقوبة الاعدام يجب التأكيد على أنها عقوبة شرعية، ضد كل شخص قام بارتكاب جريمة مع سبق الاصرار والترصد، وأدت الى انهاء حياة شخص، والعراق مليء بمثل هذه الجرائم التي يندى لها جبين البشرية، لاسيما جرائم الارهاب الأعمى الذي سرق حياة الآلاف من العراقيين، وهؤلاء بالتأكيد يستحقون هذه العقوبة، فمن يقوم بجريمة القتل لا بد أن يقتل بالقانون الذي ينظم الحياة.

واضافت: لا احب السياسة، ولكنني اقول إن ردود الافعال التي تعلن رفضها لعقوبة الاعدام لا تفهم تمامًا الوضع العراقي، ولا تعرف شيئًا عن جرائم القتل الجماعية، وانا اعتقد أن عقوبة الاعدام اذا ما الغيت ستزداد شراسة الارهابيين وتكثر الجرائم ويستباح البلد.

وعلى العكس من ذلك قال المواطن حيان حمودي: انا ضد عقوبة الاعدام، لانها ضد حقوق الانسان التي اصبح العالم يطالب بأن تكون أعمّ واشمل، وقد ألغت الكثير من الدول هذه العقوبة القاسية جدًا، ويجب الاكتفاء بالحكم المؤبد، وانا اعتقد أن هناك الكثير من الابرياء أو الذين لا يستحقون هذه العقوبة تصدر احكام بها ضدهم، وهذا ليس عدلاً.

واضاف: العراق الآن يعاني ازمات كثيرة بين مكوناته المختلفة، وقد تزعزعت الثقة بينهم خلال السنوات الماضية، واصبحت الامور تتردى، والاوضاع تتحول من سيىء الى اسوأ، وبما أن العراق بحاجة الى الثقة فإن افضل طريقة هي ايقاف العمل بعقوبة الاعدام، التي اعتقد أن مكونًا واحدا ينال حصة الاسد فيها، وهذا ما نعتبره عملاً طائفيًا، لذلك من الافضل للحكومة أن تعمل على ايقافها أو الغائها، والعمل بشكل حقيقي على المصالحة الوطنية، التي لا اعتقد أنها ستتم من دون أن يصدر قانون العفو العام وتبييض السجون !!.

على الصعيد السياسي، قال الدكتور احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي على صفحته في فايسبوك: عقوبة الاعدام يجب أن تكون السلاح الرادع و الحقيقي للمجرمين، وسبب تدهور الوضع الامني في البلد هو التهاون في تنفيذ الاحكام التي اقرّها الاسلام و عدم التهاون والتأخير في تنفيذ الاحكام سيكون عاملاً ايجابيًا في تحسين الوضع الامني.

من جهته قال النائب سليم الجبوري عن القائمة العراقية: إن الكتلة العراقية في مجلس النواب تعمل على صياغة مشروع قانون سيقدم إلى هيئة رئاسة البرلمان لتجميد عقوبة الإعدام في العراق. وأضاف: أن كتلة العراقية تطالب بالتريث في تنفيذ المزيد من إحكام الإعدام بحق المدانين، لان من نفذ بحقهم حكم الإعدام لم يمنحوا فرصة للدفاع عن نفسهم.

أما النائب كمال الساعدي القيادي في دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي فقد ندد بالاصوات الداعية الى إلغاء عقوبة الاعدام، وخاصة الدعوة التي صدرت من الامم المتحدة، واعتبرها (تدخلاً).

وقال الساعدي: إن العراق لديه سيادة ومطالبته من بعض المنظمات الاممية بإلغاء عقوبة الاعدام أو ايقافها يعدّ تدخلاً بالشأن العراقي، لان أحكام الاعدام تنفذها العديد من الدول، وليس العراق فقط، خاصة في جرائم الارهاب، وأن وزارة العدل محكومة بالقانون والدستور العراقي، ولا يمكن الغاء عقوبة الاعدام إلا بموافقة البرلمان العراقي.

وأضاف: أن الأمم المتحدة بعيدة عن الارهاب، حيث تدعو إلى العفو عن المجرمين، ولا تتحدث عن الآرامل والأيتام والمقطعة أيديهم، والعراق يقدم العشرات من الضحايا، وانا اعتبر هذا الامر بعيدًا عن العدالة.

وكانت لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب العراقي قد طالبت في الثلاثين من الشهر الماضي وزارة العدل بالتريث في تنفيذ أحكام الإعدام ضد الذين دانهم القضاءُ العراقي في قضايا عدة، حتى الانتهاء من اقرار قانون العفو العام، مشيرة إلى أنها تسعى الى معالجة الخروق والإنتهاكات بشكل إيجابي، يهدف الى تصحيح المجتمع وفق ضوابط معينة.

وسبق لوزارة العدل العراقية ان أعلنت، في 28 من الشهر الماضي عن تنفيذ أحكام الإعدام بحق 21 مداناً بقضايا quot;إرهابيةquot; بينهم ثلاث نساء، في وقت أحصت الأمم المتحدة تنفيذ حكم بإعدام بأكثر من 1200 شخص في العراق منذ عام 2004، إلا أن عددالذين تم تنفيذ الحكم فيهم ما زال غير معروف.

وقال وزير العدل العراقي حسن الشمري: إن إيقاف عقوبة الإعدام أو التريث بتنفيذها ليس من اختصاص الوزارة باعتبارها جهة تنفيذية، وتدخل ضمن صميم عمل الجهات التشريعية، وفي حال اصدر مجلس الوزراء توصية بالتريث في تنفيذ عقوبة الاعدام سنلتزم بها إلى حين اصدار التشريع من مجلس النواب.

واكد خلال لقائه وكيل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جورجي بوستن، أن تنفيذ حكم الإعدام تسبقه إجراءات تحقيقية من الجهات الأمنية، تعقبها دراسة للقضايا من قبل هيئات قضائية، تليها مرافعات قضائية يشرف عليها فريق دفاع متخصص، وتمييز للأحكام القضائية، إلى حين اكتسابها الدرجة القطعية، مشيرًا إلى أن إلغاء عقوبة الإعدام في العراق يتطلب دراسة لكل الأبعاد الدستورية والأمنية المتعلقة بهذا الجانب.

اما الهيئة المشرفة على حملة المليون توقيع لتنفيذ أحكام القضاء فقد دعت في العشرين من الشهر الماضي رئيس الحكومة نوري المالكي إلى توجيه الجهات المختصة لتنفيذ أحكام الإعدام بحق المدانين بـquot;الإرهابquot; فورًا، فيما دعته إلى كشف كل الملفات quot;الإجراميةquot; لبعض الساسة المشتركين في العملية السياسية.

وكانت رئاسة الجمهورية العراقية نفت على لسان رئيس ديوان الرئاسة نصير العاني، في 30 تموز(يوليو) الماضي وجود تلكؤ أو تأخير بالمصادقة من جانبها على أحكام الإعدام الصادرة بحق quot;الإرهابيين والمجرمينquot;، مؤكدة أن معظم أحكام الإعدام التي وردت إلى ديوان الرئاسة جرت المصادقة عليها.

وتنص المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2005 على أن من الأعمال التي تعدّ إرهابية.. العمل بالعنف والتهديد بإثارة فتنة طائفية أو حرب أهلية أو اقتتال طائفي، وذلك بتسليح المواطنين أو حملهم على تسليح بعضهم لبعض وبالتحريض أو التمويل.

ويسمح القضاء العراقي بعقوبة الإعدام في نحو 50 جريمة، منها الإرهاب، والاختطاف، والقتل، وتتضمن أيضًا جرائم أخرى مثل الإضرار بالمرافق والممتلكات العامة.