مجلس النواب العراقي في إحدى جلساته
يعبّر الشعب العراقي عن تأييد عارم لمسعى لجنة النزاهة البرلمانية لإقرار قانون يضطر فيه المسؤول العراقي إلى التخلي عن جنسيته الثانية المكتسبة، وإلا مغادرة العراق، خصوصًا بعد هروب فاسدين سرقوا أموالًا عامة ليحتموا في بلد اكتسبوا جنسيته ولينعموا فيه بما سرقوا.



أعرب مواطنون عراقيون عن تأييدهم إجراءات لجنة النزاهة النيابية التي دعت جميع الوزراء ووكلاء الوزراء والنواب والمستشارين الذين يمتلكون الجنسية الاجنبية المكتسبة إلى إسقاطها بأسرع وقت ممكن، مؤكدين أن مثل هذه الاجراءات كان يجب اتخاذها سابقًا، لأن الجنسية المزدوجة منحت البعض فرصة الإمعان في الفساد الإداري والمالي.
وأبدى عراقيون حماسةً لشجاعة لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي، في مطالبة المسؤولين الكبار بالاستقالة أو إسقاط الجنسية غير العراقية عنهم. وقالوا إنهم يشعرون الآن بشيء من قوة البرلمان، لأن هذه المطالبة كانت من سابع المستحيلات في ظل الصراعات السياسية القائمة، وتفضيل المصالح الخاصة على العامة. ورأوا أن تطبيق هذا القرار يحدّ من تفشي الفساد في الإدارات العامة.

اسقطوها أو غادروا!
وكانت لجنة النزاهة النيابية طالبت أمس الأحد مجلس النواب بإقرار القانون الخاص بحملة الجنسية الثانية من المسؤولين الحكوميين والنواب، داعيةً الذين يمتنعون عن إسقاطها إلى مغادرة العراق، والذهاب إلى البلاد التي يحملون جنسيتها الأخرى، مشيرة إلى أن بعض المسؤولين يستخدمون الجنسية المزدوجة كحصانة لهم في سرقة أموال الشعب والهرب إلى الخارج، والاحتماء بالدول التي منحتهم جنسيتها.
كما طالبت اللجنة الكتل السياسية بسن قانون يحد من ظاهرة الهروب والسرقة معاً، كاشفة أن هناك خمسة وزراء هربوا خارج البلاد ولن يتمكن القضاء من محاسبتهم، وعلى المعترض الذهاب الى الدولة التي منحته تلك الجنسية ليتبوأ المناصب العليا فيها.
عبّر الشارع العراقي عن تأييده لهذه الخطوة، فقال المواطن عبد الرحيم شاكر حسن: quot;القرار عظيم، وكان يجب أن يتخذ منذ زمن بعيد وليس الآن، خصوصًا أن الكثير من المسؤولين يحملون جنسيات أخرى، وما أن يُتهم أحدهم بفساد حتى يفرّ ويحتمي وراء جنسيته الأخرىquot;.
وأعلن أمجد الحسني، الموظف في وزارة الثقافة، تأييده هذه الخطوة الجريئة من جانب لجنة النزاهة، quot;واعتبرها أقوى لجنة إذا ما أصرّت على أن لا يحمل المسؤولون جنسيات أجنبية، فالبلد عانى كثيرًا من فساد البعض وهناك وزراء سرقوا وهربوا وذهبوا إلى الدول التي يحملون جنسياتها لينعموا بالأموال التي سرقوها وبالحماية التي توفرها لهم دولهم. يحتاج العراق الآن إلى أبنائه المخلصين الذين يعتزون بجنسيته وحدها، وأتمنى صدور القانون كي يغادرنا من لا يحب العراق ويبقى من يحبهquot;.

يقرّ.. أو حبر على ورق؟
شككت المدرسة أميرة باشاغا في إمكانية صدور هذا القرار. قالت: quot;لا أصدق أن مثل هذا القرار سيصدر، لأن كل المسؤولين الذين جاؤوا مع الأميركيين من مزدوجي الجنسية، تشجعهم دولهم وتساندهم في وقف هذا القانون وإجهاضه، فهذه الدول ستخسر في الحالتين، وهؤلاء المسؤولون سيخسرون أيضًا، لذلك أرى أن القرار سيكون مجرد حبر على ورق، ولو كان المسؤولون على الدولة العراقية مخلصين لها لتركوا الجنسية الاجنبية منذ سنوات، ولكنهم يريدون أن يحتفظوا بها خوفًا من حدوث شيء في العراق ، أي أنهم غير مؤمنين بالعراق الجديد .
من جانبه، لا يعتقد الصحافي حيدر عباس أن ازدواجية الجنسية تستحق لفت انتباه لجنة النزاهة، quot;لأن وطنية المرء لا تقاس بأوراق يحملها بل بولاء وانتماء يشعر به، والفساد في العراق عكسي ينطلق من القاعدة ليصيب رأس الهرم، وهروب مزدوجي الجنسية من البلد لا يعني أن لا سارق في الداخلquot;.
يظن عباس أن هذه المعادلة لا تؤدي إلى نتائج صائبة في تشخيص عملية الفساد، quot;فأنا لا أتفق مع فكرة لجنة النزاهة النيابية، لأن الفساد لا هوية له ولا جنسية، وهناك الكثير من الفاسدين ممن يحملون الجنسية العراقية، نسمع ونقرأ عنهم وعن أبنائهم الفضائح الكثيرةquot;.

المواطنة هي الأساس
يرى الكاتب أكرم سالم أن المواطنة من أبرز شروط النيابة والتمثيل البرلماني في أي بلد، وإلا quot;فما مسوّغ وجوده في سدة المسؤولية في السلطة التشريعية؟ فالانتماء للوطن لا يكتسب من خلال الشعارات والسجالات الاعلامية والترويج الدعائي، وإنما بالانتماء الروحي والثقافي والقيمي للوطن، والوفاء للناخب المواطن الذي وضع ثقته فيه وأودعه أمانة تمثيله نيابيًا، وتمثيل آماله واحتياجاته المادية والمعنويةquot;. يضيف سالم أن هذا لا يتم إلا من خلال تأكيد الانتماء الوطني للعراق بالتمسك بجنسيته رسميًا.
من هذا المنطلق، لا يرى سالم بدًّا من الثناء على توجهات هيئة النزاهة التي تلمست الجرح الحقيقي quot;حين شخصت أهمية موقف ووضع النائب البرلماني، التي تنطلق من أهمية السلطة التشريعية، وهي رأس الدولة العراقية التي ينخر جسدها الفساد الاداري والمالي في ظل التفكك السياسي بفعل المحاصصة والصراعات بين الكتل والمحاور، التي تعشش داخل هذه السلطات، وتعيث فيها فسادًا وتخبطًا على حساب المصلحة العامة والمال العامquot;.
وأضاف سالم: quot;بكلمة أخرى، يتعين على أي دولة ديمقراطية جادة أن تعمل على تنمية البلد وامتصاص البطالة وتشغيل عجلة العمل، وأن تستهدف الفساد ابتداءً بالرؤوس الكبيرة التي تشيّع الفوضى وتهدف الى الكسب غير المشروع وتتاجر بقضايا الوطن، وتغلب مصالحها الشخصية والفئوية على المصلحة العامةquot;.

تأجيل مستمر
من جانبه، قال عضو لجنة النزاهة النائب المستقل عثمان الجحيشي في مؤتمر عقدته اللجنة في مجلس النواب: quot;مرت سبع سنوات منذ التصويت على الدستور، وما زال هذا القانون في الأدراج، لأن الكثير من النواب والوزراء والمسؤولين يحملون جنسيات أخرى، وبعضهم يستثمر هذا الأمر في سرقة الأموال، والهربquot;.
وأضاف الجحيشي: quot;ندعو رئاسة مجلس النواب والكتل السياسية إلى ضرورة الاسراع بتشريع هذا القانون من خلال تفعيل المادة 18 من الدستور، فخلاف ذلك يعدّ استخفافًا بمشاعر العراقيينquot;.
وخاطب الجحشي حملة الجنسية الثانية من المسؤولين قائلًا: quot;من لا يرغب منكم في التنازل عن جنسيته الثانية فليذهب إلى بلده الآخر، وأن يترك العراق لأصحابه الشرعيين، وفيهم الكثير من الكفاءات القادرة على إدارة البلدquot;.
وكانت لجنة النزاهة النيابية قد ناقشت امس الاحد تفعيل الفقرة الرابعة من المادة 18 من الدستور، التي تلزم أي مواطن يتسلم منصبًا حكوميًا سواء أكان برلمانيًا أم وزاريًا أو استشاريًا ولديه جنسية مكتسبة أن يقدم تنازلًا عن جنسيته المكتسبة. ويُذكر أن مشروع قانون إسقاط الجنسية الأجنبية عن المناصب السيادية والأمنية قد تم تأجيل إقراره من الدورة السابقة لمجلس النواب، وقد واجه إقراره رفضاً كبيراً لأن أغلب المسؤولين العراقيين يحملون أكثر من جنسية.