في ظل غياب كامل لدور الأجهزة الأمنية والمؤسسات البيئية، ونقص للوعي، يستمر قتل الحيوانات في العراق بطريقة بشعة وبمختلف أنواع الاسلحة، ما يهدد التنوع البيئي في البلد ويعرض أجناسًا كثيرة لخطر الانقراض.


بغداد: لا تكتفي عمليات قتل الحيوانات في العراق بإبادة نوع بعينه لسبب من الأسباب، بل تشمل مختلف أنواع الحيوانات تحت ذرائع ومسميات شتى، ما يعرض الحياة البرية الزاخرة بأنواع الحيوانات لخطر انقراض العديد منها.
وشهدت منطقة عنانة شمال بابل هذا الاسبوع إقدام مزارعين على قتل تمساحين كانا موجودين على حافة النهر قرب مزارعهم. وبحسب علي حسن، من دائرة بيئة بابل، فإن طول أحد التمساحين كان مترًا و20 سنتيمترًا، والثاني مترًا تقريبًا، انهال الاهالي عليهما بالمعاول حتى الموت.

المتعة هي المبرر

تمساح قتل في العراق

يقول الاكاديمي في علم الأحياء أحمد عبيد إن المشكلة الكبرى تكمن في غياب الوعي، quot;فمن المفترض أن لا يُقتل التمساحان، بل أن تتم محاصرتهما وتأمين مكانهما لحين وصول الجهات الأمنية والبيئية المختصةquot;. ويتابع: quot;تعكس هذه التصرفات جهلًا مطبقًا وغيابًا واضحًا وخطيرًا للقانونquot;.

لكنّ المزارع أبو حاتم لا يعترف بهذه التنظيرات كما يسميها، ويعتقد أن قتل التمساحين كان ضروريًا قبل أن يلتهما طفلًا أو امرأة.

يفتخر كاظم البياتي من الديوانية بصيده ثعلبًا نادرًا في منطقة هور، ولا يجد مبررًا لفعلته سوى المتعة واحتمال بيع جلد الثعلب بسعر عالٍ. ويعترف البياتي: quot;حين أخرج للصيد، أصوّب بندقيتي على أي حيوان يتحرك أمامي، من ذئاب أو طيور أو ثعالب، وحتى كلابquot;.

ولم يجد البياتي حرجًا في تركه طرائد في العراء إن كان لا يستفيد منها بأي طريقة. وفي هذا الشهر، تمكن البياتي من اصطياد نحو ثلاثين طائرًا من طيور الدراج، يبيع الاحياء منها ويتحول الباقي وجبات غذائية. ويتابع: quot;نستخدم الاسلحة النارية وضرب الحيوان على الرأس أمام المارةquot;.

بنادق وآلات حادة

يقول جاسم حميد من قضاء الرميثة في محافظة المثنى إن الناس تهيأوا بداية هذا العام ببنادقهم وآلاتهم الحادة، بعدما شاع خبر مهاجمة حيوانات غريبة للمدينة.

وكانت الشائعات قد تسربت بعدما عُثر على أبقار وأغنام وحمير ممزقة الاحشاء. وعلى الرغم من أن جاسم يؤكد تمكن احد الاهالي من قتل أحد تلك الحيوانات، الا أن الاكاديمي أديب رزاق يجد أن هذه مجرد إشاعة، فلم يتم العثور على جثة هذا الحيوان الغريب ولم يتمكن أحد من التقاط صورة له.

وعلّق سهيل نجف من قرية جميعة جنوب بابل على باب داره رأس حيوان اصطاده، قال إنه يفترس الانسان وله رأس كبير وأطراف امامية قصيرة مزودة بمخالب حادة.

وفي البصرة الجنوبية قتل مواطنون بطريقة بشعة بالسلاح الناري والآلات الحادة عشرات الحيوانات المفترسة، في حين يؤكد سعد الجيوري، وهو مدرس أحياء، أن هذه الحيوانات لم تكن سوى أنواع من الثعالب والخنازير البرية والقطط الوحشية.

تلوث موصوف

أما الطرائد غير المرغوب فيها، مثل الكلاب والثعالب، فتبقى في أماكن نفقها من دون دفن أو حرق، لتصبح فريسة لحيوانات أخرى، ولتسبب تلوثًا بالروائح النتنة والبقايا المتفسخة.

ويقول حسن الحربي إن البعض يقتل الكلاب والقطط ويرمي بها في أماكن تجمع القمامة ليشكل ذلك تلوثًا بيئيًا موصوفًا. وشارك الحربي نفسه في حملات إبادة استهدفت الكلاب السائبة في محافظة بابل في العام 2011 حيث أعدم نحو 100 كلب في مدينة الحلة وحدها.

وعي غائب

أحد الحيوانات التي قتلت في العراق

وفي عام 2011 حذرت منظمة (طبيعة العراق) غير الحكومية، من انقراض 58 نوعاً من الحيوانات والطيور في مختلف مناطق البلاد. ويقول ضابط الشرطة أحمد الخفاجي إن غياب القانون أدى الى استفحال الظاهرة ليصل التعدي على الاحياء في مختلف انواع البيئة إلى مراحل خطيرة. ويعتقد الخفاجي أن اغلب الذين يقصدون الصحراء والبرية في العراق لديهم دوافع للصيد والمتعة بقتل الحيوانات ، في حين نرى انحسارًا تامًا لفرق الاستكشاف والبحث.

ويشير مدرس العلوم سعد كامل الى جانب مهم آخر، فتسمية باحث بيئي ليس لها وجود في العراق الا نادرًا، إضافة إلى غياب كامل لجمعيات حماية البيئة والحيوانات، لا سيما النادر منها.

ويعتقد كامل أن الدلائل، وكذلك افادات الناس الذين يسكنون القرى والأرياف، تؤكد أن الكثير من الحيوانات بدأت تختفي. فهي إما في طريقها إلى الانقراض أو تهاجر إلى مناطق أخرى، ما يخلق مشكلة كبيرة في ما يتعلق بالتنوع البيئي.

ويشير كامل باهتمام الى ظاهرة قتل الحيوانات الغريبة التي يتم العثور عليها من قبل المواطنين من دون ان يبلغوا مراكز الشرطة أو الجهات البيئة بوجودها لكي تتم دراستها، ومعرفة اسباب ظهورها. يقول: quot;يتفنن البعض في القتل، ففي محافظة بابل عثر اشخاص على سلحفاة كبيرة في شاطىء الهاشمية، وهي من الانواع النادرة الجديرة بالدراسة والبحث، لكنهم قتلوها بعد تهشيم صدفتها الصلدة بالفأسquot;.

حتى الشرطة!

وفي مدينة الديوانية يتحدث استبرق كامل عن التهام تماسيح في العام 2011 لشاب كان يسبح في نهر المدينة. يتابع: quot;ظن الناس أنه مات غرقًا لكن العثور على التماسيح عزز نظرية التهام هذه الحيوانات المفترسة لهquot;.

ويصف استبرق منظر الناس الذين تجمعوا على ضفاف النهر يحملون المعاول والبنادق سعيًا لاصطياد التماسيح في منظر يدل على نقص الوعي البيئي، وغياب الاجراءات القانونية في معالجة مثل هذه الحالات.

وكان منظر رجال الشرطة يستعرضون قتلهم التمساح وعدم تواجد أي جهة بيئية أو اكاديمية علمية خير دليل على القصور الكبير في موقف نادر كهذا كان يمكن للجهات العلمية الاستفادة منه.

ويتساءل استبرق مندهشًا عن دور الجامعات العلمية التي ملأت مدن العراق، متسائلًا لماذا لا تتبنى معالجة ودراسة هذه الظواهر؟quot;.