الانتخابات الرئاسية الايرانية قريبة، والانقسام السياسي حاد بين موالين للمرشد الخامنئي وموالين للرئيس أحمدي نجاد. وعلى وقع هذين الأمرين، تسير إيران بتؤدة نحو عقد صفقة كبرى مع الولايات المتحدة والغرب بشأن ملفها النووي.


تحدد اعتبارات السياسة الداخلية والانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) المقبل طريقة إيران في التعاطي مع المأزق الأكبر الذي تواجهه طهران في السنة الجديدة، بين القبول بحل توافقي بشأن برنامجها النووي أو الاستمرار في سياسة التحدي التي انتهجتها حتى الآن. ومن المقرر أن تنتخب إيران رئيسًا جديدًا في غمرة انقسامات وصراعات سياسية محتدمة بين المحافظين على اختلاف أجنحتهم. ومن المرجح أن تتبوأ موقع الصدارة في الحملة الانتخابية قضايا تكمن في صلب المواجهة مع الغرب، في مقدمها الوضع الاقتصادي المنهار وعزلة إيران الدولية وأمنها.

اتهامات متبادلة

يتنافس على الرئاسة مرشحون موالون للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وآخرون يرتبطون بالرئيس الحالي محمود احمدي نجاد، فيما أعلنت الأحزاب الاصلاحية الكبيرة مقاطعتها للانتخابات.

ويتبدى الانقسام السياسي بصورة يومية في وسائل الاعلام الإيرانية، إذ تتهم شخصيات سياسية واسعة النفوذ بعضها بعضًا بالمسؤولية عما آل اليه الاقتصاد الإيراني من حال متردية، تحت وطأة العقوبات الدولية وسنوات من سوء الادارة، مع هبوط قيمة العملة الإيرانية بحدة وارتفاع معدل التضخم بوتائر متسارعة.

وترى إيران أن الإبقاء على الوضع المتوتر الحالي مع الغرب يمكن أن يستنزل عليها عقوبات إضافية، مع امكانية تعرضها لضربة عسكرية اسرائيلية لمنعها من انتاج قنبلة نووية، بالرغم من إصرار طهران على أن برنامجها النووي ذات أغراض سلمية محضة.

ويقول خصوم أحمدي نجاد أنه وادارته مسؤولان عن سوء ادارة الاقتصاد، وتحدي لإرادة المرشد الأعلى الذي له الكلمة الأخيرة في أمور الدولة.

الصفقة الكبرى

كان أحمدي نجاد أحدث بلبلة في صفوف اركان النظام عندما اعلن في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أن المخرج الوحيد من الطريق المسدود الذي دخله الملف النووي هو المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة. وقالت واشنطن إنها مستعدة لمثل هذه المحادثات. وأكد محللون أن فكرة إجراء المحادثات بين إيران والولايات المتحدة بموازاة المفاوضات النووية مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد المانيا تكتيب زخمًا متزايدًا في إيران.

واشار الطرفان المشاركان في ما تُسمى محادثات إيران مع مجموعة الخمسة زائد واحد إلى أن جدولًا زمنيًا سيُحدد لاستئناف المحادثات في العام 2013، بعد توقفها في العام الماضي.

ويقول محللون إن هدف إيران هو التوصل إلى صفقة كبرى تعترف بحقها في تخصيب اليورانيوم، وتحدد خطوات ملموسة نحو تخفيف العقوبات، وتبدد مخاوفها من امكانية تعرض منشآتها النووية إلى ضربة عسكرية توجهها اسرائيل، ووالحصول على دور في سوريا ما بعد الأسد، مع ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تتآمر لتغيير النظام في طهران.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن سيد محسن موسويان، عضو الوفد الإيراني المفاوض بشأن الملف النووي حتى العام 2005 والاستاذ الزائر حاليًا في جامعة برنستون، قوله: quot;كثيرون في إيران يدركون أن لا شيء سيتحرك إلى الأمام، ما لم تجلس إيران والولايات المتحدة لبحث القضايا العالقة بينهماquot;.

واكد موسويان ان خامنئي ليس ضد هذه المحادثات من حيث المبدأ، لكنه يحتاج إلى تأكيدات بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في شؤون إيران الداخلية.

عقدة نجاد

من جهة أخرى، أوجدت طهران تقليدًا من الخطابية المعادية للغرب طوال سنوات، وأي تنازلات منها في هذا الشأن قد تنتقص من مكانتها في الداخل وبين وكلائها وحلفائها في الخارج، خصوصًا حزب اله في لبنان وحركة حماس في قطاع غزة. ولن يفكر خامنئي في امكانية التوصل إلى حل توافقي إلا إذا شعر بأن هناك قدرًا كافيًا من الوحدة والاستقرار داخل نظامه، كي لا تبدو إيران ضعيفة، كما يرى المحللون.

وفي ضوء هذه الحسابات، سيركز النظام الإيراني على اجراء الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) بأدنى قدر ممكن من القلاقل، واضعًا نصب عينيه التظاهرات التي أعقبت انتخابات العام 2009 وانتفاضات الربيع العربي في دول المنطقة.

ويمكن أن يشكل احمدي نجاد، الذي لا يجوز له الترشيح لولاية ثالثة، عقبة أخرى تعترض طريق التقدم في المفاوضات النووية. ويرى المحللون أن النظام يتحفظ على تجيير أي اختراق سياسي مع الغرب لصالح رئيس مثير للجدل، أظهر الكثير من الوهن في الأشهر الأخيرة من ولايته.

وبينما يأمل خصوم نجاد المحافظين بتقليم مخالبه خشية أن يسعى إلى تجاوز سلطات خامنئي، رد حلفاء الرئيس الإيراني بحملة تشهير للنيل من سمعة شخصيات برغماتية قوية، مثل الرئيس السابق علي اكبر هاشمي رفسنجاني. وقال كريم سجادبور، الخبير المختص بالشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن أوهام العظمة وروح التمرد لدى نجاد تشكل من بعض النواحي رصيدًا للسياسة الاميركية، وإذا لم يُقتطع له دور فانه يمكن أن يزرع الانقسامات ويثير أزمة بين النخبة السياسية العليا في إيرانquot;.