ترى تقديرات أميركية أن شعور السنة بالعراق بالظلم هو من أشعل التظاهرات الأخيرة في البلاد، وأنه سيتم الاحتفاء بسقوط نوري المالكي من جانب كثير من السنة باعتباره خلاصهم.


حين خرج المتظاهرون مؤخراً في شوارع غرب العراق، بدأ يعتبرها كثيرون بمثابة البداية إما لربيع سني أو عراقي، وهو فارق مميز في الأهمية المفهومة للهوية الطائفية.

وهي التظاهرات التي نشبت عقب إلقاء القبض على بعض من أفراد حماية وزير المالية رافع العيسوي، بعد أن وجهت لهم تهم ذات صلة بالإرهاب، لكنها جاءت لتعكس مظالم أكبر في النطاق يعاني من بعضها بصورة أكثر تحديداً العرب السنة في البلاد.

وفي ظل حالة البؤس التي يعيشها العراق منذ حوالي عشرة أعوام، فإنه نادراً ما تجد أحداً من العراقيين في حالة رضا عن تلك الحكومة الحالية. لكن على الرغم من ذلك، فإن تلك الاحتجاجات تكافح من أجل التحرر من قيود المناطق ذات الأغلبية السنية.

ولفتت في هذا الصدد مجلة فورين بوليسي الأميركية إلى الآلية التي يتم التعاطي من خلالها مع تلك التظاهرات في بلد يعيش على وقع تناقضات تحيط بالقومية العراقية والهوية الطائفية العراقية، وكذلك وجهات نظر متعلقة بالنظام السياسي الراهن.

ومضت المجلة تقول إن السنة كونوا على مدار العقد المنقضي شعوراً يعرف بشعور الضحية الخاص بهم يمكنهم أن يتنافسوا به في quot;أولمبياد المعاناةquot; السائدة في مرحلة ما بعد العام 2003.

وأعقبت بقولها إن شعور الضحية السني الذي تم تشكيله مؤخراً هو الذي أشعل التظاهرات الأخيرة، وأنه سيتم الاحتفاء بسقوط نوري المالكي أو حتى كامل النظام السياسي الذي نشأ في العراق بعد العام 2003 من جانب كثير من السنة باعتباره خلاصهم بنفس قدر ما يشكله من خلاص للعراق بأسره.

هوية غير مرعوب بها!

ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من النوايا، فقد اكتسبت التظاهرات هوية طائفية غير مرغوب فيها. وأشارت المجلة إلى أن السنة يقومون الآن، مثلما كان يفعل الشيعة على مدار التاريخ العراقي، بتعزيز أنشطتهم المرتبطة بالهوية الطائفية في نظر الآخرين.

وسيكون من السذاجة إنكار أن المتظاهرين يشعرون بأن هويتهم الطائفية مسؤولة عن الظلم الذي يتعرضون له أو أن الهوية الطائفية هي إحدى دوافع العمل. وتلك الطائفية الذاتية للقضايا السياسية، وهي العملية التي تحظي بدعم النخب السياسية ورجال الأعمال الطائفيين، ليست مجرد سمة مميزة للعراق وإنما سمة مميزة أيضاً للعديد من البلدان في المنطقة بدءً من البحرين إلى سوريا إلى لبنان وكذلك بلدان أخرى.

ولكثير من الشيعة، فإنه بغض النظر عن مدى التعاطف الذي يكنوه للمتظاهرين وبغض النظر عن المظالم العديدة المشتركة بخصوص قضايا مثل الأمن والخدمات، فإن جهود التضامن النشط يتم عرقلتها من خلال حقيقة أن التظاهرات ذات طابع سني.

وإلى جانب الحقيقة الثابتة التي تتحدث عن أن هناك عنصر هوية بالمظالم الخاصة بالمتظاهرين، فقد تم إحباط التضامن الطائفي بسبب التوقيت المؤسف للتظاهرات، تزامناً مع ما فعلوه في الأربعين، ذلك الحدث الديني الذي يمثل قيمة كبرى بالنسبة للشيعة.

أزمة دائمة

وباختصار، يمكن القول حسب التقديرات الأميركية إن الأمور الرمزية التي تستخدمها الجماعات السنية والشيعية المنظمة تتعارض تماماً مع بعضها البعض. وربما المشكلة الأكبر التي تواجه العلاقات الطائفية العراقية تكمن في الآراء الخاصة بشرعية النظام السياسي الحالي.

ويبدو أن السياسة العراقية تعيش أزمة دائمة، حيث تتصاعد التوترات وتكثر التحذيرات من حدوث حرب أهلية وانقسام، لكن الكارثة يتم تجنبها في نهاية المطاف من خلال صفقات النخبة التي تتم بالغرف المغلقة وليس من خلال أي تغيير حقيقي.

وترى فورين بوليسي انه من الصعب رؤية الطريقة التي يمكن أن تتحقق من خلالها عملية فصل الهوية الطائفية عن السياسة العراقية، مشددةً على أن أزمة العيسوي تدل على الضعف الكبير للسياسة العراقية وعمق التناقضات الاجتماعية هناك.