لطالما أملت المنظمات المدافعة عن قضايا المهاجرين وصول اليسار إلى الحكم، لأنها تراه المعسكر القادر على تقديم حلول إنسانية لملف الهجرة، فكانت الإشارة الأبرز التي أطلقتها الحكومة الاشتراكية حتى الآن في اتجاه المجتمع المدني الفرنسي هو حذفها قانونًا يعاقب من يقدم مساعدة للمهاجرين غير الشرعيين.

باريس: حسين شاب مصري يشتغل في البناء، ولا يحصل على أي مساعدة اجتماعية أو حكومية أو غيرها، لأنه لا يملك أوراق إقامة، ويعمل كما قال لـquot;إيلافquot; بعرق جبينه لتوفير الحاجيات اليومية له ولأسرته الصغيرة.
يعيش حسين في إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية التي ترتفع فيها بشكل ملموس تكاليف السكن والعيش، مقارنة مع المناطق الفرنسية الأخرى. وهو موجود في فرنسا منذ سنوات، حاول وما زال يحاول تسوية وضعه النظامي، إلا أن الأمر صعب وشاق. ولم يكن حسين يعلم بالتعديلات على قوانين الاقامة التي تمت أخيرًا بفضل نشطاء المجتمع المدني.

حراسة أقل
فتحت الحكومة الفرنسية اليسارية كوة أمل لهذا المهاجر ولأمثاله في جدار الإقامة غير النظامية في فرنسا، لينتقلوا من وضعية السرية إلى وضعية الشرعية، بإعلانها أخيرًا فتح المجال لتسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين. إلا أن حسين يرى أنها جاءت بشروط لا يمكن أن تتوافر إلا في القليل من المهاجرين غير الشرعيين.
العنصر الأبرز في إصلاح قوانين الهجرة حذف القانون الذي كان يعاقب كل من ساعد مهاجرًا سريًا، كيفما كان نوع أو شكل هذه المساعدة، حتى أن فرنسية تم إخضاعها للحراسة النظرية لساعات طوال لأنها قامت بشحن هاتف نقال لمهاجر غير شرعي.
كما منعت هذه الإصلاحات وضع الأصفاد في يد المهاجر غير الشرعي عند توقيفه، إلا عند الضرورة، وتقليص ساعات الحراسة النظرية بشكل كبير. كما لا تعتبر القوانين الجديدة للهجرة الاعتقال بتهمة الهجرة غير الشرعية جنحة، لكنها أبقت على جنحة دخول التراب الفرنسي بصفة غير شرعية.
غير كافية
قال طارق بن هيبة، رئيس الفيدرالية التونسية من أجل مواطنة على الضفتين، لـquot;إيلافquot; إن الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الحكومة الفرنسية بخصوص ملف الهجرة غير كافية لإيجاد حل شامل يرضي عشرات الآلاف من المهاجرين ممن دون أوراق إقامة، خصوصًا أن العديد منهم يعمل في مهن صعبة جدًا.
ويشير بن هيبة إلى أن هناك مهاجرين من دون أوراق يضربون عن الطعام في مدينة ليل شمال فرنسا، quot;لم يتناولوا الطعام منذ قرابة الأسبوع لأجل الحصول على أوراق إقامة، وعلى وزير الداخلية الفرنسي التحاور مع الجمعيات المختصة في الهجرة، وتلك التي يتجمع في إطارها هؤلاء المهاجرون، في أسرع وقت ممكن لإيجاد مخرج مشرف لهؤلاء العمال، وإلا لن يلاحظ أي اختلاف مع سياسة ساركوزي بهذا الشأنquot;.
لا رحمة
ثمن بن هيبة إلغاء الحكومة الفرنسية للإجراءات القانونية التي كان يعاقب بموجبها النشطاء الذين يدعمون المهاجرين من دون أوراق إقامة، ورأى في ذلك quot;خطوة إيجابية جاءت نتيجة لمطالب لم يتوقف المجتمع المدني الفرنسي عن المطالبة بها، لأن المواطنين الذين يساعدون المهاجرين غير الشرعيين يشرّفون فرنسا في زمن قلّت فيه الرحمةquot;.
لكنه لا يخفي أن quot;هذه الخطوة غير كافية، وعلى الحكومة أن تقوم بما قام به الرئيس السابق فرانسوا ميتران، أي تسوية وضعية المهاجرين للانتهاء من هذا المشكل بشكل نهائيquot;.
وتمنى الحقوقي والناشط في مجال الهجرة ألا تتجدد الإدانات بحق من يساعدون المهاجرين غير الشرعيين، لافتًا إلى حصول العديد من الإدانات خلال الحكومة اليمينية السابقة، بتهمة التضامن مع مهاجرين من دون أوراق إقامة، استهدفت عددا من النشطاء.
مبادئ اليسار
الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية تنسجم مع الالتزامات الانتخابية التي أعلنها الرئيس فرانسوا هولاند أثناء حملته الانتخابية، إلا أن الإعلامي والمحلل السياسي يوسف الهلالي يؤكد أنه لم يتم الوفاء بجميع الوعود في ملف الهجرة حتى الآن، quot;باستثناء حذف القانون الذي كان يعاقب كل من ساعد مهاجرًا سريًا، والذي استعملته حكومة ساركوزي لترهيب الجمعيات المتضامنة مع المهاجرين غير الشرعيين بل تم التعامل مع المهاجرين من دون أوراق حالة بحالةquot;.
ويؤكد الهلالي أن هذه الإصلاحات مرتبطة بخصوصية مبادئ اليسار، quot;وهي المبادئ نفسها التي يقتسمها معه جزء كبير من ناخبيه، إلا أن تيارًا محافظًا من بين هؤلاء له حساسيته الخاصة تجاه ملف الهجرة والخوف من الإسلام بفعل الصورة التي يقدمها الإعلامquot;.
ويلفت الهلالي إلى أن الحكومة الاشتراكية حذرة في تعاطيها مع مسألة الهجرة بسبب هذا التيار، ويقول: quot;بدأت الحكومة تتراجع عن حق تصويت الأجانب في الانتخابات المحلية، بفعل عدم تحمس الرأي العام لذلك، وهي تساير كتلة من ناخبيها لهم رؤية مغايرة لسؤال الهجرةquot;.