تجدد الحديث عن نية الحكومة المصرية تأجير قناة السويس لقطر، مع إشتداد الأزمة الإقتصادية. ونفت الحكومة المصرية وجماعة الإخوان تلك الأنباء فيما أكد خبراء أن القناة تمثل لمصر أهمية تاريخية وإستراتيجية، ولا يمكن لأي سلطة التفكير في تأجيرها أو بيعها.
قناة السويس واحدة من أهم شرايين الملاحة في العالم، وتقع في شمالي شرقي مصر، ويبرز اسمها بقوة عادة، مع إندلاع الحروب في منطقة الشرق الأوسط، أثناء عبور السفن الحربية محملة بالأسلحة المدمرة، إلا أن اسمها طفا على السطح في مصر وأثار جدلاً واسعاً، أثناء الجولة الثانية من الإنتخابات الرئاسية المصرية، عندما أطلق الفريق أحمد شفيق المنافس الشرس للرئيس محمد مرسي، أحاديث تحذر المصريين من إنتخاب مرسي، لأن جماعة الإخوان المسلمين تنوي تأجير قناة السويس، وكان ذلك في خلال شهر حزيران (يونيو) 2012.
ورغم محاولات الإخوان والرئاسة المصرية نفي تلك الأنباء، إلا أنها تطفو على سطح الأحداث من حين الى آخر، وتجدد الحديث عن تأجير القناة لدولة قطر، مع إشتداد الأزمة الإقتصادية، والحديث عن قرب إعلان إفلاس مصر، وبالتزامن مع طرح الإخوان مشروع قانون الصكوك الإسلامية للمناقشة.
لكن هل يمكن فعلاً تأجير قناة السويس؟ هل يملك الرئيس محمد مرسي أو جماعة الإخوان طرحها للإيجار أو الإنتفاع ضمن مشروع الصكوك الإسلامية، كمحاولة لإنقاذ الإقتصاد من الإنهيار؟ أم هناك بدائل أخرى يمكن من خلالها تحقيق أكبر إستفادة منها دون اللجوء للبيع بنظام حق الإنتفاع أو التأجير؟
أهمية تاريخية
الخبراء الإقتصاديون يؤكدون أن قناة السويس تمثل لمصر أهمية تاريخية وإستراتيجية، ولا يمكن لأي سلطة التفكير في تأجيرها أو بيعها تحت أي ظرف من الظروف، وقال الدكتور حمدي عبد العظيم، رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقاً، لـquot;إيلافquot; إن القناة تمثل أهم مصدر للدخل القومي من العملات الأجنبية للبلاد، مشيراً إلى أنها تدر نحو 30 مليار جنيه سنويًا، أي نحو خمسة مليارات دولار سنوياً، مشيراً إلى أن هذا الرقم يمكن أن يتضاعف أو يصل إلى مائة مليار جنيه في حالة إقامة مشروعات تنموية على جانبي الممر الملاحي. وأوضح أن الحديث عن تأجير القناة لقطر تجدد مؤخراً مع البدء في طرح مشروعات تنمية محور قناة السويس لتتحول الى مركز لوجستي عالمي، لافتاً إلى أن هذا المشروع يشمل 6 محافظات هي: السويس، الإسماعيلية، بورسعيد، شمال وجنوب سيناء، والشرقية.
وأرجع إرتباط الحديث بتأجير قناة السويس لقطر، بسبب تقدم مجموعة من المستثمرين القطريين لتمويل وتنفيذ تلك المشروعات، مشيراً إلى أن المشروع يعرف بـquot;محور قناة السويس التنمويquot;، ويشمل إقامة مناطق صناعية، ومشروعات لخدمة السفن والبضائع العابرة، إضافة إلى مصانع للحديد والأسمنت، ومشروعات زراعية في سيناء توفر مئات الآلاف من فرص العمل، وتحقق الإستفادة القصوى من قناة السويس.
قطر تقطع الشك باليقين
رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم، قطع الشك باليقين، ونفى التفاوض أو الحديث حول إستئجار أو شراء قناة السويس، وقال: quot;لم نسمع عن هذا الأمر إلا من خلال الإعلام المصريquot;، وأضاف في تصريحات صحافية له: quot;لم يُعرض هذا الأمر علينا من قبل الحكومة المصرية، وقناة السويس شريان رئيسي لمصر وجزء من مقدراتهاquot;، ووصف الحديث عن التأجير أو البيع بأنه quot;للاستهلاك السياسيquot;.
ممر للتنمية
الإخوان يسعون إلى إنشاء ممر للتنمية على جانبي الممر الملاحي لقناة السويس لتعظيم الإستفادة من القناة، وليس بيعها أو تأجيرها، وقال الدكتور محمد جودة عضو اللجنة الإقتصادية في حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إن الحديث عن التأجير أو البيع الهدف منه تشويه الجماعة، مشيراً إلى أن تلك الشائعات أطلقت أثناء فترة الشحن الإنتخابي خلال السباق إلى رئاسة الجمهورية بين الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد مرسي، وقال لـquot;إيلافquot; إن قناة السويس ملك للشعب المصري، ولا يملك أي شخص أو مؤسسة التصرف فيها بالبيع أو الإيجار، مضيفاً أن طرحها عبر الصكوك الإسلامية إحتمال غير وارد من الأساس، لأنها ليست شركة أو مصنعاً، بل هي جزء من أرض الوطن وتمثل أهمية قصوى للأمن القوي المصري والعربي.
وأضاف أن مشروع النهضة الذي يمثل البرنامج الإنتخابي للرئيس محمد مرسي، يسعى الى تنمية محور قناة السويس، وليس بيع المجرى المائي، مشيراً إلى أن المشروع يتضمن إقامة مشروعات صناعية وتجارية لتنمية سيناء ومحافظات القناة، ونبّه إلى أن قناة السويس تمثل 10% من حجم التجارة العابرة في العالم، وتستفيد مصربنحو 3% منها فقط، مشيراً إلى أن مشروع التنمية يهدف للوصول إلى الإستفادة القصوى منها، وبالتالي فإن الحديث عن البيع أو التأجير يعتبر درباً من دروب السذاجة.
استثمار
وقال وزير الإسكان الدكتور طارق وفيق، إن شركات قطرية وتركية وماليزية تقدمت للإستثمار في محور خليج السويس، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية لم ترد حتى الآن على عروضهم. وأوضح في تصريحات له، أن المحور مشروع بحري يتعلق بالحاويات والسفن وإصلاحها، وأن الحكومة جادة في تنفيذ المشروع نظرًا لما سيحققه من فائض في الإنتاج وتوفير فرص عمل ونقل مصر نقلة حضارية أوسع.
فيما ينفي مصدر مسؤول في هيئة قناة السويس وجود أية نوايا لدى الرئاسة لتأجير قناة السويس أو طرحها للبيع بنظام حق الإنتفاع ضمن مشروع الصكوك الإسلامية، وقال لـquot;إيلافquot; إن مصر لا تملك حق تأجير أو بيع المجرى الملاحي، مشيراً إلى أن هذه الشائعات ظهرت أثناء الإنتخابات الرئاسية بهدف تشويه صورة جماعة الإخوان والتأثير على فرص الرئيس محمد مرسي في الوصول الى القصر الجمهوري، ولا تستند الى أية معلومات حقيقية.
مصر لا تملك حق التأجير أو البيع
وأضاف المصدر أن مصر لا تملك حق التصرف بالبيع أو التأجير في المجرى الملاحي بإعتباره ممراً مائياً دولياً تنظم العمل فيه الإتفاقيات الدولية، وأشار إلى أن مصر لم ولن تفرط في قناة السويس حتى ولو كانت الإتفاقيات الدولية تسمح بذلك.
وشدد على أن قناة السويس تمثل أهمية خاصة بالنسبة للمصريين الذين حفروها بدمائهم، وعملوا فيها بالسخرة سنوات طويلة وفقدوا الآلاف من أبنائهم أثناء الحفر في عهد الخديويين سعيد وإسماعيل منتصف القرن التاسع عشر. وأضاف أن القناة تمثل أهمية إستراتيجية وعسكرية لمصر وتمثل جزءاً من أرض الوطن، ولا يمكن لأية دولة في العالم أن تبيع أرضها. ووصف هذه الشائعات بـquot;السخيفةquot;، ووصف من يرددونها بـquot;الببغاواتquot;.
القناة في يد أمينة
ولفت إلى أن تجدد الشائعات الغرض منه التأثير على مشروع محور قناة السويس التنموي، وصرف المستثمرين عنه، لاسيما بعد تقدم مجموعة من المستثمرين القطريين لتمويل تلك المشروعات المهمة التي ستجعل من محور قناة السويس أهم منطقة تجارية وصناعية في الشرق الأوسط.
الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، ورئيس أركان حرب البحرية المصرية السابق، نفى شائعات التأجير أو البيع، وأكد أنباء التنمية، وقال في تصريحات له، quot;هذا الكلام غير وارد على الإطلاق أمد الدهرquot;، وأضاف: quot;القناة في يد أمينة ولن يأخذها أحدquot;، مشيراً إلى أنه quot;بحسب توجيهات الدكتور مرسي، فإن تطوير القناة سيكون بالسواعد المصريةquot;، وتابع: quot;أقول لمن يروج هذه الشائعات راعِ الله في ما تكتبه ، لكي تكون مواطناً مصرياً أصيلاًquot;.
وإذا كانت مصر لا تملك بيع أو تأجير قناة السويس لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو الإتفاقيات الدولية التي تنظم عمل الممرات المائية الدولية، إلا أنها تستطيع العمل على تنميتها، لكن هذا الأمر يتطلب عشرات المليارات من الدولارات، وإستثمارات ضخمة من مختلف البلدان، وليس مستثمرين مصريين فقط، فهل يستطيع نظام حكم الإخوان إنجاز هذا المشروع الضخم، لاسيما في ظل حالة الإضطراب السياسي الذي تعاني منه مصر، وعدم وضوح الرؤية سياسياً وإقتصادياً؟ هذا ما تجيب عنه الأيام، بل السنوات المقبلة.
التعليقات