منذ أيام، انتصبت خيم الاعتراض أمام السفارة الفرنسية في بيروت، احتجاجًا على تأجيل القضاء الفرنسي النظر في قضية الإفراج عن اللبناني جورج ابراهيم عبدالله حتى نهاية الشهر الجاري، بعدما كان أفراد عائلة عبد الله وأصدقاؤه ورفاقه موعودين باستقباله في مطار رفيق الحريري الدولي الاثنين الماضي.



بيروت: عبدالله مسجون في فرنسا منذ 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1984، إذ اعتقلته السلطات الفرنسية حينها في مدينة ليون الفرنسية، من دون أن تجد السلطات الفرنسية، الأمنية والقضائية، ما تبرر به اعتقاله غير حيازة أوراق ثبوتية غير صحيحة، وهو جواز سفر جزائري.
بعدما تعهدت السلطات الفرنسية للحكومة الجزائرية حينها الإفراج عن عبدالله، موفدة لهذا الغرض مدير الاستخبارات الفرنسية إلى الجزائر ليبلغ الحكومة الجزائرية بذلك، تراجعت عن تعهداتها، مخضعة عبد الله للمحاكمة في العام 1986، بتهمة حيازة أسلحة ومتفجرات بطريقة غير مشروعة. فصدر بحقه حكم بالسجن أربع سنوات.

سلة من التهم

بعد عام تقريبًا، أعادت فرنسا محاكمة عبد الله، موجهة إليه سلة من التهم ثقيلة العيار، منها شبهة تأسيس الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية والتخطيط لمحاولة اغتيال كريستيان أديسون تشابمان، المسؤول الثاني في السفارة الأميركية في فرنسا، في العام 1981؛ واغتيال تشارلز راي، الملحق العسكري في السفارة الأميركية في فرنسا، في العام 1982؛ واغتيال ياكوف بارسيمنتوف، السكريتير الثاني للسفارة الاسرائيلية في فرنسا، وتفجير سيارة رودريك غرانت، الملحق التجاري في السفارة الأميركية في فرنسا، في العام نفسه؛ واغتيال الدبلوماسي الأميركي ليمون هانت، المدير السابق للقوات الدولية في سيناء، في العام 1984... وغيرها من التهم الارهابية. وصدر حكم بسجنه مدى الحياة.

إرضاءً لأميركا

منذ اللحظة الأولى لاعتقال عبد الله في فرنسا، قام الحزب الشيوعي اللبناني الذي ينتمي إليه، بتحرك شعبي واسع للمطالبة بالافراج عنه. لكن الرأي العام الفرنسي آنذاك كان واقعًا تحت تأثير الصدمة التي ولدتها سلسلة تفجيرات في باريس، حصلت في العامين 1986 و1987، وخلّفت عددًا كبيرًا من الضحايا الفرنسيين.
وجهت فرنسا إلى عبدالله وجماعته تهمة تنفيذ هذه التفجيرات، لكنها عادت بعد أعوام لتعلن اعتقال المجموعة الحقيقية المسؤولة عن زرع العبوات الناسفة، ما رآه محامو الدفاع عن عبد الله دليلًا على تلفيق متعمد للتهم بحق السجين، قائلين حينها إن الحكم بالسجن المؤبد على عبدالله أتى إرضاءً للأميركيين، وإظهارًا لفرنسا بمظهر الدولة القادرة على قمع الإرهاب.
طبقًا للقانون الجزائي الفرنسي، كان بوسع وزارة العدل الفرنسية الإفراج عن عبد الله مع انهائه عامه السجني الخامس عشر، لكن ذلك لم يحصل.
أعيدت محاكمة عبد الله أربع مرات متتالية، واعيد بعدها جميعًا إلى السجن على الرغم من أن حقه الافراج عنه، ما اثار جملة من التساؤلات حول وقوع السلطات القضائية الفرنسية تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية لإبقائه سجينًا.

ضغوط وتأجيل

الكلام عن هذه الضغوط مستمر اليوم، إذ قال الصحافي الفرنسي آلان جريش، العضو في هيئة مساندة عبد الله، المعتقل في فرنسا منذ 29 عاما، إن الحكومة الفرنسية تعاني تناقضات داخلية وتتعرض لضغوط من الولايات المتحدة وبعض المؤسسات الفرنسية من أجل عدم إطلاق سراح عبد الله.
والجدير ذكره هنا أن فيكتوريا نولاند، الناطقة باسم الخارجية الأميركية، جددت معارضة الولايات المتحدة للافراج عن عبدالله quot;الذي لم يبدِ يومًا الندم على جرائمه، إضافة إلى المخاوف المشروعة التي يثيرها لأنه يعد خطرًا على الأسرة الدولية.
أما الوزير الأميركي السابق جورج كيجمان، محامي الدولة الأميركية ومحامي أرملة الدبلوماسي الأميركي شارلز راي، فقد صرح مؤكدًا أن جريمة عبد الله هائلة، quot;وحزن السيدة راي سيضع حدًا لحياتها، ولذا نرى أن يبقى مسجونًا حتى نهاية حياتهquot;.
من ناحية أخرى، خاب أمل المنادين بالإفراج عن عبد الله، على الرغم من القرار بالموافقة على الإفراج عن السجين، الصادر عن محكمة متابعة الأحكام في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، شرط صدور أمر بطرده من الأراضي الفرنسية عن وزارة الداخلية الفرنسية، وتأكيد محكمة الاستئناف الحكم في 10 كانون الثاني (يناير) الحالي، يبدو أن الافراج لن يكون قريبًا، فالداخلية الفرنسية لم تصدر أمر الطرد لأن وزيرها رفض ذلك، فتأجل النظر بالدعوى إلى الثامن والعشرين من الشهر الحالي.

اعتصام السفارة

تلقى لبنان قرار التأجيل بغضب، فاعتصم رفاق عبد الله في اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني أمام مقر السفارة الفرنسية في بيروت، وحاولوا الاقتراب من مدخل السفارة، لكن القوى الأمنية منعتهم من ذلك، ما استدعى تأكيد منظمي الاعتصام وأفراد من عائلة عبدالله سلمية التحرك.
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أكد في اتصال هاتفي بباتريس باولي، سفير فرنسا لدى لبنان، أن التأخير في الإفراج عن عبد الله خطوة غير مبررة ومساس بحقوقه المدنية، بعدما صدر قرار قضائي بتخلية سبيله، متمنيًا الإسراع في إطلاقه، ومشددًا على اتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة لحماية أمن السفارة الفرنسية في خلال التحرك الشعبي الاحتجاجي.