لائحة اتهامات الرئيس السوري بشار الأسد طويلة، لكن لا إشارات إلى جدية خضوعه لأي محاكمة، على الرغم من أن محاكمته متاحة في سوريا ميدانيًا أو جنائيًا بعد سقوطه، ومتاحة أيضًا أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

بيروت: لم يعد الحديث عن تطورات الوضع السوري يطال موعد انتهاء الأزمة أو انهيار النظام فحسب، بل أصبح الخوض في مصير الرئيس بشار الأسد ومعاونيه جزءًا أساسيًا في البحث عن مخارج للأزمة السورية الدامية.
وإذا كانت مجمل الأحاديث تدور حول بحث تطبيق السيناريو اليمني بصيغته أو معدلًا كأحد النهايات المحتملة، فمن الواضح أن الثوّار السوريين والهيئات التي تمثلهم يتمسّكون برحيل الأسد ومحاكمته كمدخل إلى أي سيناريو.
فالاعتقال والتعذيب والسجن من دون محاكمة واستخدام القوى المسلّحة والطيران والتفجيرات عناصر يمكن أن تشكّل لائحة إتهام طويلة، بعدما أودت بحياة ما يزيد عن 60 ألف مدني سوري، خصوصًا بعدما وضع الرئيس المصري محمد مرسي الأسد في منزلة مجرم الحرب.
لكن تساؤلات كبيرة ترتسم حول جدية المجتمع الدولي في ملاحقة الأسد في المرحلة التي ستلي سقوطه، لأن رحيله لن يتم إلا وفق تسوية تمنع عنه المحاكمة.
لائحة جرائم طويلة
رأى المحامي اللبناني فؤاد شبقلو أن النظام السوري يرتكب الجرائم منذ نحو سنتين ولا يزال، ويستخدم الجيش والآلة العسكرية التي زعم أنه جهّزها لقتال إسرائيل وتحرير الجولان في تأديب الشعب السوري وتطويعه، علمًا أن الشعب أذعن لهذا النظام طوال 40 عامًا.
قال شبقلو لـ quot;إيلافquot;: quot;الشعارات التي رفعها الشعب السوري، ونحن نعرف أنه شعب منضبط وخلوق، كلها شعارات سلمية تطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد والتغيير الديموقراطي الحقيقي، فجاء رد النظام بالإعتقال والتعذيب والسجن من دون محاكمات والإستخدام المفرط للقوة والحصار والتجويع ومنع العلاج الطبي، وصولًا إلى القتل العمد، وهذه كلها جرائم تشكّل لائحة طويلة من الإتهامات، التي يمكن محاكمة النظام السوري على أساسها، تضمن لمرتكبها عقوبات قاسية جدًاquot;.
ميدانية أو دولية
يطلب شبقلو التفريق بشكل واضح بين مسؤولية رئيس النظام السوري ومسؤولية الحكومة السورية عن الجرائم التي ترتكب اليوم.
يقول لـquot;إيلافquot;: quot;لا بد من العودة إلى الدستور السوري لتبيان المسؤوليات وتحديدها. فإذا كان النظام رئاسيًا يكون الرئيس بشار الأسد مسؤولًا عن هذه الجرائم، وفي حال كان غير ذلك تكون الحكومة أيضًا مسؤولة، اي يكون كل وزير مسؤولاً ضمن دائرة اختصاصه فيكون وزير الدفاع مسؤولًا عن استخدام الجيش ووزير الداخلية أيضًا وهكذاquot;.
ورأى شبقلو أن المحاكم الصالحة لمحاكمة النظام السوري هي quot;إما محكمة ميدانية ينشئها الثوّار بعد الحسم، أو محكمة الجنايات الدوليةquot;.

لا تقادُم
وجرائم الحرب لا تموت بالتقادم. فقد قال شبقلو إن هذه المحاكمات لا تشمل الجرائم التي ترتكب أثناء الثورة السورية الجارية أحداثها الآن فقط، quot;بل يمكن أن تتجاوزها إلى جرائم أخرى، إرتكبها النظام في السنوات السابقة داخل سوريا أو خارجها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر جريمة اغتيال الزعيم اللبناني كمال جنبلاط في العام 1977، ورئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وعشرات عمليات الإغتيال السياسي التي نفذها هذا النظام في لبنان ودول الجوار، بوصفها جرائم إرهابية تهدد الأمن الاقليمي والدوليquot;.
وأشار شبقلو إلى أن الدول والأحزاب الداعمة للنظام السوري لا بد أن تتحمل مسؤولياتها. قال: quot;لا نريد التهويل على حلفاء الأسد، والذين ساعدوه أمس اليوم، لكنّ هؤلاء مسؤولون أيضًا ويتحملون مسؤولية المساعدة غير الانسانية وغير الاخلاقية التي يقدمونها للنظام، فهم يشجعونه على المضي في ممارساته، ويؤمنون له سبل تنفيذها، وبالتالي فهم شركاء في هذه الارتكابات، لكن الحديث عن نوعية المحاكم والقوانين والنتائج سابق لأوانه في هذا التوقيتquot;.
سوريا لم توقع
شدد مصدر قانوني، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث إلى quot;إيلافquot; على نقطتين كمدخل أساس إلى محاكمة الأسد. الأولى، إنشاء لجنة تحقيق دولية تنظر في المخالفات والأعمال العسكرية التي ترقى إلى مرتبة جرائم الحرب. والثانية، اشتراط ملاحقة الأسد وإحالته إلى محكمة الجنايات الدولية تحرّك مجلس الأمن، كما حصل في الحالة السودانية. إلا أن المصدر تخوف من استعمال روسيا حق النقض لحماية الأسد.
وقال المصدر: quot;ما يحصل في سوريا حرب أهلية، وهناك تدخل عوامل خارجية من تمويل وتسليح، كما أن النظام يستخدم القوات المسلحة لضرب الشعب، وبالتالي هناك تشابك يزيد من صعوبة تأكيد حصول جرائم ضد الانسانية تعاقب عليها القوانين الدولية، لذلك فإن إنشاء لجنة تحقيق دولية هو الخطوة الأولى لتحديد المسؤولياتquot;.
وشدد المصدر القانوني على أن إحالة أي جرائم على محكمة الجنايات الدولية التي أنشئت وفق إتفاقية روما للعام 2002، يشترط أن تحصل الجرائم في دولة وقعت على ميثاق المحكمة وأقرته، لافتًا إلى تونس والسلطة الفلسطينية هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان فعلتا ذلك. وقال: quot;أعتقد أن ملاحقة الأسد في هذا الإطار ليست جدية وهناك شواهد عالمية كثيرة على أشخاص ارتكبوا المجازر ولم تتم ملاحقتهم دوليًاquot;.
محكمة الحريري نافذة مفتوحة
لكن المصدر نفسه لفت إلى أن ملاحقة الأسد ممكنة في إطار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تنظر في اغتيال الحريري، مشيرًا إلى أن الكلام الأخير لوزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير وإشارته إلى أن مقرّبين من الأسد ربما كانوا متورطين في الاغتيال quot;توحي بأن قرارًا إتخذ على مستوى عالٍ في هذا الاطار، وهذا يتطلب إصدار لائحة إتهام جديدة، والنافذة الجدية الوحيدة هي موقف يتخذه المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنانquot;.
وأوضح أن ملاحقة الرئيس السوري تبقى ممكنة بعد سقوط النظام وفق القانون السوري، لافتًا إلى أن بإمكان الثوّار إنشاء محكمة سورية خاصة لمحاكمة الأسد، مذكّرًا بما حصل في ليبيا عندما رفض الثوار تسليم سيف الإسلام القذافي إلى محكمة الجنايات الدولية، تبعًا لقرار مجلس الأمن الدولي، وفضلوا محاكمته محليًّا، فالقانون المحلي يسمو على القانون الدولي.

تشمل بوتين
قال المصدر إن ما يحصل في سوريا quot;أخطر بكثير من جرائم ضد الإنسانية، لكن الصعوبة تكمن في تثبيت مسؤولية الأطراف عما يجري، فكل الأطراف متورطون بنسب متفاوتةquot;.
وتابع: quot;في زمن يكتب فيه الرابح التاريخ، أتمنى أن لا يغض المجتمع الدولي عن الجرائم الحاصلة في سوريا، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من يحول اليوم دون إسقاط النظام السوري، وهو يمده بالسلاح وبالمال، ويدعم بقاءه، وبالتالي فهو مسؤول عن تمادي هذا النظام في تنفيذ جرائمهquot;.
أضاف: quot;في القانون، إذا لم يكن بوتين محرّضًا فهو في أسوأ الأحوال شريك في هذه الجرائم، وإذا كان لا بد من محاكمة فيجب أن تشمل بوتين أيضًاquot;.