قال مصدر عراقي رفيع المستوى إن رئيس الحكومة نوري المالكي تعرض إلى نكسة صحية أدخل إثرها إلى المستشفى بعدما أبلغ بـquot;الرد القاسيquot; من المرجعية الشيعية العليا في النجف على سياساته الحالية والذي أعطى الضوء الأخضر لـquot;تغييرquot; نهج الحكم في البلاد فيما بدأ نائبه حسين الشهرستاني اليوم لقاءات في مدينة سامراء مع وجهائها للتعرف إلى مطالب المحتجين.


قال مصدر عراقي رفيع المستوى إن quot;رئيس الحكومة نوري المالكي نقل إلى المستشفى قبل ثلاثة أيام إثر ما نقل له من ملاحظات وتوجيهات من المرجعية عبر موفديه حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء وعبد الحليم الزهيري القيادي في حزب الدعوة الاسلامية بزعامة المالكيquot; مؤكدا انهما عادا quot;مذعورين مما سمعاه هناك من المرجعيةquot; على حد قول المصدر الذي نقلت عنه جريدة المدى البغدادية التي يرأس تحريرها فخري كريم كبير مستشاري الرئيس جلال طالباني سابقا ذلك اليوم.

وأضاف المصدر أن المرجعية الدينية في النجف ردّت quot;بقسوةquot; على دعوات رئيس الحكومة نوري المالكي وائتلافه النيابي لحل البرلمان معتبرة ذلك quot;خطا أحمرquot;، وأكدت ان الرد أبلغ به الشهرستاني والمستشار والزهيري اللذين سافرا قبل يومين إلى النجف في طائرة مروحية خاصة في محاولة للقاء المرجعية الدينية للتشاور معها في حل البرلمان.

وأشار إلى أنّ المرجعية رفضت لقاءهما واقتصر اللقاء على نجل المرجع الشيعي الاعلى آية الله السيد علي السيستاني ونجل المرجع الفياض اللذين أكدا للموفدين ضرورة أن تقوم الحكومة بتلبية مطالب المتظاهرين وتفعيل دور البرلمان والطلب من التحالف الوطني كائتلاف وليس شخصا بعينه التحاور مع باقي المكونات السياسية من أجل حلّ الأزمات في البلاد، كما أبلغتهما المرجعية عدم رضاها عن ظاهرة الانفراد بإدارة الدولة، وسياسة اثارة الازمات وفتح الملفات خارج الأطر الدستورية بما يؤدي بالبلاد إلى منزلق لا يحمد عقباهquot;.

وفي وقت لاحق نفى مصدر في ائتلاف المالكي مرضه وقال إنه يمارس عمله في مكتبه بشكل طبيعي حاليًا.

وكان رئيس الحكومة نوري المالكي اختفى عن الإعلام منذ يوم الاثنين الماضي وذكرت مصادر رفيعة المستوى في مجلس الوزراء ان المالكي تغيب عن جلسة المجلس التي عقدت الثلاثاء الماضي بسبب المرض ورأس تلك الجلسة نائبه حسين الشهرستاني الذي يقوم حاليا بدور كبير مفاوضي الحكومة مع المتظاهرين. وتزامن مرض المالكي مع توقف موقعه الالكتروني quot;لغرض الصيانةquot; والمستمر بالتوقف حتى الآن.

ويوضح المصدر الذي طلب عدم كشف هويته لحساسية موقعه، أن quot;الضوء الاخضر الذي اعطته المرجعية، يضع أمامنا ثلاثة سيناريوهات، أولها أن يستقيل المالكي بأمر التحالف الشيعي، والثاني أن يتعهد عدم الترشح لولاية ثالثة ويقوم في الوقت نفسه بتطبيق اتفاقية أربيل بحذافيرها، وبفتح الباب أمام استجواب كل الفاسدين، والكف عن التحكم بالقضاءquot;، لافتاً إلى أن quot;السيناريو الثالث هو أن يفتعل قتالاً داخليا بضرب التظاهرات والاعتصامات وأن يقوم بتعطيل الدستور والبرلمانquot;.

ويرى المصدر الشيعي الرفيع، أن quot;الخيار الثاني سيسهل تصحيح وضع السنة ورفع المظلومية عنهم حسبما طلبت مرجعية النجفquot;، مستطرداً أن quot;المطلوب الآن تغيير نهج حكم المالكيquot;.

ويقول إن quot;المرجعية حذرت المالكي من مغبة انقسام الجيش العراقي الذي يخشى ضباطه من التورط مع القائد العام، إذا ما اندلعت أي حرب داخليةquot;، وتابع قائلا quot;واشنطن وطهران ايضا quot;غاضبتان من سلوك المالكي وتفرده بالسلطةquot;، موضحا أن إيران تعتبر أن المالكي حول العراق إلى عبء إضافي على كاهلها المثقل بالمسؤوليات والصراعات التي تمتد من ساحل المتوسط إلى أفريقيا الوسطىquot;.

وتسببت الأزمة المندلعة في سوريا منذ نحو سنتين بأزمة أكبر إلى إيران، فالنظام السوري الذي كانت إيران تعتمد عليه في تحريك أوراق ضغط على إسرائيل والغرب مثل حركة حماس وحزب الله اللبناني، يشارف على الانهيار وبالتالي انهيار جبهة استراتيجية مهمة لإيران توفر لها ليس فقط النفوذ السياسي والأمني على البحر المتوسط بل متنفسا اقتصاديا تحاول من خلالها تجاوز الحصار الدولي المفروض عليها على اعتبار أن العراق وسوريا مواليان للمحور الإيراني.

المالكي بات وحيدًا

وما يقلق إيران حاليا هو فقدان جبهة سوريا بعد انهيار الأسد وبالتالي وقوع العراق الحالي بقيادة المالكي في العزلة والحصار نفسيهما اللذين تعاني منهما، وذلك انطلاقا من قناعة لديها بأن سوريا ما بعد الأسد ستكون مقاطعة لعراق المالكي إن لم تكن معادية له، فيصبح العراق بالنسبة لها غير ذي جدوى إذا لم يوفر لها المتنفس الذي تحاول تأمينه.

ويلفت المصدر إلى أن quot;المالكي بات وحيدا تقريبا بعدما خسر شركاءه الداخليين ومنهم الشيعة وحتى طهران لن تتجرأ على التدخل لمساعدته عسكرياً إذا ما حصل صدام داخلي، لأن واشنطن ساعدت في تشكيل ميليشيات سنية كالجيش الحر قادرة على التدخل لمساعدة السنة وخوض قتال ضار مع الجيش العراقيquot;، مذكّراً بأن quot;إيران لن تستطيع بيع أكثر من 30% من نفطها هذا العام وبالتالي لن يكون باستطاعتها الدفاع عن المالكيquot;.

واعتبر المصدر أن quot;أي حرب أهلية ستندلع في العراق ستؤدي إلى انقسام الجيش لأن ضباطه ومراتبه يخشون التورط في مغامرات القائد العام للقوات المسلحةquot;، لافتاً إلى أن quot;تغيير نهج الحكم وفق طلب المرجعية سيحتاج إلى تغيير المالكي وفريقه العسكري والسياسي الذي يفتقر إلى النضج في التعامل مع قضايا الدولةquot;.

وكانت المرجعية الدينية قد حملت التحالف الوطني مسؤولية quot;تصحيح مظلومية السنةquot; لأنها الكتلة المسؤولة عن التفاهم مع بقية الكتل السياسية الأخرى بشأن الشراكة في إدارة أمور البلاد بعد ان اعطت مؤخرا عدة إشارات تدلل على quot;عدم رضاهاquot; عما تقوم به الحكومة، واستشراء الفساد والتهميش وغيرها، كما رفضت استقبال المالكي أو سواه من الساسة، في خطوة ذات دلالة على quot;امتعاضها منهمquot;.

ومن بين تلك الإشارات ما أورده ممثل المرجع الديني السيستاني في كربلاء، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، خلال خطبة الجمعة في الحادي عشر من الشهر الحالي عندما دعا الكتل السياسية إلى العمل على quot;التهدئة وعدم تسيسquot; الشارع العراقي لصالح جهة معنية، وفي حين طالب الحكومة بضرورة quot;الاستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعةquot;، دعا الأجهزة الأمنية إلى quot;ضبط النفس وعدم الاصطدام معهمquot;.

ترحيب أنباري بموقف المرجعية من المالكي

وفي الأنبار التي انطلقت منها شرارة التظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ نحو أربعة أسابيع كان سخط المرجعية الدينية من المالكي محل ترحيب من قبل المتظاهرين الذين عدّوا عدم استقبال المرجع الديني السيد علي السيستاني لموفدي المالكي quot;خطوة ايجابيةquot; على طريق تحقيق المطالب المشروعة.

ويقول شيخ قبيلة الجميلة في العراق رافع مشحن حفيد، أحد المشاركين في تظاهرات الأنبار إن quot;قيام السيد السيستاني بعدم استقبال نائب رئيس الوزراء للشؤون الطاقة حسين الشهرستاني دليل على أن الحكومة العراقية تخدم أجندات أجنبية ولم تخدم العراق أو أبناء العراق أبداquot;، مضيفا أن quot;هذا يدل على أننا أبناء عراق واحد في مطالبنا وتوجهاتنا ومرجعيتنا واحدة لأننا نخدم العراق ولم نخدم أجندة قادمة من خارج البلدquot;.

ويلفت حفيد إلى أن quot;هناك اتصالا يوميا مع السيد نور أل ياسر الذي دعانا إلى زيارة مرجعية النجف وكربلاءquot;، مبينا أن quot;هذه المسألة تتطلب دراسة ونقاشا من قبل جميع الأطراف للخروج برؤية موحدة من أجل إرسال وفد للمرجعيةquot;.

من جانبه يقول شيخ عشائر الملامحة وعد طلال quot;مرجعيتنا لن تبتعد عنا في أي لحظة من اللحظات وأننا كمعتصمين في الساحة نشعر بأن إخواننا في الجنوب متضامنين مع مطالبنا المشروعةquot;، ويتابع quot;علينا أن نكون يدا واحدة مرجعيات وشيوخا عشائر ومواطنين من أجل وحدتنا الوطنية العراقيةquot;، مؤكدا أن quot;هذا التصرف من قبل السيستاني يدعم مطالبنا الواحدة ويخدم بلدنا العراقquot;.

ويبدو أن التحالف الوطني quot;التقطquot; الإشارة وما تلاها من quot;ضوء أخضرquot;، من المرجع السيستاني فدعا رئيسه إبراهيم الجعفري، في الرابع عشر من الشهر الحالي القوى السياسية على اختلافها إلى اجتماع موسع لبحث الأوضاع في البلاد عبر الحوار، في ما عدّ استجابة من التحالف الوطني لتوصيات المرجعية التي رفضت المساعي التي يقوم بها ائتلاف دولة القانون لحل البرلمان وأكدت ضرورة أن يستعيد التحالف دوره في الحوار مع باقي الشركاء السياسيين من أجل حل الأزمة في البلاد التي وصلت إلى حد الخطر.

وبالفعل اتفق المشاركون في quot;اللقاء الوطنيquot;، الثلاثاء الماضي على اعتماد الحوار كأساس في حل المشاكل التي تعاني منها البلاد، وفي حين أكدوا تشكيل لجنة مشتركة للتنسيق مع الحكومة بشأن المعتقلين في السجون ومعالجة باقي مطالب المتظاهرين، بينوا أن اجتماعاً آخر سيعقد في غضون أيام لاستكمال الحوار.

ودأبت مكونات التحالف الوطني منذ الاثنين الماضي على الدفع باتجاه إعادة تفعيل الحوار بين الكتل السياسية بعد توقف دام لأشهر، إذ أعلن زعيم المؤتمر الوطني العراقي احمد الجلبي، أن الائتلاف الوطني العراقي اتفق على تبني ما أوصت به المرجعية الدينية لحل الأزمة التي تشهدها البلاد، وأكد تكليف زعيم المجلس الأعلى عمار الحكيم بعقد اجتماعات مع الكتل السياسية للتوصل إلى حلول ترضي الجميع، داعياً مجلس النواب إلى إقرار القوانين المهمة وخاصة قانون المحكمة الاتحادية.

وتشهد محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك وديإلى ومنطقة الأعظمية في العاصمة بغداد، منذ 21من الشهر الماضي تظاهرات يشارك فيها عشرات الآلاف وجاءت على خلفية اعتقال عناصر من حماية وزير المالية القيادي في القائمة العراقية رافع العيساوي، وذلك تنديداً بسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي، والمطالبة بوقف الانتهاكات ضد المعتقلين والمعتقلات، وإطلاق سراحهم، وإلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب، وتشريع قانون العفو العام، وتعديل مسار العملية السياسية وإنهاء سياسة الإقصاء والتهميش وتحقيق التوازن في مؤسسات الدولة.

وعلى الرغم من أن الاعتصامات تلك جاءت كرد مباشر على عملية اعتقال عناصر حماية وزير المالية القيادي في العراقية رافع العيساوي، في 20 من الشهر الماضي فإن أهالي تلك المحافظات كانوا وعلى مدى السنوات الماضية قد تظاهروا في العديد من المناسبات ضد سياسة الحكومة الحالية وإجراءاتها بحقهم، وأهمها التهميش والإقصاء والاعتقالات العشوائية والتعذيب في السجون وإجراءات المساءلة والعدالة وهي المطالب نفسها التي يرفعونها اليوم.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري اليوم في العراق يعد واحدة من quot;أخطر وأوسعquot; الأزمات التي مرت به منذ سقوط النظام السابق سنة (2003)، إلى جانب الأزمة المزمنة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، وأبدت الأمم المتحدة الخميس الماضي عبر ممثلها في العراق، مارتن كوبلر، قلقها من استمرار الأزمة في البلاد ودعت الحكومة إلى عدم التعامل بقوة مع التظاهرات مؤكدة حق المواطنين في التعبير عن مطالبهم وحقوقهم بطريقة سلمية.

الشهرستاني في سامراء

واليوم الخميس بدأ نائب رئيس الوزراء رئيس اللجنة الحكومية المكلفة بمتابعة وتنفيذ مطالب المحتجين حسين الشهرستاني لقاءات في مدينة سامراء مع وجهائها وعشائرها للتعرف إلى مطالب المحتجين.

وفور وصوله إلى سامراء (125 كم شمال غرب بغداد) التي تشهد منذ اسابيع اعتصامات وتظاهرات احتجاج سنية للمطالبة بإلغاء التهميش والعمل على تعديل مسار العملية السياسية بدأ الشهرستاني لقاءات مع وجهاء ونافذين في المدينة واللجان المشرفة على التظاهرات للتعرف إلى المطالب التي يمكن تنفيذها من قبل لجنته واحالة الاخرى التي تتعلق بالدستور على مجلس النواب.

وكان مجلس الوزراء قرر في جلسته الأولى للعام الحالي التي عقدها الثلاثاء الثامن من الشهر الحالي تشكيل لجنة برئاسة الشهرستاني، وعضوية وزراء العدل والدفاع وحقوق الإنسان والبلديات والأشغال العامة والموارد المائية والدولة لشؤون مجلس النواب والأمين العام لمجلس الوزراء ووكيل وزارة الداخلية، تتولى تسلم الطلبات المشروعة من المتظاهرين مباشرة من خلال وفود تمثلهم وترفع توصياتها إلى مجلس الوزراء.

إلا أن الكثير من المراقبين عبروا عن خشيتهم من أن هذه اللجنة لن تسهم بأي حلول للأزمة خصوصا وأن رئيس الحكومة أعلن عقب تشكيل اللجنة أنها لن تتسلم المطالب غير الدستورية ولن تتعامل معها أبدا، موضحين أن مطالب المتظاهرين بإلغاء قانوني المساءلة والعدالة ومكافحة الإرهاب تتعارض مع الدستور وتفتح الطريق أمام البعثيين والإرهابيين.. في حين يؤكد المتظاهرون أن هذين المطلبين من أهم مطالبهم ولا يمكن التخلي عنها وهو ما سيؤدي بحسب المراقبين إلى زيادة الوضع تفجرا خصوصا وأن العامل الإقليمي بات يساعد بشكل كبير على توفير أجواء ملائمة لذلك.

يذكر أن سلسلة تظاهرات انطلقت في العديد من محافظات العراق ومدنه ذات الأغلبية السنية، بدءاً من الأنبار، إثر اعتقال حماية وزير المالية والقيادي في القائمة العراقية رافع العيساوي، قد تحولت فيما بعد إلى اعتصامات متواصلة في نينوى وصلاح الدين فضلاً عن الأنبار، وبنحو أقل في كركوك وديإلى ومنطقة الأعظمية في العاصمة بغداد، للمطالبة بتعديل مسار العملية السياسية وتحقيق التوازن في الدولة، من بين أمور أخرى ترفع quot;المظلومية عنهمquot;، وذلك في وقت لا تزال تداعيات الأزمة بين بغداد وأربيل قائمة على وقع تحشيد الآلة العسكرية للطرفين في حدود كركوك.