تكتسي زيارة الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي، إلى الولايات المتحدة الأميركية أهمية خاصة، إذ تأتي في ظل التطورات السياسية والأمنية المتسارعة في المنطقة، وتشكل لبنة إضافية في التعاون السعودي الأميركي، على الصعد المختلفة.


واشنطن: في الخامس عشر من كانون الثاني (يناير) الجاري، التقى الأمير محمد بن نايف الرئيس الأميركي باراك أوباما، فبحثا الأوضاع السياسية والتطورات في منطقة الشرق الأوسط. هذه الزيارة هي الأولى المعلنة للامير محمد بن نايف إلى واشنطن، التي زارها إلى جانب بريطانيا مرات عدّة بصورة غير معلنة. وتأتي الزيارة جريا على عادة وزراء الداخلية والدفاع السعوديين في زيارة الحليفين الرئيسين للسعودية أميركا وبريطانيا.

وسيكون الحلفاء الأوروبيون المقصد التالي للأمير الذي سيزور ألمانيا وفرنسا في الفترة المقبلة.

وقال البيت الأبيض، في بيان له بعد اللقاء الذي جمع بين الأمير محمد بن نايف وأوباما، إن الجانبين أكدا استمرار الشراكة القوية بين المملكة والولايات المتحدة، وناقشا القضايا الأمنية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وإن الرئيس أوباما هنّأ الأمير محمد بتعيينه وزيرًا للداخلية، وحمّله رسالة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ضمّنها أطيب تمنياته وتحياته، ردًا على التحية التي وجّهها الملك عبد الله للرئيس والشعب الأميركيين، والأماني بدوام النمو والازدهار.

المصالح المشتركة

إلتقى الأمير محمد أيضًا وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ونائبها بيل بيرنز. وذكرت وسائل الاعلام الأميركية أن اللقاء مع كلينتون تطرق الى موضوع تجديد اتفاقية التعاون التقني بين البلدين، التي وقعتها السعودية مع الولايات المتحدة في العام 2008. أما اللقاء مع بيرنز، فقد تناول المسائل السياسية التي تشكل مصالح مشتركة بين البلدين.

كما ضمّت جولة لقاءات وزير الداخلية السعودي مساعد الرئيس الأميركي لشؤون الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب جون برينان، ونائب وزير الخزانة نيل وولين، لتنتهي السلسلة باجتماعين، أولهما مع مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي توم دونلون، ليناقشا سبل رفع مستوى التعاون بين الدولتين، وثانيهما مع مدير مكتب التحقيقات الاتحادية روبرت موللر، ومدير الاستخبارات الأميركية جيمس روبرت كلابر، كلا على حدة، بحضور سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة عادل بن أحمد الجبير وأعضاء الوفد المرافق، مستعرضًا معهما تطوير مجالات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، وعلى رأسها المجال الأمني ومكافحة الارهاب.

مسافر موثوق به

أما الاجتماع الأهم فكان مع جانيت نابوليتانو، وزيرة الأمن الداخلي الأميركية، إذ بحثا تعزيز الأمن المشترك، وأكدا التزام الجانبين تأمين بلديهما ضد التهديدات الجديدة والناشئة، مع دعم وتيسير أوجه العلاقات التجارية وتسهيل حركة السفر بينهما. وخلال الاجتماع، وقع الأمير محمد اتفاق الترتيبات الخاصة ببدء تطبيق برنامج quot;المسافر الموثوق بهquot; بين البلدين، الذي يتيح لسلطات الجمارك والجوازات وحرس الحدود مبدأ المعاملة بالمثل، لتيسير وتسريع فحص المسافرين الموثوق بهم في المطارات، والتركيز على المسافرين الذين يمكن أن يشكلوا تهديدات محتملة.

وقال بيان مشترك بين الوزيرين بعد اللقاء إن وزارة الداخلية السعودية ووزارة الأمن الداخلي الأميركية وقعتا الترتيبات الخاصة بتطبيق كل دولة منهما برنامج المسافر الموثوق، الذي يسهل عمليات التبادل التجاري وحركة السفر ، ويساعد السلطات الأمنية المختصة من الجانبين على التعرف بفاعلية إلى التهديدات المحتملة والحفاظ على أمن حدودهما وبلديهما.

وأوضح البيان أن تطبيق البرنامج يبدأ خلال الأشهر الستة القادمة، ليطبق بشكل كامل بحلول العام 2014.

كما أكد البيان أهمية علاقات التعاون الناشئة بين البلدين في مجال أمن شبكات المعلومات، وإصرارهما على تعزيز الشراكة لحماية البنية التحتية الحيوية المهمة للقطاعين الحكومي والخاص، ولجعل شبكات المعلومات أكثر أمنا لاستخدام مواطنيهما، لأن هذه الشراكة بين البلدين في مجال أمن المعلومات ستساهم في دعم الأمن العالمي.

تمتين وتثمين

تعليقًا على الزيارة وأهميتها، قال ريتشارد فالكنراث، الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب وفي القضايا الأمنية في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن لصحيفة عكاظ السعودية إن زيارة الأمير محمد بن نايف ولقاءه الرئيس أوباما quot;يعني أن التنسيق بين البلدين جار على أفضل المستويات، في ما يتعلق بالقضايا الأمنية وقضايا مكافحة الإرهابquot;.

ولفت إلى أن السعودية ساهمت في منع حدوث عمليات إرهابية، ليس في المملكة فحسب بل في بلاد أخرى أيضًا، مثل الولايات المتحدة، quot;ما يؤكد الثقة الأمنية التي توليها الولايات المتحدة للسعودية في هذا الشأنquot;.

وأفاد خليل جهشان، الناشط العربي الأميركي المختص في قضايا الكونغرس وأستاذ العلاقات الدولية السابق في جامعة ببرداين والرئيس السابق لجمعية العرب الأميركيين، إلى الصحيفة نفسها بأن الزيارة quot;تأتي فى إطار العلاقات المتينة والتعاون المستمر بين الرياض وواشنطن بخصوص القضايا الأمنية، وهذا الاجتماع بين الرئيس الأميركي ووزير الداخلية السعودي شمل تبادل وجهات النظر خصوصا بالنسبة إلى الأوضاع في الشرق الأوسطquot;.

أما فرانك سمولينسكي، الناطق باسم البنتاغون الأميركي، فثمّن اللقاءات التي عقدها الأمير محمد في العاصمة الأميركية، لأنه من الضروري بحسب رأيه أن تصغي واشنطن لوجهة نظر السعودية في القضايا الأمنية الخاصة بالشرق الأوسط، quot;لأنها قد تعدل خططها عندما تتعرف إلى وجهات نظر أصدقائها في المنطقة، خصوصًا في الأزمة المستمرة في سوريا، وفي البرنامج النووي الإيراني والعقوبات الاقتصادية التي يفرضها المجتمع الدولي بهدف وقف تطوير هذا البرنامجquot;.

الأكثر تعاونًا

إلى ذلك، لفتت مصادر دبلوماسية أميركية أن الولايات المتحدة ترى في الأمير محمد الحليف الأكبر لمصالح الولايات المتحدة، مشددة على أنه يتعاون بشكل وثيق مع الاستخبارات الأميركية، التي أشادت بدورها بتعاونه المثمر معها في قضايا أمنية مهمة، تتعلق بالأمن القومي الأميركي ومكافحة الارهاب.

ونقلت صحيفة وورلد تريبون عن أوساط في الإدارة الأميركية إشادتها بتعاون وزير الداخلية السعودي الجديد مؤكدة أن أوباما اجتمع معه في لقاء هو الأعلى مستوى بين لقاءات جمعت الرئيس الأميركي ومسؤولا سعوديا منذ سنوات عدة.

وأفادت مصادر دبلوماسية في العاصمة الأميركية إن محمد بن نايف تعاون مع الاستخبارات الأميركية بشكل وثيق في السنوات الأربع الماضية، حتى قبل تعيينه وزيرًا للداخلية في العام الماضي. وترى الولايات المتحدة ضروريًا أن يستلم الجيل الجديد من الأمراء مسؤوليات الحكم في السعودية، حليف الولايات المتحدة الأكبر.