في ظل حالة الشد والجذب القائمة منذ سنوات بين الأتراك والأكراد، نتيجة الخلافات المثارة بينهم بشأن حفنة من القضايا، كان من الطبيعي أن تتولد حالة من الانقسام بين الأتراك أنفسهم بخصوص تلك القضية الجدلية.
هذا ما برز بوضوح في أسرة عبد الله ديمرباس، رئيس بلدية صور، التي تعدّ واحدة من البلديات الأربع التي تشكل أكبر بلدياتديار بكر، بعدما انضم أحد أبنائه إلى الجيش التركي لبدء خدمة إلزامية، في حين رفض ابنه الآخر ذلك، ولاذ بالفرار إلى الجبال للانضمام إلى المسلحين الذين يحاربونه.
قال ديمرباس في هذا الصدد: quot;حين قامت الطائرات الحربية بطلعات فوق منزلنا، ظلت زوجتي تصلي حتى الصباح، لخشيتها على ابننا الصغير، بينما كانت تتعرّض معاقل وقواعد حزب العمال الكردستاني لقصف متواصل من جانب القوات التركيةquot;.
وكان هذا الابن الأصغر، الذي يدعى باران، 20 عاماً، قد انضم إلى جماعة المسلحين قبل أربعة أعوام، وعاود هنا ديمرباس ليقول quot;فقد كا باران يقول إن النتائج لن تتحقق إلا من خلال الأسلحة. أما ابني الآخر فيعمل مدرّساً، وهو يؤمن بالسياسة مثليquot;.
وأشارت وكالة بلومبيرغ الإخبارية من جانبها إلى أن المساعي المبذولة على صعيد مبادرة السلام المقترحة بين الجانبين ربما تشكل اختباراً لوجهات نظر كلا الطرفين، لاسيما وأن الزخم بين الأكراد وداخل حكومة أردوغان يتجه صوب حل سياسي.
40 ألف قتيل نتيجة الصراع
يكفي أن أرقام حكومية تشير إلى أن الصراع قد تسبب في مقتل ما يقرب من 40 ألف شخص، وزادت تكلفته على 300 مليار دولار على مدار ثلاثة عقود، وذلك في الوقت الذي يواصل فيه حزب العمال الكردستاني معركته للحصول على حق الحكم الذاتي.
وقد أكد أردوغان أنه يجري اتصالات مع زعيم حزب العمال الكردستاني المحبوس، عبد الله أوجلان، وهو إنجاز بالنسبة إلى دولة كانت توجّه الإعلام بأن يطلق عليه quot;قاتل الأطفالquot;، وتعتبر الحزب منظمة إرهابية مثلما تفعل أميركا والاتحاد الأوروبي.
وقال حزب السلام والديمقراطية، وهو أبرز الأحزاب الكردية القانونية التي يمثلها ديمرباس، إن مبادرة السلام الأخيرة هذه جاءت لتثير quot;توقعات كبيرةquot;. حيث جاءت بينما يسعى كثير من الأكراد السوريين إلى الحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي عقب سقوط الرئيس بشار الأسد، بينما ينخرط الأكراد الموجودون في شمال العراق، الذين يحظون بحكم ذاتي إلى حد بعيد، في مواجهة حادة مع بغداد بشأن عائدات النفط.
أوضح في هذا الصدد فادي حكورة المحلل في تشاثام هاوس في العاصمة البريطانية لندن: quot;سوف يحرر نجاح المبادرة تركيا، بما يجعلها تحظى بدور أكثر فعالية في دول الجوار، وسيُظهِر لمنطقة الشرق الأوسط متعددة الطوائف الطرق التي تستوعب من خلالها التنوع العرقي والديني. ويمكنني القول إن هذه الرسالة تعتبر رسالة قويةquot;.
وأضافت بلومبيرغ أن جريمة القتل التي تعرّضت لها ثلاث ناشطات كرديات على علاقة بحزب العمال الكردستاني، إحداهن مؤسسة للحزب، في العاصمة الفرنسية باريس خلال الأسبوع الماضي، جاءت لتظهر المخاطر القائمة بالنسبة إلى عملية السلام، مشيرةً إلى أن مراسم جنازتهن في مدينة ديار بكر اليوم ربما تمثل تحدياً آخر.
وقالت سيهان سينكار، وهي مسؤولة بارزة في الحزب الكردي الرئيس، quot;نحن في حالة حداد على السيدات الثلاث العزل اللواتي تم ذبحهن بلا شفقة. ونود أن نأمل الحصول على سلام، وهو ما يتحقق على حساب أرواح أعداد كبيرة للغاية من الأشخاصquot;.
ونوهت الوكالة كذلك بأن الخطابات التي ألقاها يوم أمس كل من أردوغان وصلاح الدين دميرتاش، أحد قادة حزب السلام والديمقراطية المؤيد للأكراد، أظهرت في واقع الأمر حقيقة الفجوة التي مازال يتعيّن على كلا الطرفين أن يعملا على سدها.
التعليقات