أكراد يتظاهرون ضد ما وصفوه بالإرهاب في أنقرة

الحرب مستمرة بين تركيا وأكرادها، وهي مرت خلال الصيف بأشد فصولها شراسة، شجّعت الأتراك على التشدد، ما يعيد إلى الأذهان سياسة أرض محروقة أنتجت نحو 44 ألف قتيل من طرفي النزاع.


شهد صيف هذا العام أكثر المعارك دموية بين الجيش التركي والمسلحين الأكراد، ما دفع صقور القيادة التركية إلى اتخاذ المزيد من المواقف المتشددة إزاء الانفصاليين الأكراد. وتعيد هذه المعارك إلى الأذهان مرحلة تسعينات القرن الماضي حين قتل واختفى آلاف المدنيين الأكراد بسبب انتهاج الجيش التركي حينها سياسة الأرض المحروقة في مواجهته مسلحي حزب العمال الكردستاني، نتج منها أكثر من 44 ألف قتيل من أفراد الجيش التركي ومسلحي حزب العمال الكردستاني والمدنيين، وتهجير آلاف من قراهم.

هذا ما لفت إليه تقرير جديد نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان، دعت فيه تركيا إلى خطوات إجرائية وقضائية ضد المسؤولين الذين ارتكبوا حينها إعدامات جماعية في اطار عمليات عسكرية نفّذت بموافقة الدولة. كما حذر التقرير من إمكانية إفلات أفراد من قوى الأمن التركية من عقاب يستحقونه، بفضل قانون يحدد فترة 20 عامًا للمقاضاة في جرائم قتل ارتُكبت قبل العام 2005، مستعرضًا مخاطر اللجوء الى الأساليب القديمة في محاربة حزب العمال الكردستاني الذي أطلق هذا الصيف موجة تصعيد في أعمال العنف في جنوب شرقي تركيا.

لإحقاق العدالة

نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن ايما سنكلير ويب، الباحثة في الشؤون التركية في منظمة هيومن رايتس ووتش، قولها إن القوانين القديمة التي تقيّد التحقيق في انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان في تركيا أتاحت لمسؤولين أمنيين أن يفلتوا من العقاب على ما اقترفته أيديهم من جرائم قتل وتعذيب. وأضافت سنكلير ويب: quot;ضروريّ أن تتحرك السلطات التركية الآن لضمان إزالة القيود عن التحقيقات لإحقاق العدالة، فأجواء الخوف بين ذوي الضحايا والشهود ما زالت سائدة حتى اليومquot;.

ودعا التقرير تركيا إلى معالجة المظالم السابقة وإنهاء اسلوب الترهيب الذي هيمن على موقف الدولة في مواجهة الحركة الانفصالية الكردية. كما اقترح أن يشكل البرلمان التركي لجنةً مستقلة للنظر في الانتهاكات السابقة وإزالة عقبات عدة مثل شبكة حراس القرى الذين يتقاضون رواتب من الحكومة ويواجهون اتهامات بارتكاب أعمال قتل وسرقة وخطف.

وسيجتمع غدا الأربعاء ممثلون عن وزارة العدل التركية مع منظمة هيومن رايتس ووتش لتبادل المعلومات عن نتائج تقرير المنظمة وخطط الحكومة للمرحلة التالية لإصلاح النظام القضائي، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن مسؤول في الوزارة طلب عدم ذكر اسمه. وقال المسؤول ان الحكومة والوزارة تعملان لحل قضايا أعمال القتل خارج إطار القانون وتقديم مرتكبيها الى العدالة.

هجمات مضاعفة

يأتي تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش في مرحلة دقيقة تمرّ فيها حكومة أنقرة وقيادة الجيش التركي. فقد تضاعف عدد الهجمات الارهابية في تركيا أكثر من ضعفين خلال العام الماضي، بموازاة تراجع هذا العدد بنسبة 20 في المئة في أوروبا والمنطقة الاوروبية ـ الآسيوية، بحسب تقرير وزارة الخارجية الاميركية عن الإرهاب، صدر في تموز (يوليو) الماضي. وكان حزب العمال الكردستاني، المدرج على قائمة المنظمات الارهابية في تركيا والولايات المتحدة واوروبا ، مسؤولا عن غالبية هذه الهجمات.

وفي آب (أغسطس) الماضي، ردّ الحزب على عملية قامت بها القوات التركية لمدة 19 يومًا في إقليم هاكاري جنوب شرق تركيا بقتل عشرات المدنيين والجنود، في تفجيرات وهجمات منسقة ضد مواقع الجيش التركي. كما خطف عضوًا في البرلمان لمدة 48 ساعة وعشرات المدنيين والمسؤولين المحليين الذي لم يُفرج عنهم حتى الآن، في إطار سعيه إلى توسيع رقعة الأراضي التي يسيطر عليها في منطقة الحدود التركية مع العراق وسوريا.

وردّ رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان بأساليب من سبقوه في التسعينات، متعهدًا بمواصلة حملة الحكومة ضد الارهاب بكل تصميم، إلى أن يُسحق حزب العمال الكردستاني. كما حمل إردوغان على وسائل الاعلام منتقدًا تغطيتها هجمات حزب العمال الكردستاني بوصفها دعاية للحزب.

وفهمت وسائل الاعلام رسالة إردوغان، فسارعت إلى نشر تقارير مؤثرة تحت عناوين مثل quot;قلوبنا تحترقquot; وquot;لن نستسلم ابدًا للارهابquot;، بعد أن قتل مسلحو حزب العمال الكردستاني عشرة جنود على الأقل يوم الأحد الماضي. وحين قُتل عشرة مدنيين إثر انفجار سيارة مفخخة في منطقة غازي عنتاب على الحدود التركية السورية، استحدثت صحيفة حريت واسعة الانتشار بابًا للرسائل داعية القراء إلى إدانة الارهاب كي يقرأها الجميع.

نقد رسمي

ونال سياسيون مؤيدون للأكراد ولحزب السلام والديمقراطية نصيبهم من النقد الرسمي، فوصفهم إردوغان بأنهم امتداد لحزب العمال الكردستاني وليسوا مؤهلين للمساعدة في إنهاء مشكلة الارهاب التي تواجهها تركيا عن طريق المفاوضات. وما صبّ مزيدا من الزيت على نار هذه الحملة خلال الاسبوعين الماضيين كان ظهور نائب من حزب السلام والديمقراطية يحضن مقاتلًا من حزب العمال الكردستاني، وإعلان القيادي في الحزب صلاح الدين دمرداش أن حزب العمال الكردستاني يسيطر على شريط طوله 400 كلم من البلاد.

وبعدما أوقفت أنقرة المفاوضات السرية مع حزب العمال الكردستاني لانهاء العنف مفضلة الحل العسكري، قال محللون إن فرص تحقيق اختراق سياسي تبدو ضئيلة. ويأتي تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش في هذا الوقت تذكيرًا بالأثمان الباهظة التي كلفها استخدام الأساليب العسكرية بلا وازع في هذا النزاع.