تباينت آراء العراقيين في دور الاعلام في المشهد السياسي الاحتجاجي العراقي، إذ ترى الاغلبية أنه يثير الفتن والتفرقة من خلال نشر التصريحات المنفعلة وغير المسؤولة، فيما رأى آخرون أن الاعلام بمبالغاته الكبيرة اضاع الحقوق المشروعة بتصويرها تابعة لأجندات خارجية.


عبد الجبار العتابي من بغداد: منذ بداية الازمة، والاعلام العراقي لا شغل له طوال ساعات البث على مدار اليوم غير نشر التصريحات واجراء اللقاءات والتغطيات المباشرة لكل ما يحدث، من دون أن يتوقف للحد من الانفعالات التي تأتي من هنا وهناك، حتى ضج الناس من القلق بما تتناقله وسائل الاعلام المختلفة التي صورت الامور كأنها على وشك الانفجار، وكأنّ تقسيم البلد حاصل لا محالة.

يمكن قراءة ذلك من خلال صرخة اطلقها الكاتب شلش العراقي على صفحته على موقع فايسبوك، إذ قال: quot;قبل ما انام سويت جولة على القنوات الفضائية.. الوضع متوتر جدًا، والخطب النارية واصلة للسماء، والعقل في اجازة والجنون سيد الموقف، بلد للأسف بلا حكماء ولا عقلاء ولا وطنيين، بلد يتحدث نيابة عنه الطائفيون الكريهون، ونحن نتفرج. لقد اختطفنا ابناء الكتب الصفراء، والجميع ينادينا يا احفاد عمر ويا احفاد علي، والحقيقة انا لست حفيدًا لعمر ولست حفيدًا لعلي، اريد وطني منكم يا اولاد الكلب، وخذوا القرن الهجري الاول كله لكم، وطني يا ابناء التاريخ الاسود، وطني يا احفاد الظلام، وطني، اتركوا وطني واذهبوا تقاتلوا في صفين فالغالب والمغلوب ليس عراقيًاquot;.

إعلام مضلل

في لقائه مع quot;ايلافquot;، اعرب سمير عادل، الطالب في جامعة بغداد، عن رعبه مما يبثه الاعلام حتى عزف عن مشاهدة التلفزيون او قراءة الجريدة، فقال: quot;ما تنقله وسائل الاعلام أثار في نفسي الرعب حتى شعرت أنني لا استطيع أن اخرج من باب الدار، وأن عليّ أن انظر من النافذة قبل أن أهمّ بالخروج، وهذا برأيي إعلام ظالم ومسيس، عليه أن يكون شفافًا في نقل الحقائق وحياديًا، وأن يتصرف بشكل موضوعي، لا أن يخيف الناس بأن الحرب الطائفية قائمة لا محالةquot;.

أضاف: quot;بصراحة، لم يعجبني الاعلام ابدًا في نقله للاحداث، لذلك قررت أن لا اشاهد الاعلام، وأن لا اناقش احدًا من زملائي، وان اكتفي بمحبتي لجميع العراقيين، واعتقد انني سأنجحquot;.

من جانبها اكدت شعاع فاضل، الطالبة في جامعة بغداد، أن الاعلام دق طبول الحرب ولم يكن بمستوى المسؤولية. قالت: quot;نعرف أن التظاهرات حق مشروع للناس ومن واجب وسائل الاعلام أن تتابع ما يجري، لكن عليها أن لا تنقل كل ما يجري، حتى لا تثير المشاعر أو تتهم بأنها تلعب على الطائفيةquot;.

مبالغة وانفعال

اما الصحافي زهير ابراهيم فقد اشار إلى مبالغة الاعلام العراقي في ما يبثه خلال هذه المرحلة الحرجة. قال: quot;الاعلام في بعض الاحيان يسيء إلى الناس قبل أن يسيء إلى الحكومة، فحين يبالغ في نقل رد الفعل فإنه يقول للآخرين إن الآخر يشتمك، وبحجة الركض وراء السبق الصحافي، فقد بعض الاعلام العراقي مصداقيته والتزامهquot;.

وأضاف أن هناك وسائل اعلام فضحت بما بثته ازدواجيتها وتنفيذها لاوامر خارجية، quot;وأنا أرى أن الاعلام لم يكن منصفًا في نقل مطالب الناس بقدر ما اثار الحكومة ضدهاquot;.

من جهته، قال الدكتور صالح الصحن، الاستاذ في كلية الفنون الجميلة ومدير مكتب احدى القنوات الفضائية: quot;كان لوسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة دور كبير في السخونة السياسية التي تحصل في العراق، من خلال اثارة التقاطعات في الآراء والمواقف والمفاهيم، في حين يفترض في الاعلامي أن يكون متمتعًا باستقلال وبوعي يعفي من اثارة الفتنة والتفرقة والنزعات، فعندما اسمح لشخص منفعل بأن يتحدث بطريقة لا مسؤولة، أشجعه على خرق الصف، فيفترض في المؤسسات الاعلامية والعاملين فيها أن لا تطلق العنان لأي تصريح منفعلquot;.

اضاف: quot;خلال الازمة، اشتغل الاعلام العراقي على اثارة الفتنة الطائفية من دون أن يعي ذلك، فهناك مؤسسات اعلامية مشت وراء ما يحدث من دون أن تدرك خطورة ما يحدث، لكن هناك مؤسسات تعي ما يحدث فتتحفظ في بعض الاحيان ولا تبث ما يثير النزعات، وهذه قلة قليلةquot;.

مبالغ ومنحاز

وحول الأمر نفسه، رأى الكاتب والصحافي حسن عبد الحميد أن الاعلام العراقي لم يكن بمستوى انطلاق التظاهرات في عدد من المحافظات العراقية، quot;فالاعلام العراقي كان له امتياز اطلاق ما يسمى بالتمادي الاعلامي، أي عكس الحرية المطلقة، أو الحرية المرعبة احيانًا، فعليك أن تعرف كيف تستثمر الحرية وكيف تستفيد منها لأنك صانع رأي للشارع، وهذا الشارع يتأثر بما يقوله الاعلامquot;.

أضاف: quot;لا اقول إن الاعلام العراقي لم يكن جديرًا بالحرية ولكنه ربما كان مبالغًا او منحازًا او الاثنين معًا، لذلك اعتقد أن الاعلام العراقي لم ينجح في اغلب مفاصله، السمعية والبصرية بشكل خاص، بالاستفادة من هذه التظاهرات، وكان من الممكن أن يتعامل بحجم طبيعتها وأثرها والتخفيف من وطأة تسييس هذه العملية، حتى وصلنا إلى مرحلة صرنا نوهم الشعب والجمهور أن كلمة تسييس مخزية ومعيبة، كما لو أن السياسة وصمة غير مشرفةquot;.

وتابع قائلًا: quot;الاعلام العراقي كعهدي به، وكما كتبت عنه، الكثير من الظلمة والكثير من الضوء، كلاهما يحجب النظر، فقد كنا نعيش في اختناق اعلامي محدود بأربع صحف تمجد النظام والحزب الواحد، الآن الفوضى الاعلامية عارمة، والكثير من الضوء يعمي النظر، لذلك كنت اتمنى على الاعلام العراقي أن ينحاز للحقيقة، وإيصال الصوت الحقيقي الواضحquot;.